زها حديد.. من زيارة المتاحف إلى أشهر معماريي العالم
قالت مصممة محطة مترو مركز الملك عبد الله المالي: ''إن مشروع المحطة مهم للغاية، يتكامل مع السياق الحضاري للحي المالي، ويستجيب للاحتياجات الوظيفية لمراكز النقل متعددة الوسائط''.
وأضافت زها حديد، المعمارية البريطانية ذات الأصل العراقي، أن مشروع محطة حي الملك عبد الله المالي حصل على الشهادة الفضية، وهي شهادة ذات مستوى عالٍ لأي مشروع حول العالم.
المصممة زها، التي ولدت في بغداد في الخمسينيات، حيث الأناقة سمة أساسية للأفراد والمباني، أكملت دراستها الثانوية في العاصمة العراقية، والتحقت بالجامعة الأمريكية في بيروت عام 1971م، ثم بكلية العمارة البريطانية في لندن. وقد حصدت المصممة عشرات الجوائز الدولية، وهي أول امرأة تفوز بجائزة ''بريتزكر'' للعمارة في عام 2004م، ولهذه الجائزة ميزة خاصة في عالم فن العمارة، إذ توازي تقريباً جائزة نوبل في العلوم والأدب.
المعمارية البريطانية، ذات الأصل العراقي صرحت للإعلام بأنها تعيد النظر الآن في نحو 60 في المائة من أعمالها في العالم العربي، بسبب ما بات يعرف بالربيع العربي، والوضع الاقتصادي الراهن، وتؤكد أن العديد من الدول العربية مدينة لها بأموال طائلة. فإلى تفاصيل الحوار:
ما الذي يجعل تصميمك لمترو الرياض فريداً من نوعه، مقارنة بتصاميمك المعمارية الأخرى؟
محطة مترو مركز الملك عبد الله المالي مشروع مهم للغاية، لأنها بمثابة محطة رئيسة لتقاطع ثلاثة خطوط مترو على الشبكة الجديدة، مع ستة أرصفة تمتد على مساحة تتجاوز أربعة طوابق عامة ومستويين من مواقف السيارات تحت الأرض.
لهذا فإن محطة مترو مركز الملك عبد الله المالي يجب أن تتكامل مع السياق الحضاري للحي، وتستجيب للاحتياجات الوظيفية لمراكز النقل متعددة الوسائط، وللرؤية المستقبلية للمركز المالي.
المشروع يمتد خارج جغرافية المحطة، ليؤكد على أهمية المبنى وديناميكيته والوظائف العامة والمتعددة له، ليس فقط من زوايا وظيفية وإنما باعتباره مساحة عامة تضيف لمدينة الرياض.
ما رأيك وانطباعك حول أساليب وأنماط العمارة في العاصمة السعودية الرياض؟
الرياض تنمو بسرعة. فقد تضاعف عدد سكانها في السنوات الـ 20 الماضية إلى أكثر من 5 ملايين نسمة، ومن الواضح أن المسؤولين والحكومة السعودية يستثمرون فيها آخذين في الاعتبار النوعية والجودة.
فالتركيز في الرياض لا ينصب فقط على المباني الفردية، لكن هناك خطة متماسكة لتحقيق النمو وإنجاز بنية أساسية مستقبلية. وهناك التزام قوي من قبل المسؤولين في العاصمة تجاه الحفاظ على البيئة بشكل مستدام.
أنا أعرف ذلك من خلال خبرتي المباشرة. فمشروعنا لمركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية في الرياض تطلب أعلى مستوى من الإنجاز، وحاز على شهادة القيادة البلاتينية في الطاقة والتصميم البيئي. أما محطة مترو حي الملك عبد الله المالي فقد حصلت على الشهادة الفضية، وهذا مستوى عالٍ جداً لأي مشروع حول العالم.
هل لديكِ مشاريع جديدة في الشرق الأوسط؟
لدي عدد من المشاريع في المنطقة، فإضافة إلى مشاريع موجودة في الرياض، أكملنا جسر الشيخ زايد في أبو ظبي، ونُشيّد معهد عصام فارس في الجامعة الأمريكية في بيروت، والبنك المركزي العراقي، وصممت أيضاً مركز أبو ظبي للثقافة والفنون الأدائية، وفي عمان التي تخطط لبدء البناء في السنوات المقبلة.
كيف انعكست وأثرت أصولك العربية على تصاميمك؟
هناك تأثير فيما يتعلق بغرامي بالهندسة التجريدية وانسيابية الخط العربي، فأنا مغرمة بالمفاهيم الرياضية العربية التي تمزج المنطق مع القيم المجردة. لقد أصبحت مهتمة بالهندسة عندما كنت أدرس الرياضيات في الجامعة الأمريكية في بيروت، لقد أدركت حينها التفاعل والاتصال بين المنطق الرياضي والهندسة المعمارية والمفاهيم التجريدية في الخط العربي. فالهندسة والرياضيات لديهما اتصال وتأثير هائل على فن العمارة.
