أطفالنا «مِنقي» الإثيوبيات

أحسنت وزارة العمل عندما أصدرت قرارها بإيقاف استقدام الخادمات من إثيوبيا مؤقتاً. إن ما يحمله هؤلاء من مفاهيم خبيثة ومعتقدات خطيرة تسوِّغ قتل الأطفال لأي سبب كان، وما أدى إليه من وقوع ضحايا في عدد من مناطق المملكة، أمر يدعو للقلق، ويستدعي فرض تعليمات وقيود على الاستقدام من الدول التي تنتشر فيها مثل هذه المفاهيم والخزعبلات.
هذه المفاهيم الشيطانية سادت لقرون طويلة، وأشهر من رأى الخلاص في قتل الأطفال كان فرعون الذي أمر بقتل كل مواليد بني إسرائيل من الذكور لضمان بقائه على عرش مصر، بعدما علم أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه، وكانت هذه البشارة مشهورة عند بني إسرائيل، فتحدث بها القبط فيما بينهم، ووصلت إلى فرعون فذكرها له بعض أمرائه وجلسائه وهم يسمرون عنده، فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل ليضمن ألا يأتي هذا الغلام.
كما روي أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً قد أقبلت من نحو بيت المقدس، فأحرقت دور مصر وجميع القبط ولم تضر بني إسرائيل، فلما استيقظ هاله ذلك، فجمع الكهنة والسحرة وسألهم عن ذلك، فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه. ولن يغني حذر من قدر، بل إن موسى عليه السلام تربى في بيت الفرعون ليكون له عدواً وحزناً.
سرت تلك الفكرة الخبيثة في أقوام وأمم كثيرة، حتى أن العرب كانوا يقتلون الإناث خوفاً من الفضيحة، واستمر ظهورها في قبائل جاهلية تتبع الهوى والسحرة والشيطان، فظهرت في قبائل كثيرة التضحية كل سنة بأجمل فتاة لآلهة النهر لضمان استمرار جريانه. وانتشر في آخرين هذا القتل الجائر لمنع البراكين من الثوران، وأسباب شتى، لا يتفق أي منها مع الأديان السماوية ولا مع العقل.
لفت نظري الزميل الفاضل عبد الله الغامدي إلى مقال ظهر في مجلة ''ناشيونال جيوغرافيك''، وهي مجلة ذات مصداقية عالية. يتحدث المقال عن شاب إثيوبي يدعى ''ليل كابوكو'' يعيش بين الولايات المتحدة التي يدرس فيها وإثيوبيا، حيث شارك في إنشاء جمعية تسمى ''طفل أومو''، لحماية الأطفال من القتل في نهر ''أومو''. تؤمِّن الجمعية للأطفال الحماية والسكن والتعليم بعد إنقاذهم من القتل في النهر.
فوجئ كابوكو عندما بلغ الخامسة عشرة أن كبار قبيلته يختارون أطفالاً بعينهم لرميهم في النهر، أو الدفع بهم من جبل شاهق، أو رميهم في الغابة ليموتوا جوعاً أو تأكلهم الحيوانات المفترسة. هؤلاء الأطفال كان يطلق عليهم ''مِنقي''. طفل المِنقي ''ملعون''، تؤدي ولادته ـــ حسب الخرافة السائدة لدى قبائل جنوب غرب إثيوبيا ــــ إلى انتشار القحط والمجاعة والأوبئة.
كان الكبار يقومون بالقتل دون علم الأطفال الذين لم يبلغوا 15 عاماً. تتم عمليات القتل بسرية تامة، بل إن كابوكو اكتشف أن له أختين من أطفال المِنقي لم يعرفهما أبداً. فقرر أن يتولى مهمة الحفاظ على هؤلاء الأطفال، وعرض على كبار قريته أن يكون هو نهر ''أومو'' الذي يستقبل أطفال المنقي، ولكن ليوفر لهم حياة أفضل بعيداً عن تلك الخرافات والشعوذة.
على أن الإثيوبيات اللواتي مارسن طقوساً شبيهة بهذه، يأتين من بيئة تشبه إلى حد بعيد بيئات خادمات نستقدمهن من دول أخرى، ويعشن بيننا. الإندونيسيات يأتين كذلك من بيئة تؤمن بالسحر. عثر كثير من الكفلاء لدى خادماتهن على طلاسم وأحراز غريبة الشكل، بل إن الكثير منهن سببن الضرر على من يؤذونهن أو يكتسبون كراهيتهن من أبناء وأقارب وجيران الكفيل. وقد اكتشف الكثيرون أنه عمل لهم أو لأبنائهم سحر أثناء وجود أو بعد سفر الخادمات.
على أن الإيمان والاعتماد على السحر والخرافات منتشر كثيراً في أغلب دول العالم، لكن قضية قتل الأطفال توسلاً أو إيماناً بأن ذلك ضرورة يستلزمها البقاء والعيش بهناء أو الحماية للأسرة أو الخادمة أو أهلها في بلدها، أمر في غاية الخطورة.
لم يحقق التوجه للاستقدام من إثيوبيا سوى خفض سعر الاستقدام والرواتب فقط. الخادمات الإثيوبيات علاوة على معتقداتهن الخطيرة، مرشحات للهروب أكثر من غيرهن، إضافة إلى سوء الأداء بشكل عام.
يضاف إلى كل هذا أن عملية الاستقدام تتم بشكل عشوائي هدفه الرئيس الربحية، وهو أمر ليس محرماً، لكن الأمانة تتطلب أن يقوم المكتب المسؤول عن الاستقدام بالبحث والتقصي والاختيار من فئات المجتمع غير الوثني. هذا الأمر ليس سهلاً، ولذلك فالأفضل ــــ في رأيي ــــ هو التوقف التام عن الاستقدام من هناك، خصوصاً أن الكثير ممن يرتكبون جرائم خطيرة من الإثيوبيين يؤوون الهاربات ويوفرون لهن السكن والغذاء والدخل المادي مقابل ممارسات غير شرعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي