قمة العشرين أمام حرب عملات جديدة
مع اقتراب شهر أيلول (سبتمبر) يبدو أن قضية حرب العملات ستعود لتطرح نفسها بقوة على قادة دول مجموعة العشرين خلال قمتهم في روسيا الأسبوع المقبل.
وزير المالية البرازيلي غيدو مانتيجا أعلن أن بلاده تشهد أزمة اقتصادية صغيرة نتيجة إعلان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن عزمه تغيير سياسته النقدية القائمة على إغراق السوق بالسيولة. مشيراً إلى أن بلاده قررت رصد 60 مليار دولار لخطة تهدف لدعم سعر صرف الريال البرازيلي مقابل الدولار الأمريكي.
ونائب وزير المالية الصيني زهو كيونج جياو دعا واشنطن إلى الأخذ بالاعتبار التأشيرات الثانوية لتغيير الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لسياسة مد الأسواق بالسيولة. وطالب الإدارة الأمريكية بالتعامل بحذر مع وتيرة تغيير هذه السياسة.
وجاء هذان الموقفان في الوقت الذي انخفضت فيه الروبية الهندية والليرة التركية إلى أدنى مستوى لهما مقابل الدولار الأمريكي وتاريخياً يؤدي رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الفوائد على الدولار، أو اتباع سياسة الشح في مد الأسواق بالسيولة، إلى الحيلولة دون توجه الرساميل إلى الدول الناشئة، وحتى هجرة هذه الرساميل الأجنبية لها. وهذا ما يحدث منذ عدة أشهر في تركيا، الهند، والبرازيل، التي اتخذت إجراءات عديدة تتعلق بحركة الرساميل لدعم الريال البرازيلي في مواجهة الدولار الأمريكي.
وتترافق عمليات تراجع سعر صرف العملات الوطنية في العديد من الدول الناشئة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في هذه الدول.
وأمام الانتقادات التي وجهتها الدول الناشئة لواشنطن حول التأشيرات السلبية لقرار الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض التسيير الكمي للدولار فإن السؤال يطرح عما إذا كانت السياسة النقدية الجديدة للاحتياطي الفيدرالي تؤدي إلى نقل الأزمة من الدول الغنية إلى الدول الناشئة، خاصة أن المصرف المركزي الهندي أشار إلى أن الأسواق عندما شعرت بإمكانية شبح ضخ الدولار بدأت تخرج الرساميل من الهند، خاصة تلك المستثمرة في السندات الهندية.
وفي هذا المجال قبول إيفاريست لو فوفر رئيس المحللين الاقتصاديين لدى فرع نيويورك في شركة ناتيكيسس إن السياسة المالية التي اتبعتها الدول المنظورة بإغراق الأسواق في السيولة حرم الدول الناشئة من جزء من حريتها الاقتصادية، والرساميل، التي توجهت إلى هذه الدول في المرحلة الأولى أدت إلى ارتفاع أسعار صرف عملات الدول الناشئة. كما أنها وضعتها أمام خيار فقدان جزء من قدراتها التنافسية أو الإبقاء على التوازن بين سعر صرف عملاتها الوطنية والدولار الأمريكي من خلال ضخ كميات كبيرة من العملة الوطنية أو فرض الرقابة على الرساميل.
ويرى لو فوفر أن إعلان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن تغيير سياسته النقدية يساهم في نمط هذه الدول وتراجع سعر صرف عملاتها الوطنية مقابل الدولار.
وينفي الدكتور شبل السبع المختص الاقتصادي، في حديثه لـ "الاقتصادية" أن يكون قرار بن برننكي وراء انهيار العديد من عملات الدول الناشئة.
ويؤكد أن الرساميل بدأت تهجر هذه الدول نتيجة الخوف من الأزمات الاقتصادية في الدول الناشئة. فهذه الدول تعاني من العجز في ميزانياتها العامة ومن تراجع أن تسجل الهند أدنى معدل نمو اقتصادي لها منذ عشر سنوات. حيث من المتوقع أن يبلغ 5 في المائة. والنمو الاقتصادي في البرازيل يمكن أن ينخفض إلى 2 في المائة.
ويضيف الدكتور شبل السبع تاريخياً أظهرت التجربة أن الأزمة الاقتصادية في الدول المقطورة تنتقل بعد فترة إلى الدول الناشئة. ومن هنا حرب الرساميل الأجنبية من هذه الدول.
ولا علاقة لرفع الفوائد على الدولار أو اليورو، أو لتخفيض التسيير الكمي للأموال في الولايات المتحدة أو منطقة اليورو بالأزمات التي تعيشها بعض الدول الناشئة.
وإذا كان العديد من المختصين الاقتصاديين يقارنون بين الأوضاع الحالية في الدول الناشئة وبين الأزمات الماضية في المكسيك عام 1994 وفي آسيا عام 1997 فإن إيفاريست لو فوفر يرى أن هناك مفارقة كبيرة بين ما حصل في التسعينيات واليوم. فالدول الناشئة تملك احتياطات نقدية كبيرة بالدولار وقد اشترتها للتأكيد على الإبقاء على التوازن بين سعر صرف عملتها الوطنية والدولار الأمريكي.
وعلى الرغم من امتلاكها كميات كبيرة من الدولار فإن بعض هذه الدول يرفض استخدام الاحتياطي بالدولار الذي يملكه لتثبيت أسعار صرف العملات الوطنية، وذلك خشية خسارة هذه الاحتياطات المالية. وأمس انخفضت الليرة التركية إلى أدنى مستوى لها حيث وصلت إلى 2.033 مقابل الدولار بعد إعلان حاكم المصرف المركزي التركي إردام باصجي عن ثقته بأن الليرة التركية ستستعيد عافيتها من الآن وحتى نهاية العام وأنه لا داعي لتغيير السياسة النقدية الحالية. ولم تنفع محاولته لطمأنة الأسواق بأن المصرف المركزي التركي يملك 40 مليار دولار يمكنه استخدامها في الدفاع عن الليرة التركية.