ما الذي وجهك إلى الهندسة المعمارية لاختيارها كمهنة؟
ذاكرتي في مجال الهندسة المعمارية تعود إلى سنوات طفولتي الأولى عندما كنت في السادسة أو السابعة من العمر، وتحديداً في منزل عمتي في الموصول. فأحد أصدقاء أبي المقربين كان مهندساً معمارياً، اعتاد أن يأتي لمنزلنا حاملاً معه رسومه ونماذجه الهندسية، أتذكر رؤية تلك النماذج في غرفة المعيشة لدينا، وأعتقد أنها أشعلت شيئاً ما في داخلي، فقد أصبحت مفتونة بها.
وعندما كنت طفلة كنت محظوظة بالسفر مع والدي في العطلة الصيفية، وكان أبي حريصاً كل الحرص على زيارة المتاحف كافة، ومشاهدة كل مبنى مهم، وأتذكر عندما زرنا المسجد الكبير في قرطبة، كان عمري سبعة أعوام، وكانت مساحة المسجد مذهلة بالنسبة لي. بالطبع شاهدت أماكن أخرى عظيمة، لكن هذا المسجد ترك انطباعاً هائلاً بداخلي.
أنت معمارية تضعين تصاميم هندسية، لكنك إضافة لهذا تصممين قطع أثاث فريدة. لماذا؟
لتصميم قطع الأثاث أهمية كبيرة بالنسبة لي. فتصميم الأثاث أمر تجريبي سريع التنفيذ مقارنة بمشاريع الهندسة المعمارية، ويلهم قدرتنا على الإبداع، ويمنحنا الفرصة للتعبير عن أفكارنا على نطاق مختلف وبطريقة مختلفة.
وأعتقد أن تصميم قطع الأثاث جزء من عملية متواصلة ذات اتجاهين، فنحن نطبق أبحاث الهندسة المعمارية وتجاربنا خلال تصميم قطعة الأثاث، ولكننا نتعلم أيضاً بقدر كبير خلال عملية تصميم المنتجات، وذلك عبر استخدام مواد وتقنيات مختلفة عما نستخدمه في مجال الهندسة المعمارية.
بالطبع هناك الآن حالة من السيولة بين الفن وتصميم الأثاث والعمارة بطريقة تسمح بتلاقح تلك التخصصات. لكن الأمر لا يتعلق بالمنافسة بل بالتعاون، وكيف يمكن أن يسهم كل فرع في تطوير الفرع الآخر.
من وجهة نظرك ما الذي يمنح تصاميمك تميزها وتفردها؟
لدينا خبرات متنوعة من العمل، ونرغب دائماً في التفاعل مع تحديات جديدة ومختلفة، ففي كل مشروع نقوم به نتعامل معه في إطاره الخاص وبطريقة فريدة من نوعها تماماً.
فالاستقبال الدافئ والشعبي لتصاميمنا المعمارية يعود بشكل كبير لاعتراف الجماهير بالجمال الأصيل لها وأشكاله الانسيابية، فشكل المبنى ليس فقط هو ما يحظى باهتمامنا، ففي كل مشروع نحقق ونبحث في الغرض منه بالنسبة للمستخدم. ودائماً نسعى لطرق جديدة على أن تكون الأفضل، حتى يمكن للناس استخدام المبنى، ثم نقوم بعد ذلك بالتصميم مستخدمين نتائج أبحاثنا.
في جميع أعمالي أستكشف المناظر الطبيعية والتضاريس، ومن ثم أحدد وأرسم خطوط معينة من الاتصالات المرئية مع البيئة المحلية، وبهذا تصبح الانسيابية المعمارية واضحة نتيجة تلك الأبحاث.
كما أستخدم الخطوط والمنحنيات للتواصل مع البيئة لتشكيل التصميم الهندسي، وبذلك يكون التصميم في وسط بيئته، ولهذا يكون لكل مشروع ارتباط قوي بمحيطه، لكن في الوقت ذاته تفرده وتميزه مقارنة بالأشكال المعمارية المحيطة به.
فالعمارة لا تتبع الموضة أو الدورات الاقتصادية، لكنها تتبع منطقها المتأصل في دورات الابتكار المتولدة من التطورات الاجتماعية والاقتصادية، فمجتمعاتنا المعاصرة ليست جامدة، والمباني يجب أن تتطور مع النماذج الجديدة للحياة لمواجهة احتياجات المستخدمين.
أعتقد أن الجديد في جيلنا هو وجود مستوى مرتفع من التعقيدات الاجتماعية، وهذا يجب أن ينعكس في فن العمارة، فتعقيدات وحيوية الحياة المعاصرة لا يمكن أن أختزلها في التقسيمات والكتل المعمارية للقرن العشرين.
