عودة الجرذان

تركيا كانت مثلنا مصدومة من تداعيات أنظمة الربيع العربي، بل ترددت في دعمها لثورة ليبيا لكون إستثماراتها تبلغ 4 مليار دولار، وعادت لتعالج هذا الخلل عبر رفع الصوت مبكرا في الثورة السورية، لخشيتها أن تنجح الثورة، وتكون مجددا في صف من خذلوا النظام، ولكن تركيا بعد فترة وخلال زيارة أردوغان لكلينتون أدركت أو أٌبلغت أن ثورة سوريا لا تمتلك الإرادة الدولية لإنجاحها، وأن العين مغمضه من الجميع عن الدعم اللامحدود من روسيا وإيران لإبقاء بشار ونظامة، مما دفعها للتقهقر والسلبيه تجاه ثورة سوريا.

وجاءت الصدمة للأتراك والجميع من مظاهرات ميدان تقسيم، في عز موسم السياحه وتركيا الوجهه العاشرة عالميا، فالتصاعد الغريب والسريع في أعداد المتظاهرين والعنف، والذي يدرك الجميع أنه أكبر من إقتلاع مجموعة أشجار، وأن خصوم تركيا في إيران أو العراق مناصرة لسوريا لا تستطيعون حشد مظاهرات بهذا الشكل، وربما يزيدون بعض الحطب على النار لا أكثر.

حزب العدالة والتنمية يحقق أمور غير مسبوقة في التاريخ التركي، وهو ما جعل أوردغان زعيما مميزا وكان مؤهلا ليصبح زعيما خالدا على شاكلة أتاتورك، فهو أول حزب في تاريخ الديموقراطية التركية يحقق أكثريه في البرلمان،مما أدى إلى تحقق معادلة الحزب الأوحد في البرلمان والحكومه والرئاسة معا، كما أن حكومة أردوغان حققت إنجازات إقتصادية عدة، من رفع السياحه وسداد قرض البنك الدولي، وكذلك الإرتفاع بمتوسط دخل المواطن.

ولكن هذه السيطرة على مفاتيح الحكم والنجاحات الإقتصادية، دفعت العدالة والتنمية لتمددات خلال العقد الماضي، هذه التمددات أدت لتقويض في سلطات الجيش والصحافه والقضاء، والجيش بالتحديد يعد ضمانه للعلمانيين، وتركيا لديها تقاليد علمانية راسخه منذ عهد أتاتورك، مما جعل الضيق بشكل وتصرفات الحكومه موجودة لدى قوى الشعب والمعارضه، تجاه الكثير من الإجراءات التي تصدر من الحكومه بين الفينه والأخرى، ويرون فيها تشويه لصورة تركيا العلمانية، ومشروع طمس لهويتها الأوروبية.

بالرغم من أن المظاهرات التركيه ستهدأ ولن تصل مستوى ثورة، ولكن في ما حدث دروس ليس لأردوغان فقط، بل لتجربة حكم التيارات الإسلامية، فتركيا التي يحكمها حزب حقق أكثرية في الإنتخابات، وحقق نجاحات إقتصادية، بل وحكمه سياسيون يمتازون بالنزاهه، لم يجعلهم هذا كله بمعزل من المعارضه والإحتجاجات.

فالحاكم في تركيا ومصر وباقي دول الربيع يجب أن يدرك الدرس، حيث أن حملك لحقيبة الحكم يزين عنك عمامة الشيخ، وكذلك الحكم لا يعني أبدا لمس المسلمات الوطنية لأي بلد، ولا يعني الفوز بالإنتخابات الحكم منفردا، فأوباما في أول تصريح له دعى منافسه رومني للحوار، وعرض على أعضاء في حكومة الفترة الأولى حقائب وزارية، وليس على طريقة مرسي الذي سعى لنفي شفيق قبل أن يستوي على كرسي الحكم، وأخيرا وصف أردوغان المتظاهرين بالرعاع لا يذكرنا إلا بوصف القذافي لليبيين بالجرذان، وهو الغرور الذي أودى به للمصير الذي نعرف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي