لو لم يُكتشف النفط في بلادنا؟
تخيلوا حالنا وحياتنا ووضعنا المعيشي والاجتماعي على ظهر هذه الصحراء القاحلة لو لم نكتشف هذه الثروة النفطية الهائلة، وظلت أمورنا على ما كانت عليه قبل 70 عامًا! فإذا استثنينا مناطق محدودة من شبه الجزيرة العربية، كمدن الحجاز التي يرتادها الحجاج والمعتمرون وبعض أطراف البلاد المطلة على البحار، فإن المعيشة في الوسط كانت شحيحة إلى حد تفشي ظاهرة المجاعة المزمنة في أغلب نواحيها. وكانت نسبة كبيرة من أفراد المجتمع لا يجدون مؤونة يومين متتاليين، بل إن بعضهم يأوون إلى مضاجعهم من دون طعام يسد رمق جوعهم. ولولا الله ثم المناعة الطبيعية التي مَنَّ الله بها عليهم لفتكت بهم الأمراض المستعصية والقاتلة، نظرا لعدم وجود مصحَّات حديثة وعلاجات لأبسط العِلل؛ إذ لم يكن بإمكانهم ماديًّا إنشاء مرافق للتعليم ولا المقدرة على استقدام مؤهلين في العلوم الطبية والعلاجية. وهذا الحديث ليس من باب جلد الذات أو عن قصص لمجرد التسلية، بل هو دعوة إلى إحياء الضمائر الميتة والعقول النائمة ليتفكروا في قدرة مُغيِّر الأحوال ومقلب القلوب والأبصار.
لذلك فقد كنا قبل عصر النفط نعيش حياة متناهية البساطة وخالية من جميع ما يتميز به العصر الحديث من علم وتطور ورفاهية. وكان معظم سكان صحراء الجزيرة العربية يعتمدون في غذائهم على الله ثم على التمر كمصدر رئيس للطاقة البدنية، إلى جانب قليل مما تجود به أرضهم من القمح وبعض أنواع البقول التي هي الأخرى لم تكن في متناول الجميع. وكانت بيوتنا آنذاك مبنية من الطين المحلي وشوارعنا ترابية وضيقة، لا تكاد تسمح بالمرور لأكثر من مركبة واحدة في اتجاه واحد. ومن النادر أن يحوي المنزل دورة مياه، لعدم وجود تمديدات توصِّل الماء إلى البيوت لأسباب اقتصادية وفنية، ناهيك عن خلوها تمامًا من الأثاث. وكان من حسن الحظ أن عدد السكان آنذاك أقل من مليوني نسمة. وكانت كمية نزول الأمطار، على شحها، تفوق بكثير كمية الأمطار السنوية التي تهطل علينا من حين إلى آخر خلال السنوات المتأخرة. فماذا يعني لنا ذلك، لو كنا فعلاً حتى اليوم نعيش بدون نفط؟ سوف - دون شك - تكون أحوالنا المعيشية والاجتماعية أكثر سوءا مما كانت عليه قبل ستة عقود. وبطبيعة الحال، فستظل الطرق البرية الرئيسة والفرعية بين المدن غير معبدة ولا ممهدة، مع ندرة في المركبات الحديثة. ومن المؤكد خلو البلاد بطولها وعرضها من المطارات لعدم وجود مصادر للدخل وعدم القدرة المالية لدى الأفراد على السفر، إلا ربما من منافذ دخول الحجاج إلى الأماكن المقدسة.
وحتما لن يكون عدد سكان المملكة قد وصل إلى مستواه الحالي، فوق العشرين مليون نسمة. ومن المرجح أن عدد السكان تحت الظروف المعيشية القاسية سيكون في حدود بضعة ملايين، نتيجة للنقص الحاد في مصادر الغذاء وتردي الحالة الصحية المتوقع لشعب لا يملك الحد الأدنى من المرافق الصحية. وبما أن مستوى المياه الجوفية في انخفاض مستمر، وهي المصدر الرئيس للاستهلاك والري الزراعي، فإنه من شبه المستحيل أن نحصل على الحد الأدنى من حاجتنا، نظرًا لصعوبة تمويل قيمة شراء المعدات والمضخات التي تساعد على جلب الماء من تحت سطح الأرض، بعد تأمين الوقود اللازم الذي لا يتوافر في البلاد، ما يعني احتمال حدوث مجاعة مخيفة بسبب نقص المواد الغذائية على بساطتها. وأكثر ما سيميز حياتنا تحت تلك الظروف المعيشية القاسية، هو عدم وجود أي آثار للعمالة الوافدة، بل إن العكس هو الأقرب للواقع، وهو تصدير العمالة من المواطنين إلى الدول التي من الممكن أنها تقبل وتستوعب وجودهم على أراضيها من أجل كسب المعيشة.
وبما أن إرادة الله فوق كل شيء، فقد وفقنا إلى امتلاك ثروة نفطية كبيرة بكل المقاييس. وحمدنا الله على ذلك. لكننا لم نعط هذه النعمة ما تستحق من القدر، وهو استغلالها بطريقة عقلانية ومحاولة إطالة عمرها في بلد لا يوجد فيه مصدر آخر للدخل. فقد كان الأجدر بنا إنتاج أقل كمية ممكنة، في حدود خمسة ملايين برميل في اليوم، ومضاعفة الجهد لتحويل مجتمعنا إلى مجتمع منتج يعتمد على الله ثم على سواعد وعقول أبنائه. ولا نلقي بالاً لمَنْ يروجون لشائعات "سخيفة" تدعي أن العالم ربما يستغني عن النفط كمصدر للطاقة. والعكس هو الصحيح، فالاتجاه الحالي هو إلى إنتاج النفوط غير التقليدية عالية التكلفة، ما يعطي نفطنا الرخيص مميزات جوهرية خلال العقود القادمة. أما إذا لم نتخذ الحيطة ونسرف في استنزاف ثروتنا الوحيدة، كما هي حالنا اليوم، فإن النتيجة الحتمية لمصير أجيالنا ستكون العودة إلى أحوال عصر ما قبل النفط الذي ذكرناه آنفًا، وهو وضع لا يمكن تصور تداعياته.