انحسار المساحات الخضراء خطر يهدد المناطق الحضرية
طرقت إلى أذهان الصحفي البستاني في القرن التاسع عشر جون لودون- الذي أدمن لمرة واحدة اللودنوم، مستحضر أفيوني، وتوفي وهو يتفانى في بذل ما أوتي من طاقة من أجل زوجته التي تعاني الألم لفترة طويلة - فكرة ''أماكن تتنفس''. وتم تصميم هذه المجموعات الخضراء المتحدة المركز لمنح المناطق السكنية وسكانها ''رئة خضراء''.
الفكرة الرائعة للودون كانت نسخة مبكرة للحزام الأخضر للمملكة المتحدة. ففي أثناء خمسينيات القرن الماضي، في أعقاب قانون تخطيط المدن والريف لعام 1947 أصبح الحزام الأخضر أمراً فعلياً – رغم أنه لم يكن بالحد الذي تخيله لودون. فهو يقيد التنمية لضمان، دوماً، أن المناطق الحضرية لا يمكنها ابتلاع هذه الجزيرة الصغيرة. ومنذ ذلك الوقت، فقد تم حماية 12 في المائة من الأراضي البريطانية على أنها حزام أخضر، مع انخفاض في النسبة المئوية في مناطق أخرى في المملكة المتحدة، حيث مستويات السكان أقل من أن تشكل خطراً على هذه الحزام.
وعلى الرغم من أن الحكومة راقبت هذا الريف الفاتن في المناطق الحضرية، كان أمراً مثيراً للقلق بالنسبة لتعزيز الاقتصاد من قبل قطاع العقارات. ومن لا يرغب، نظراً للارتفاع الذي لا يمكن السيطرة عليه في السوق الرئيسية للندن؟ (حيث أظهرت الأرقام الأخيرة لشركة نايت فرانك أن النمو السنوي في المبيعات بلغ قرابة 10 في المائة).
''هدوء'' قواعد التخطيط حول الحزام الأخضر للسماح للتنمية من شأنه بالتأكيد جني الأموال والوظائف بسهولة وبوتيرة سريعة. ولكنها قد تدمر العناصر المهمة جداً التي جعلت الحزام الأخضر، وكذلك المجتمعات التي بداخله، تبدو جذابة إلى حد كبير؛ كما أنها الخصائص المهمة التي تجذب التنمية في المقام الأول.
قد تبدو عملية دق أجراس التسجيل حول هذه المناطق الخضراء والأراضي الممتعة شيئا مغريا، كما أشار لودون المفتون بروح العامة، عملية البيع السريعة من شأنها منفعة للقطاع الخاص على حساب القطاع العام.
لو أن المستشار بالمملكة المتحدة، جورج أوبسورن، وجه نظره بدلاً من الحزام الأخضر نحو المطاحن الشيطانية المظلمة، فقد يجني الأموال ويخلق فرص العمل والتوظيف، بل ويرقى بنفسه ورفاقه في العمل إلى مكانة عالية في الأرض الأخلاقية.
فأي شخص يسافر بالقطار سيعرف أين تقع مواقع المصانع والأراضي المهجورة في لندن وحولها، بل وفي أماكن أخرى في البلاد. وعلى الصعيد الوطني، توجد أراضي مصانع مهجورة كافية لتسع 1.5 مليون منزل جديد. في لندن هناك 3.580 هكتار متوفرة من أراضي المصانع المهجورة، بحسب ما ورد في قاعدة بيانات الحكومة حول استخدام الأراضي الوطنية لعام 2009 – وهي أرض كافية لتسع ما يقرب من 452.110 منازل جديدة.
ومن يعرف لندن يعرف أنها محشوة بالأبنية الإدارية الفارغة أيضاً.
وتراخي قواعد تغيير المساحات الإدارية إلى مناطق سكنية أضاف بعض التحفيزات لنمو مناطق المصانع المهجورة وستشغل الجرافات وعاملو التشييد محركات الاقتصاد.
إذا أعاق المطورون فكرة وجوب تطهير المواقع، فماذا عن تشكيل الحكومة لجهاز يساعدها في عملية التطهير- ومن ثم توفير المزيد من الوظائف؟ وبعد هذا يتم بيع المواقع النظيفة بسعر غير مبالغ فيه.
والتوجه نحو المناظر الطبيعة والتوازن الحضري الريفي ليس القضية الإبراشية للمملكة المتحدة. فمن الأمور المهمة لسبعة مليارات نسمة (الذين هم في ازدياد) الذين يعيشون فوق الأرض، وبالأخص منذ عام 2008 أصبح معظمنا يعيش في المدن بدلاً من الريف للمرة الأولى في تاريخ الكوكب.
وحتى الآن في المملكة المتحدة تبدو طليعة بعض الأفكار الأصلية حول حماية المناظر الطبيعية، وهشاشتها وأهميتها ذات قيمة لفترة قصيرة لدى صانعي القرار- إلا أن بعض الأسر تبذل الجهد والطاقة في المحافظة على ذلك عندما يصعب الاستمرار في تطبيق حماية هذه المناظر الطبيعية. وهزم قانون أوبسورن لتعويض تنمية الحزام الأخضر هدف الممارسة. فالفكرة الرئيسية للحزام الأخضر هي الموقع وليست مساحة الأرض – رئة خضراء دائمة وفحص دائم للتنمية.
فلولا الملهمون مثل لودون، الذي أدرك أهمية التوازن الحضري/الريفي وصمم ضمن أشياء أخرى أقدم منتزه عام باق للمملكة المتحدة (مشتل ديربي)، وأعظم أمريكي للمناظر الطبيعية فريدريك لو أولمستد، الذي أتى بنسخته الذكية للحزام الخضر (قلادة الزمرد للمنتزهات حول بوسطن)، لعشنا بالفعل في شكل متمدد وليس متوازنا.
وكما هو الحال، في مناطق، حيث تحترم عملية التخطيط الحضري المدروس، ظلت المدينة والريف متميزين بدلاً من كونهما متشابهين. فالمدن المركزية عبارة عن مكان مكتظ بخليط من قاعات السينما والناس والمعارض وحدائق التزلج والفنون العمرانية القديمة والجديدة الأندية والأماكن العامة والمطاعم. وهذا ما جعلها جذابة إلى حد كبير. ويكفل الحزام الأخضر أن تكون هناك كثافة وأيضاً توفير مناطق ريفية في متناول قاطني الحضر.
وينبغي على من يدعون أن الحزام الأخضر شيء غير منتظم أو صمم بشكل مكثف ومتواصل تذكر أن من الأمور المفيدة الحفاظ على وظيفته التي هي جوهرية كالحدود. وفي كلتا الحالتين، لا يمكن الاستغناء عن التنمية. فإنها طفرة أحادية الاتجاه. ولكن يمكن تطهير المناطق التي تنتشر بها زهرة الشيخ. وأيضاً الحقول المهجورة التي تعزز وجود مجموعة محيرة من العناكب والسحالي والعصافير والخنفساء وفوق هذا كله الخضرة التي توفر للمدينة فوائد، فضلاً عن الحدود الفاصلة لمدينة ما وسكانها. فهو كنز طبيعي لأى شخص يقضي الأيام في تشييد عرين وصيد الجنادب كما فعلت أنا في المكان الذي كان مقلبا للنفايات ولكنه خصب، أصبح الآن ساحة انتظار للسيارة بالقرب من موطن طفولتي. فأنت لا تعرف قيمة ما تمتلك إلا بعد فقدانه.