وزارة المالية.. والتنمية
تساءلت في البرنامج الحواري ''حديث الخليج'' بضيافة الزميل سليمان الهتلان: هل صوّت مجلس الشورى ـــ المفترض أنه ممثل للشعب ـــ على منح صندوق النقد الدولي 15 مليار دولار؟ كذلك تساءلت: متى كانت آخر مرة استدعى (أو استضاف) فيها المجلس وزير المالية للإجابة على عشرات الأسئلة التي تهم المواطن والمصلحة العامة؟
لم تألُ المملكة جهداً في مساعدة دول العالم من جزر شرق آسيا إلى أدغال إفريقيا لمواجهة الأزمة المالية العالمية عام 2008 رغم انخفاض أسعار البترول في ظروف وأوقات متفاوتة في تلك الفترة. من المهم أن أذكر ما نشرته بعض التقارير الاقتصادية في صحفنا المحلية أخيرا عن ارتفاع صادرات المملكة نحو 2.03 مليار برميل تقريبا من النفط خلال تسعة أشهر الماضية (يناير – سبتمبر 2012) بقيمة 833 مليار ريال، أي أن دخلنا من النفط فقط تجاوز ثلاثة مليارات ريال يومياً. لذلك لم تخف المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي كريستين لاجارد ابتسامتها العريضة وهي تُثَمِنْ دور المملكة كونها من الداعمين (الكبار) لصندوق النقد الدولي مؤكدة أن السعودية كانت مساهماً كبيراً جداً حتى بالنسبة للأوقات الحرجة.
لا شك أننا نجحنا في بناء احتياطيات مالية ضخمة خارج الوطن تحقيقاً لمبدأ السياسات الاستثمارية (الحكيمة)، ولكننا للأسف فشلنا في تأمين الاعتمادات المالية اللازمة والضرورية لاستكمال النهضة الاقتصادية التنموية الوطنية بالشكل المطلوب والوقت المناسب، ولعلي أذكركم ببعض الأمثلة.
من حق المواطن أن يسأل لماذا رفضت وزارة المالية طلب المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني رصد نحو نصف مليار ريال للبرامج التمهيدية في الكليات التقنية والمعاهد العليا التقنية؟ وزارة المالية رفضت منح المبلغ واستبدلته بأقل من ذلك بكثير لا يتعدى 35 مليون ريال فقط في الميزانية. قد يكون للوزارة مبرراتها التي لم تطلعنا عليها، ولكن مؤسسة التدريب التقني أدرى بمشاريعها. رجال الأعمال يزعمون أن أبناء وبنات الوطن غير مؤهلين، كيف تؤهلهم مؤسسة التدريب وميزانيتها حبر على ورق؟
في جلسة مجلس الشورى في نهاية أيلول (سبتمبر) 2012 قرر المجلس الموافقة على التأكيد على قرار سابق للمجلس يطالب وزارة المالية باعتماد المبالغ المطلوبة لإنشاء فروع رجالية ونسائية لمعهد الإدارة العامة وفقاً للخطة الخمسية. أن (يقرر) المجلس (الموافقة) على (التأكيد) على (قرار سابق) يدل على البيروقراطية التي تنتج عن التسويف والتأخير في التعامل بإيجابية ومهنية مع قرارات مجلس الشورى. وهذه للأسف أصبحت سمة معتادة من بعض المرافق الحكومية مما يتعارض مع سياسة الدولة وأنظمتها في مسيرة الإصلاح الاقتصادي.
وللمتقاعدين المنتمين للمؤسسة العامة للتقاعد التي يرأسها وزير المالية قصة أخرى. بلغ عدد المتقاعدين حتى نهاية العام المالي 1432هـ ــــ 1433هـ/2011 529.237 متقاعداً. هؤلاء المتقاعدون خدموا الوطن بجهودهم وضحوا بزهرة شبابهم. للأسف لم تسهم المؤسسة العامة للتقاعد في إعطاء أي ميزة تذكر للمتقاعدين، سواء كانت مشاريع صحية أو خدمية أو حتى سكنية. إضافة لذلك فإن المتقاعدين ينظرون لما تدفعه المؤسسة على أنه لا يوازي أو يتناسب مع غلاء المعيشة المتنامي.
من حق المواطن أن يسأل لماذا رفضت وزارة المالية صرف بدل لحضانة أطفال الطلاب المبتعثين على الرغم من تأييد المشروع من خمس جهات حكومية؟ ألا يستحق آلاف المبتعثين مساعدة الدولة لمواجهة أوضاعهم المعيشية في الدول التي يدرسون بها؟ من حق المواطن أن يسأل لماذا لم تصرف وزارة المالية بدل التهيئة، الذي كان مقررا صرفه منذ عودة سكان العيص المتضررين من الهزات الأرضية في المدينة قبل أربع سنوات إثر إخلاء المدينة من الأهالي.
من حق المواطن أن يسأل عن سبب عدم صرف مستحقات مشروع الملك عبد الله لتطوير القضاء إلى الآن. لماذا رفضت وزارة المالية طلب (ديوان المراقبة)، فحص الحسابات البنكية وتفاصيل الحساب الختامي للدولة؟ عدم كشف المالية عن هذه التفاصيل يتنافى مع المادتين 10 و20 من نظام ديوان المراقبة ويدعو للشك وعدم الشفافية.
في وقت قراءتكم لهذا المقال، يحل وفد وزارة المالية ضيفاً (كريما) في أروقة اجتماعات صندوق النقد الدولي في طوكيو، حيث يلتقي في كل عام وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في جميع أرجاء العالم، لمناقشة القضايا موضع الاهتمام العالمي. مشاركة المملكة في هذه الاجتماعات مهمة جداً ولا سيما أنها تبحث قضايا الآفاق الاقتصادية العالمية، واستئصال الفقر، والتنمية الاقتصادية، إلى جانب عقد ندوات إعلامية ومؤتمرات صحفية والأنشطة التي تركز على الاقتصاد العالمي والتنمية الدولية. من هذا المنطلق، أطرح سؤالاً على وزير المالية وهو:
متى تتبنى وزارة المالية مؤتمراً مشابهاً في السعودية لبحث القضايا موضع الاهتمام المحلي مثل ارتفاع غلاء المعيشة، واستئصال الفقر الذي يعصف بنحو 20 في المائة من المواطنين حسب التقديرات الرسمية، وتقلص الطبقة المتوسطة، ومجالات التنمية الاقتصادية السعودية؟ متى تعقد وزارة المالية ندوات إعلامية ومؤتمرات صحافية على الصعيد المحلي لتعريف المواطن السعودي بمستجدات أنشطة الوزارة التي تلعب دوراً سيادياً في الاقتصاد الوطني والتنمية والإفصاح عن دور الوزارة في معالجة القضايا الاجتماعية مثل خلق فرص عمل أمام المواطنين السعوديين ومشكلة انكماش النمو في قطاع السكن والإسكان في السعودية؟