الحرب الطائفية الوحشية في سورية لا حدود لها

الحرب الطائفية الوحشية في سورية لا حدود لها

قرار الرئيس باراك أوباما إرسال ''دعم عسكري مباشر'' غير محدد إلى الثوار السوريين ربما كان سببه المباشر اقتناع الولايات المتحدة الراسخ الآن بأن نظام بشار الأسد استخدم السلاح الكيماوي. لكن يمكن أن يرى كثيرون عبر الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة اختارت الرمي بكل ثقلها خلف تحالف سني ضد قوى شيعية تقودها إيران في المنطقة، وهو صراع أصبحت فيه سورية خط الجبهة الأول.
كيف لا يكون الأمر غير ذلك ونحن نرى البيت الأبيض يتحرك بعد سنتين من التردد في اليوم نفسه الذي عقدت فيه مجموعة من علماء الدين السنة اجتماعاً في القاهرة أعلنوا فيه الجهاد ضد ''النظام الإيراني وحزب الله وحلفائهم الطائفيين'' الذين ''أعلنوا الحرب ضد الإسلام'' في المنطقة''؟ أو كما قال الرئيس السابق بيل كلينتون وهو يوبخ الرئيس أوباما على تردده في اتخاذ قرار حول سورية ''الآن، بعد أن دخل كل من الروس والإيرانيين وحزب الله في فوضى متسارعة، وسبقونا بمسافة كبيرة دون أن نحرك ساكنا''.
ومع أن كلمات كلينتون هذه تذكرنا بصراع الغرب مع الاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط، إلا أن الحرب الباردة هي مقارنة مباشرة بالصراع السني - الشيعي الذي يحرك الأحداث عبر المنطقة. ليس فقط في الهلال الخصيب، وإنما يمتد من تركيا إلى دول الخليج.
وتمتد الجذور الأولية لهذا الصراع داخل العالم الإسلامي إلى الانشقاق الأكبر بين المسلمين في العصر الإسلامي الأول في نهاية القرن السابع الميلادي. كان هناك تنافس كامن بين الأقلية الشيعية والأكثرية السنية المسيطرة، وهو صراع عاد إلى الاشتعال في العقود الثلاثة الماضية، حيث يغلب على القادة الغربيين الذين نشأوا على التمييز بين الأسود والابيض ألا يروا إلا عمائم متداخلة غير واضحة المعالم.
حين حشرت المنطقة في إطار الحرب الباردة كان من الممكن السيطرة حتى على النزاعات العنيفة مثل الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، والحرب العراقية الإيرانية في الفترة 1980-1988، أو الحرب الأهلية التي سادت بالدرجة الأولى بين المسيحيين والمسلمين في لبنان في الفترة 1975-1990. أما القتال الطائفي الوحشي الحالي الذي يميز المعركة بين السنة والشيعة فلا يعرف حدوداً، وهو يندلع عبر حدود اعتباطية رتبها البريطانيون والفرنسيون منذ قرن من الزمان.
أولاً في لبنان، ثم في العراق، والآن في سورية، اعتركت هذه البلدان جميعاً في حرب أهلية ذات طابع طائفي عرقي. لكن ما كان حبكة فرعية سنية شيعية في الدراما اندلع ليصبح مركز الأحداث بعد أن قادت الولايات المتحدة اجتياح العراق عام 2003. وانطلق كل هذا من تولي الشيعة وهم أقلية في الإسلام (لكنهم أكثرية في العراق) مقاليد الحكم في العراق، الدولة التي تقع في قلب العالم العربي، وذلك لأول مرة منذ سقوط العهد الفاطمي الشيعي في 1171. وعمل كل هذا على رجحان ميزان القوة لصالح الجمهورية الإسلامية في إيران، وهي جمهورية شيعية فارسية تطمح لأن تصبح القوة الإقليمية الأخرى المنافسة لإسرائيل، مما أشعل فتناً سنية - شيعية خمدت نارها منذ ألف سنة.
وأصبح العراق حمّام دم طائفي، تُطحن فيه أقليات كالمجتمعات المسيحية التي عاشت هناك منذ القدم، بين هويات جريحة من السنة والشيعة. وسورية المكونة من التشكيلة العرقية الطائفية ذاتها تأخذ الوجهة نفسها. لكن الطائفية حالة ناتجة عن الصراع وليست سبباً له، وهو صراع ألهمته انتفاضة الربيع العربي ضد عشيرة الأسد التي بنت لنفسها سلطة مستبدة تلتف حول الأقلية العلوية، وهي فرع باطني من الشيعة.
