إيران وأنابيب الغاز الطبيعي
بلغت احتياطيات العالم من الغاز الطبيعى بنهاية 2012م وبحسب إحصائيات الطاقة التي تصدرها بريتش بتروليوم 187 تريليون متر مكعب. وتستحوذ كل من روسيا وإيران وقطر وتركمانستان على نحو 60 في المائة من هذه الاحتياطات المثبتة. وتقوم روسيا بتصدير نحو ثلث إنتاجها عبر أنابيب إلى أوروبا في مشهد سياسي بامتياز. أزعجت أنابيب الغاز الروسية الممتدة كالأخطبوط أوروبا نظراً لما لغازبروم (الشركة الروسية للغاز) من نفوذ متنام فى دول أوروبا وتبقى مشكلاتها مع أوكرانيا وبعض الدول على الأسعار عالقة بالذهن مما جعل الدول الأوروبية تلتفت يمينا ويساراً لتفلت من قبضة الدب الروسي. لا تريد أوروبا أن تكون رهينة لروسيا بسبب حاجتها للغاز ولاسيما في فصل الشتاء وعزوف بعض الأوروبين عن الطاقة النووية. لذلك وجد الأوربيون الحل من الإفلات من هيمنة الروس بإنشاء خط أنابيب نوبوكو الذى ينقل الغاز من آسيا الوسطى إلى تركيا وصولاً إلى النمسا. لكن الروس حاربوا إنشاء هذا الخط حتى أصبح مصدر الغاز لهذا الخط غير معروف. أما قطر فتسيدت العالم بتجارة الغاز المسال حيث بلغت حصتها نحو الثلث من إجمالي التجارة العالمية للغاز المسال. ونظراً لأن تركمانستان دولة داخلية لا تطل على بحر لذلك مدت أنابيب الغاز عبر روسيا لتصدير معظم إنتاجها المعول عليه تغذية خط نوبوكو إلى روسيا فأصبح خط نوبوكو فى مهب الريح بترتيب روسى خبيث. وتقوم أيضاً بتصدير بعض غازها إلى إيران.
تملك إيران وبحسب تقرير بريتش بتروليوم الإحصائي لعام 2013م أكبر احتياط في العالم من الغاز الطبيعي أي أنها تعدت روسيا والحقيقة كانت هذه إحدى أكبر مفاجآت هذا التقرير إذ إن تقرير العام الماضى أشار إلى أن احتياطي روسيا يقدر بنحو 44 تريليون متر مكعب متقدمة على إيران صاحبة المركز الثاني لذلك العام بأكثر من عسرة تريليونات متر مكعب. على كل حال يقدر احتياطي إيران بنحو 18 في المائة من الاحتياطي العالمي من الغاز التقليدي. وهي حالياً ثالث أكبر منتج للغاز في العالم بعد أمريكا وروسيا ومتساوية مع قطر وكندا.
صدرت روسيا في عام 2012م نحو 180 مليار متر مكعب من الغاز وصدرت قطر نحو 130 مليار متر مكعب والنرويج نحو 110 مليارات وكندا 56 مليارا وتركمانستان 45 مليارا. بينما يشير التقرير إلى أن الفرق بين ما أنتجته إيران وما استهلكته هو أربعة أمتار مكعبة فقط وهو حصيلة ما تم بيعه في عام 2012م.
إذاً الكميات المصدرة من الغاز الإيراني في عام 2012م لا تقارن بروسيا وقطر رغم أن لديها احتياطات غازية أكبر منهما. منع الحظر إيران من استغلال غازها كبقية الدول سواء مثل قطر، حيث تجارة الغاز المسال في أفضل حالاتها أو الاستغلال في صناعات بتروكيماوية متقدمة. بدأت إيران بتشييد صناعة تسييل الغاز بمساعدة صينية وربما روسية وستصدر هذا العام أول شحنة للغاز المسال. إذا استطاعت إيران امتلاك كل المفاتيح فيما يتعلق بصناعة ونقل وتجارة الغاز المسال فهي على الأرجح ستنافس قطر في هذا المضمار ولكن يبقى الحظر الدولي وفاعليته من يحدد هذا الاتجاه. وستنتج من الغاز المسال نحو عشرة ملايين طن في عام 2013م وتخطط أن يصل إنتاجها إلى 75 مليون طن فى عام 2015م وهو تحول كبير فى تجارة الغاز المسال العالمية وسيكلفها 75 مليار دولار لتصل لهذه الطاقة الإنتاجية.
لكن المتابعين لما يحدث فى عالم الطاقة يلحظون أن إيران تسعى جاهدة لبسط نفوذها من خلال مد شبكة من الأنابيب لعدة دول فى منظور استراتيجى تم إعداده بدقة فائقة. فهي تزود تركيا بـ 90 في المائة من إجمالي استهلاكها للغاز. إذاً تركيا ترتبط مع إيران بشرايين من الغاز إذا انقطعت تألمت تركيا كثيراً.
وتطمح إيران بإنشاء شبكة من الأنابيب لتصدير الغاز إلى دول مجاورة أخرى وبأسعار مرتبطة بأسعار النفط العالمية. ويوشك خط إيران - باكستان لتزويد باكستان بالغاز على الانتهاء ومن المقرر أن يمد باكستان بنحو 50 في المائة من حاجتها للغاز الطبيعي. وقد يمتد هذا الخط لنقل الغاز إلى الهند أيضاً إذا ما تم الاتفاق على سعر الغاز. ويعتبر خط إيران تركيا - أرمينيا مهما أيضاً. إذاً إيران تغذي حالياً أرمينيا وتركيا بالغاز الطبيعي والباكستان قريباً أي أن إيران يمكن أن تلعب بورقة الطاقة مع هذه الدول. وتمد أيضاً تحت مياه الخليج العربي أنابيب بطول 200 كيلومتر لتزويد عمان بالغاز بغرض إسالته ومن ثم بيعه وقد يمتد هذا الأنبوب تحت المحيط الهندي ليصل إلى الهند. ويجب ألا ننسى الأنبوب الذي يصل إلى الإمارات لتزويدها بالغاز من حقل سلمان الإيراني إلا أن الاختلاف على السعر قد منع من إتمام الشراكة التي ربما تنتهى بالمحاكم الدولية.
وأما الخط الأهم فهو نقل الغاز الإيراني إلى العراق فسورية مرورا بالبحر المتوسط فأوروبا. حيث تم التوقيع فى طهران عام 2011م اتفاقية بين هذه الدول الثلاث لمد أنبوب غاز بطول 5600 كيلومتر لنقل 110 ملايين متر مكعب يومياً. الحقيقة أن هذا الخط (لو تم) هو أمنية إيران لأن غازها سينتشر في أوروبا وبالأسعار المناسبة. وسيكون الأوربيون محصورين ما بين الغاز الروسي والإيراني أى كالمستجير من الرمضاء بالنار. وهذا أيضاً قد يفسر بعض الجوانب لما يحدث في الشام. وفي هذا الإطار وقعت وزارة الكهرباء العراقية الشهر الماضي اتفاقية أولية مع إيران تقضي باستيراد الغاز الطبيعي، للمساعدة في توليد الطاقة في بغداد. وستقوم إيران بإنشاء خط أنابيب عبر العراق لتزويدها بكمية 25 مليون متر مكعب من الغاز يومياً بالأسعار العالمية. إذا نستطيع الملاحظة أن إيران تسعى وتعمل جاهدة للتغلب على الحظر للحصول على العملة الصعبة للنهوض باقتصادها المتعثر وللسيطرة وبسط النفوذ. إذ إن معدل أسعار الغاز الروسي في ألمانيا وصل في عام 2012م إلى غشرة دولارات للمليون وحدة وأما أسعار الغاز المسال فقد وصل معدلها العالمي إلى نحو 17 دولارا للمليون وحدة.
النفط والغاز هما وقود الحياة العصرية بعد فشل الكثير من البدائل وظهور خطورة الطاقة النووية فى فوكوشيما اليابانية. وتحاول كثير من الدول المالكة لهذه الثروات السيطرة على دول الجوار من أجل تأمين دول ناقلة لهذا الغاز كحالة روسيا وأوكرانيا أو شراء ثروات الدول الصغيرة المجاورة حتى لا تعطل مصالحها كحالة روسيا وتركمانستان حينما اشترت روسيا معظم غاز تركمانستان لمنعها من تغذية خط نوبوكو المعادي لروسيا. ونستطيع تفهم تغلغل إيران في بعض دول الجوار عندما نعلم أنها بحاجة لمد أنابيب عبر العراق وسورية عبر المتوسط لتصل إلى دول الاتحاد الأوروبي المتعطش للغاز. لكن يبقى السؤال الأهم لماذا تصر إيران على إنشاء المحطات النووية رغم أنها تمتلك احتياطات هائلة من الغاز المادة الآمنة والأنظف لتوليد الكهرباء مع أن دول متطورة جداً ولا تملك أي احتياطات غازية تذكر مثل اليابان وألمانيا بدأت تهجر الطاقة النووية وتزيد اعتمادها على الغاز الوقود الأمثل لتوليد الطاقة؟.