النقد اليومي
للشأن العام سحر وجاذبية، فالكتابة عنه تجعلك أقرب من الناس، وتجعل دائرة القُراء أوسع، فما تكتبه يصلح موضوعا للنقاش في كل مجلس، ويجعل بالطبع بطلا ورقيا بإمتياز ،ولأننا مجتمع متوازن يسير بنظرية "طخه أو إكسر مخه"، فإننا نعيش في مرحلة رواج الكتاب المنتقدين، بعد أفول مرحلة الكتاب المداحين، ولكن المدح بلا منطق ، تحول أيضا لنقد حسب الدارج.
فالكاتب من المفترض أن يكون أقرب ما يكون من المصداقيه، وكتابة ما يعتقده عن قناعه، ولكن مشكلة رئيسية تصيب الكتاب وأنا منهم، أن ذهنك ينسحب أحيانا من التفكير في رأيك في موضوع ما ، أو إختيار الموضوع الذي تريد نقاشه، وترى أنه يستحق الطرح، إلى الإهتمام بما يستهوي المتلقي، وبالتالي تبحث عن مدح ما يرضي المسئول، أو نقد قضية ما بهدف زيادة الشعبيه.
وحتى لا أنتقد المثالية وأقع في رجسها، وما دمنا في زمن الإنتقاد من أجل الإنتقاد، فوجب علينا التمييز بين جمهور النقادين، فالإنتقاد ليس أمرا حسنا ولا سيئا بذاته، فالنقد الهادف يدفع للتطوير، وذاك بالطبع إذا ما رغب القائمون على عمل بتطويره من الأساس، وهناك نقد من أجل النقد فقط، ويلحظه من يطلع على سلسله مقالات لكاتب ما، وتقريبا لا يتغير في مقالاته إلا إسم الجهه التي ينتقد، وبعض الأرقام البسيطه.
والحقيقه أن النوعين السابقين يضلوا في المدى المقبول، فالنقد الذي يقع في محله أو الذي يغفل الميزات، يدفعان كثير من ماء القطاعات الخدميه الراكد للتحرك، ولكن مبلغ عدم إحترام القارئ، هو خلط الحقائق أو تقديم أسباب غير صحيحة، فقط لتبيان حجه للكاتب ولو لم تكن بحق، وهو أمر يزيد إستفحالا كلما كان الطرح في تويتر أو وسائل الإعلام الجديد، وهو ديدن البيئات التي لا تخضع لقوانين واضحه.
المقدمة الطويلة أعلاه تُعني بأغلب الطرح الذي يتناول الشأن العام ، ولأن في التخصيص والتمثيل شئ من التوضيح، فلننظر لموضوع الساعة في السعودية، وهو حملة وزارة العمل والجوازات، والتي تهدف لتصحيح أوضاع العمالة والمؤسسات العاملة في البلد، الحملة جيدة في هدفها بلا شك، وجيدة لأنها تحرك أجهزة خدمية ترهلت، ولا بد من تحريك الملفات الساكنه، من نفض العديد من الغبار، ولكن لأهل الرياض مناعه تراكميه ضد الغبار إبن العجاج الأصغر.
وقد إنقسم الكتاب بين الدعوة لتمديد المهله أو إلتزامها بوقتها، ولكل رأيه وأسبابه التي قد نختلف أو نتفق معها، ولكن مشكلتي الشخصية تكمن مع بيع الوهم، فأنت لا تحتاج أن تقنعني بتمديد أو عدم تمديد المهله، أن ترفق أسبابا غير ذات علاقه، مثل ما قيل من أن تصحيح أوضاع العماله يمنح فرصا وظيفيه للسعوديين، وهذا صحيح لو كان أغلب المخالفين أطباء ومهندسين وإداريين، ولكنه بيع للوهم إذا كان أغلب العماله المستهدف تصحيح أوضاعها، إما عماله إنشاءات أو عماله منزليه، أو في وظائف لا يشغلها سعوديين إلا نادرا.
نقد النقد الوارد في هذا المقال، لا ينحصر في مثال حملة الجوازات والعمل، بل هو صالح لأغلب القضايا المطروحه، ويجب أن لا يؤثر تأييدنا لرأي ما حول قضية مطروحه، في تقييمنا لمنطقية الأسباب التي يسوقها كاتب أو سيله، لإقناعنا بهذا الرأي، ويجب أن نعيد النظر فيمن لا ينفك ينتقد كل أحد، ويكون جلده حساسا جدا لأول نقد يوجه له.