شكرا للأرجنتين

أمام الأرجنتين الأربعاء الماضي في الرياض، خرج العقلاء بحقائق واضحة عن لاعب كرة القدم السعودي ومنتخب البلاد، تحتاج إلى توقف وتمعن وقراءة فاحصة، للاستفادة منها فيما هو قادم من أيام واستحقاقات.
لعل أهمها أن اللاعب السعودي موهوب، وأن كرة البلاد ولّادة لم تبلغ سن اليأس بعد، وأن كمية التشاؤم والسوداوية التي يبثها متابعون، ما هي إلا إفرازات وقتية، والإناء بما فيه نضّاح.
البارحة الأولى، من يصدق أن هذه المباراة الدولية الأولى لفهد المولد وبصاص، والثانية للحربي والفرج وسفياني والشهراني والبيشي والخامسة للعابد، وأن الأخضر الذي قابل الأرجنتين لم يكن بين صفوفه سوى أربعة لاعبين فقط من القائمة التي خسرت أمام أستراليا قبل ثمانية أشهر وغادرت السباق إلى المونديال.
هذا دليل واضح وجلي لأولي الألباب فقط، أن الموهبة موجودة، وأن جذوة التحدي لم تنطفئ، اشتعلت مرات حين دوخ العابد دفاع التانجو بمهاراته، حين اخترق المولد الصغير خطوطهم، مرة وأكثر حين راوغ الفرج بكل ثقة وعبر، ومرات حين هاجم الحربي ودافع بضراوة، ناهيك عن الترابط القوي الذي أظهرته صفوف المنتخب بشبابه الغض.
.. إذا.. ليس لدينا مشكلة في الموهبة، أين الخلل؟ لماذا تراجعت نتائجنا؟ لماذا غبنا عن المونديال ثمانية أعوام متتالية. لماذا غابت كأس الأبطال عن خزائن أنديتنا ستة أعوام؟
في ظني، أن كرتنا تعاني من مشكلة إدارية، بل فقر في المواهب الإدارية الرياضية المخططة والمنفذة، هذا الفقر بدأ من الأندية ذاتها وتسرب إلى كافة الجسد الرياضي الوطني بما فيه المنتخب، وخيباتنا الأخيرة هي نتاج تراكمات كبيرة من الأخطاء الإدارية التي استشرت فلم يعد ينفع آخر الطب ولا أوله، وكان خيار الاستئصال قرارا صعبا تمنعه عوامل اجتماعية وشخصية وتنظيمية.
في السنوات العشر الأخيرة، هرولت الأندية تجاه الرؤساء التجار، أو ''المليونيرية''، ولم يكن في حساباتها القدرات الإدارية أبدا، بل إن مقولة: ''نبي رئيس عنده فلوس''، أصبحت شعارا في كل مدرج عند الخسارة، وأصبحت ثروة الرئيس وملاءته سببا كافيا لغض النظر عن أي حماقات تصدر عنه.
هذه المقولة أو الاتجاه كله، خرّج رؤساء في منتصف العشرينات ينحدرون عن أبوين قادرين على تلبية رغبات ابنهم المدلل ومدرج فريقه، كما يتوقع الأنصار في المدرج ذاته على الأقل، وخرّجت رؤساء ''مليونيرية'' ناجحين في بورصة المال والعقار والاستثمار، لا يملكون صفات القائد الفطرية ولا تأهيله العلمي، فوقعوا في شر أفعالهم، وجاءوا خلفهم بإداريين في الصف الثاني، تابعين غير نابهين فأصبح المشهد كله خليطا من المتسربين يفتون بما لا يتقنون.
.. لا ينتهي ضرر المتسربين عند هذا الحد، بل يتعداه إلى تنفير القدرات الإدارية المؤهلة، وإلى تشويه الرأي العام، والذائقة، وإلى تغييب النهج العلمي وسيادة العشوائية، وتكريس مفاهيم خاطئة عن الرياضة لدى أوساط أخرى، أشهرها أن ''الرياضة مستودع الفاشلين'' وهي قاعدة لا يخالفها الواقع كثيرا للأسف.
أزعم أن التجار لا يدخلون في مهنة إلا وأفسدوا أدبياتها، ولا أقلل من قيمة المال في كل عمل، لكنه لا يمنح صاحبه عقلا راجحا، وكما يقال: المال عصب لا مخ، وأزعم أن المؤسسة الرياضية في البلاد ساهمت في سوء نوعية الإداريين الرياضيين بتغييبها القوانين الصارمة المحددة للعاملين في الأندية، وأزعم - والزعم قول إلى الخطأ أقرب من الصواب، أن تخصيص الأندية أصبح قرارا ملحا لا بديل عنه، وأن سنّ قوانين تحكم الوصول لرئاسة الأندية والدخول في العمل الإداري خيار لا يقل عن سابقه.
لا أختصر كل مشاكلنا الرياضية في هذه فقط، لكنها المشكلة الأم، التي تتفرع عنها بقية المشاكل أو تتأثر بها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي