أزمة العراق وانعدام الثقة
شهران مرا على التظاهرات التي تشهدها مدن وسط العراق، دون بارقة أمل في حل تفاوضي بين المتظاهرين والحكومة، مبدئيا لا بد من القول إن القانون العراقي يكفل حق الأهالي في مخاطبة الحكومة، بالطريقة التي يرونها مناسبة، نحن إذن لا نتحدث عن كون الحراك حسنا أو سيئا، ولا عن كونه مفيدا أو غير مفيد.
تركز هذه المقالة على الاحتمالات التي يمكن أن تنجم عن انهيار الثقة بين الأهالي والحكومة، والحلول الممكنة، ولا سيما الدور الذي أظن أن على جيران العراق، ولا سيما المملكة، القيام به لاستنباط حل للأزمة.
معضلة العراق، جوهرها في ظني هو انعدام الإجماع الوطني، بسبب انعدام الثقة بين مكوناته المختلفة. ولا أظن هذا قابلا للعلاج على المدى القصير، ربما يمكن البدء بإجراءات لنزع فتيل التوتر وتمكين الطرفين ــــ المعارضة والحكومة ــــ من التفاوض حول نقاط قابلة للعلاج.
لم يستطع العراقيون قطع هذه الخطوة البديهية، لسبب بسيط، خلاصته أن الزعامات السياسية التي يفترض أنها تمثل المجتمع ''السني'' العراقي، لا تتمتع بثقة الشارع العام في المحافظات المنتفضة. ولهذا السبب فإنها لا تستطيع التفاوض نيابة عن الأهالي. موازيا لذلك، لم ينجح المنتفضون في استنباط قيادة بديلة تستطيع التفاوض وتستطيع ــــ في الوقت نفسه ــــ تقديم التزامات للطرف الآخر.
لهذا السبب، فإن الخطوة الأولى هي تمكين المجتمع ''السني'' العراقي من فرز قيادة تتمتع بالثقة وتستطيع الحديث ـــ دون تردد ــــ باسم الأهالي جميعا، هذه النقطة بالذات تحتاج إلى مساعدة عربية، وأظن أن الحكومة السعودية ــــ هي الطرف الأكثر أهلية لتقديم مساعدة كهذه. دخول المملكة على خط الأزمة سيزعج بعض الناس، هذا شيء مؤكد، لكنه سيريح العراقيين ـــ السنة والشيعة والأكراد ــــ وسيحول دون تطور الأوضاع في العراق إلى وضع كارثي لا يريده أحد.
اقتراحي المحدد هو أن تقوم المملكة بالمساعدة في اختيار ممثلين للعرب السنة، والتدخل كشاهد وضامن للمفاوضات بينهم وبين حكومة بغداد. اعتراف دولة في حجم المملكة بزعماء محددين، ومشاركتها في التفاوض، سيشعر العراقيين ''السنة'' بقدر من الثقة في أولئك الزعماء وفي مسار المفاوضات.
هذا سيريح العراقيين ''السنة''، لأنه سيعزز الاتجاه المعتدل، وسيوفر ما يمكن اعتباره ضمانا، يعوض الثقة المفقودة في الزعماء الحاليين. وهو سيريح العراقيين ''الشيعة'' و''الأكراد''، لأنه سيمكنهم من الحوار مع مفاوضين يتمتعون بصدقية تمثيل الأهالي، ويستطيعون ـــ بالتالي ـــ تقديم الالتزامات الضرورية لإنجاح التفاوض. وهو بالطبع سيريح المنطقة بأسرها، لأنه سيبعد عنها شبح عودة العنف الأعمى وما يحمله من دم ودمار.
أكتب هذا داعيا حكومتنا للدخول على خط الأزمة العراقية. وأعلم أن المنطقة بأسرها في حاجة إلى مبادرات شجاعة وخلاقة كي تحل مشكلاتها بنفسها، وكي تقطع الطريق على تدخل الأجانب أو مواجهة الأسوأ.