ومن ثم، فإن أحد أكبر التحديات في المدينة المعاصرة وفي فن العمارة هو تجاوز الأشكال المعمارية لتقسيمات القرن العشرين، والمضي قدماً نحو عمارة القرن الـ 21، التي يجب أن تعالج تعقيدات العمل وحيوية الحياة.
ونتيجة لهذا، عملي يعتمد على استخدام المفاهيم والمنطق والأساليب التي تفحص وتمحص تعقيدات أنماط الحياة المعاصرة، فعملية التكرار التي اتصفت بها عمارة القرن الماضي يجب تجاوزها، وأن يحل محلها مبانٍ تتصف بأنماط من المشاركة والدمج والتكيف مع الاحتياجات المتغيرة للمستخدمين.
هل تستمتعين بالتصاميم ذات الطابع المحلي كاستمتاعك بالتصاميم الضخمة؟
من حيث الشكل، جميع المشاريع تهمني على حد سواء، وإن كان من الواضح أن هناك اختلافات كبيرة بينها، ففكرة مبنى أو مشروع يمكن أن تقفز إلى ذهنك سريعاً، لكن هناك فرق كبير فيما يتعلق بكيفية تطوير كل مشروع.
ما هو تصميمك المعماري الأقرب إلى روحك؟ ولماذا؟
هذا سؤال صعب جداً، إذ يصعب أن تشير إلى مبنى واحد، لأنهم جميعاً جاءوا في أوقات مختلفة ويعبرون عن أزمنة ومراحل مختلفة في مسيرتي، وعلى هذا النحو، أنا فخورة بهم جميعاً بنفس القدر.
لذلك من الصعب جداً الإجابة على هذا السؤال، إنه تماماً كمن يسأل شخصاً عمن هو طفله المفضل بين أبنائه. لكن ربما لدي نوع معين من المودة لمحطة إطفاء ''فيترا''، لأنها كانت أول مبنى لي.
وأعتبر أن رولف فيهلبام رئيس محطة إطفاء ''فيترا'' راعٍ حقيقي، إذ امتلك الشجاعة على منحي تلك الفرصة دون أن يرى أي سجل لي من الأعمال، ودون التيقن من مدى نجاحي الشعبي.
كيف تبدو مبانٍ وعمارة المستقبل من وجهة نظرك؟
التقدم الهائل في التكنولوجيا المتعلقة بالتصاميم الهندسية ستمكن المهندسين المعماريين من إعادة التفكير بشكل جذري في موضوعي الشكل والفضاء، مستخدمين الأساليب والمواد التي يجري تطويرها.
المعماريون يستخدمون الآن أساليب جديدة لتطوير مشاريع تستجيب لأنماط المعيشة الفردية، وإنشاء مبانٍ تتكامل وتتكيف مع احتياجات سكانها. هذه المباني ستستغل المؤشرات البيئية لأقصى مدى لتتناسب مع احتياجات المستخدمين في أي لحظة.
كما سيتم تطبيق التصاميم الحديثة وتقنيات البناء على المناطق العمرانية لتشييد مدن كاملة. أما المواد الجديدة وطرق الاستفادة من المساحات الخالية فستسمح بتشييد مبانٍ تساعد على تعزيز عملية التواصل الداخلي بين المستخدمين.
ومع استجابة المعماري لنماذج الاستخدام اليومي، وتغير المؤشرات البيئية، فإن المباني المشيدة على الطراز الحديث ستساهم في بناء مجتمع مستدام، وإيجاد حلول للتحديات البيئية الملحة، وهي مسألة حيوية في عصرنا هذا.
هل ينبغي لنا أن نتوقع ثورة جديدة في مجال فن العمارة في المستقبل القريب؟
تصاميمنا تبحث في الإمكانيات الجديدة لتطوير تكنولوجيا البناء، كما أن الصناعة تواصل تزويدنا بأدوات حديثة ومواد متطورة أكثر من أي وقت مضى. وهناك علاقة ارتباط قوية بين أن يكون لدينا تصاميم هندسية أكثر طموحاً وبين التشجيع على تطوير تكنولوجيا رقمية وتقنيات بناء قادرة على تحقيق ذلك. هذه التطورات تلهمنا على المضي قدماً وطرح تصاميم واعدة.
وحيث أن كل مرحلة لها تحدياتها الخاصة والفريدة من نوعها، فإن هذا يتطلب أن يكون لدينا قسم كامل في مكتبنا لبحث التصاميم الجديدة وتقنيات البناء الحديثة. ونسعى للحفاظ على مبدأ التعاون الدائم مع المهندسين والأشخاص الذين يجرون تجارباً على المواد المستخدمة في العمل للوصول لاكتشافات جديدة.