والآن، بعد أن قرر كل من إيران وحزب الله، الوكيل اللبناني شبه العسكري لإيران، والحكومة الإسلامية الشيعية لنوري المالكي في العراق، الوقوف إلى جانب الأسد لسحق الثوار من الأغلبية السنية، نرى حدوث استقطاب في المنطقة وتحضيرا لمسرح السباق نحو السيارات المتفجرة من بيروت إلى بغداد.
في عام 2006، حين كان حزب الله قادراً على الظهور قائدا للعرب والمسلمين من سنة وشيعة بعد أن صمد أمام إسرائيل في حرب استمرت خمسة أسابيع، كانت هناك بلدة سورية سنية بالقرب من الحدود اللبنانية تدعى القصير آوت مئات من اللاجئين الشيعة. وفي الأسبوع الماضي وقف مقاتلو حزب الله على أطلال القصير، وراحوا يتبجحون بأنهم حرروها من المتطرفين الجهاديين السنة.
وعلى الرغم من الخلافات بين زعماء السنة، إلا أنهم ضموا الصفوف ووقفوا جميعاً بالأمس على سجادة صلاة واحدة وهتفوا شاجبين حزب الله وإيران. وشملت هذه المجموعة عبد العزيز آل الشيخ مفتي السعودية، وأحمد الطيب شيخ الأزهر في القاهرة، ويوسف القرضاوي. وعلى الحدود الشرقية لسورية قتل الثوار عشرات من الشيعة الذين اعتبروهم من ''المارقين الرافضة''، في الوقت الذي بدأ فيه رأي قديم يعتبر الشيعة ''كفرة'' بالسريان في مناطق أخرى.
مثلا، هناك جانب من الأزمة الحالية في تركيا لم يخضع لفحص دقيق، هو العلاقات المتدهورة بين القوة المتنامية للحزب السني الحاكم بقيادة رجب طيب أردوغان والأقلية العلوية، وهي طائفة من المسلمين ونوع مختلف من الشيعة يشكل نحو خُمس السكان. ومبادرة أردوغان لعقد اتفاق سلام مع أكراد تركيا هدفها الكامن هو جذب أكراد سورية والعراق ضمن دائرة النفوذ التركي السني. وبالمقابل، بالنسبة للشيعة العلويين، فإن اللغة السائدة هذه الأيام هي إرسال خطابات سياسية عامة للناس تقول شيئاً وتعني شيئاً آخر. وحكومة أردوغان تريد إطلاق اسم السلطان سليم الأول على جسر ثالث مزمع إنشاؤه فوق البوسفور في إسطنبول. وسبب الخلاف هو أن السلطان سليم يعد أول خليفة عثماني ذبح العلويين أثناء حربه على الصفويين (والشيعة) في فارس في أوائل القرن السادس عشر.
هذا هو إذاً المضمار الذي دخله بعد ذلك أوباما وحلفاؤه من البريطانيين والفرنسيين من بقايا ما بعد العصر الاستعماري. هذا الدخول الذي جاء متزامناً مع حصار حزب الله للقصير، يبدو مشبوهاً إلى حد كبير في في أجواء مسممة بالطائفية.
أما المحاولة التي لا تزال تستحق المجازفة، فهي إعطاء الثوار الفرصة لترجيح كفة ميدان المعركة ضد نظام الأسد الوحشي وإبعاد المساندة عن الجهاديين السنة الذين يقاتلون إلى جانبهم. والذي ساهم في استقطاب التطرف هو البقاء بعيداً عن الصراع ومنح دور المقاول الفرعي لتسليح المعارضة لأطرف أخرى. وعلى الرغم من دعم روسيا وإيران، فإن عائلة الأسد لن تكسب هذه الحرب كما يتبين من الاعتماد الظاهر على حزب الله والحرس الثوري الإيراني. هناك مدرسة واقعية يسودها اعتقاد بأن من الافضل ترك الإسلاميين الشيعة من حزب الله والمتعاطفين مع القاعدة، مثل ثوار جبهة النصرة، يقاتلون بعضهم بعضا، مثل العقارب المحشورة في قنينة. لكن سورية ليست مكانا لنوع من القتال الجهادي الذي يمكن احتواؤه.
لقد احتضنت أفغانستان في جبال آسيا الوسطى القاعدة ومن شنوا هجمات 11/9. وترك سورية على حالها يمكن أن يؤدي إلى ظهور أفغانستان أخرى على الشواطىء الشرقية للبحر الأبيض المتوسط.

الأكثر قراءة