مترو الرياض.. هل من رؤية اقتصادية؟

أتى الإعلان عن مترو الرياض بتكلفة تصل إلى 22.5 مليار دولار كواحد من المشاريع العملاقة لأحداث نقلة نوعية في البنية التحتية للاقتصاد الوطني. سبق ذلك الإعلان عن مترو مكة بتكلفة 16.5 مليار دولار. لوضع هذه المبالغ في الإطار الصحيح لا بد من ذكر أنها تعادل ميزانية المملكة قبل عدة سنوات وأكثر من دخل المملكة من النفط في أغلب سنوات الثمانينيات. وعلى الرغم من حجم المبالغ إلا أن إحدى العلامات الفارقة في إدارة المشروع التنموي في المملكة هو عدم ربطها الوثيق مع حركة الاقتصاد. فهذه المشاريع تنفذ من قبل شركات أجنبية مصلحتها في البيع السريع من خلال وكيل وسيط في الغالب ليس لديه قيمة مضافة، ولكن الأهم أن هذه المشاريع لا تأخذ حقها في التحليل والربط الوثيق مع الحركة الاقتصادية (الترابط أفقيا مع القطاعات الحكومية الأخرى وخاصة الأمانة والمصالح التجارية والخدمية، ورأسيا، وهو مركز اهتمام هذا العمود، استفادة التصنيع وزيادة المحتوى الصناعي الوطني والتنسيق مع المشاريع الصناعية القادمة، خاصة أن هذا ليس المشروع المؤثر الوحيد). العمق الاقتصادي يعني تفعيل هذه الروابط رأسيا (التسلسل في الصناعات المرادفة)، فمن دون تفعيل هذه الروابط رأسيا يدخل هذا المشروع كخطوة استهلاكية ذات مردود اقتصادي محدود لا يتناسب مع التكلفة والممكن، ولكن النظرة إليه كمشروع تنموي تجعل الجانب الخدمي والاستهلاكي مهمًا، ولكنه ليس الوحيد في تفعيل اقتصاد المملكة.
الإعلان والمعلومات المنشورة عن المشروع وحتى موقع الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض محدودة، ناهيك عن أي طرح حول الأبعاد الاستراتيجية المتعددة والمتشعبة، فمثلا إلى أي مدى المترو جزء من سياسة المملكة للطاقة، فكما هو معروف أن استهلاك المملكة من النفط أحد نواقيس الخطر في هيكل الاقتصاد، وإذا كان هذا هو أحد الأبعاد، فكيف بالمدن الأخرى؟ وهل تتحمل المملكة انتظار خمس سنوات لتفعيل سياسة الطاقة في هذا الجانب الحيوي؟ وما دور استهلاك الكهرباء في المعادلة، خاصة أن المشاريع الكهربائية تشكل نحو 10 في المائة من تكلفة المشروع في ظل تنامي استهلاك الوقود لتوليد الكهرباء. ترحيل الإجابات إلى مكاتب دراسات أجنبية قد يفي بالغرض أمانا للبيروقراطيين كحماية نظامية، ولكن ليس بديلا للسياسات الواضحة المختصرة والنظرة الاستراتيجية المتعمقة والمترابطة القابلة للتنفيذ.
لعلي أقدم خيارا بسيطا قبل فوات الأوان. ذكر لي المهندسون المتمرسون أن هناك فرصًا كبيرة في عدة نواح في هذا المشروع، فمثلا هناك فرص في القواعد الأسمنتية المختصة تحت القضبان، وهناك فرص في الإشارات الكهربائية والإلكترونية، وهناك فرص في الصناعات المعدنية بأشكالها وتفرعاتها. فرز هذه الفرص وحصر القاعدة المعلوماتية عن المصنعين الوطنيين والمحتملين، وتأطير العلاقة بين الشركات العالمية وهؤلاء تحت رعاية الهيئة، يتطلب بعد نظر ورغبة صادقة في تطوير الاقتصاد وليس نظرة للمشروع وكأنه صفقة تجارية عابرة. الحل العملي في نظري أن تشكل لجنة يرأسها مدير مشاريع متمرس قد لا يكون متوافرا وطنيا ويكون جزءا من الفريق المسؤول وله ارتباط وثيق بالوسط الصناعي وحتى الإمارة والأمانة والشركات ذات العلاقة ووزارة الاقتصاد، لتعظيم المصلحة الوطنية. إذا لم نستطع التفريق بين البعد الاقتصادي العميق لمشاريع بهذا الحجم وبين الصفقات التجارية ذات الطابع الاستهلاكي، فإننا سنخسر الاثنين في المدى المتوسط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي