الحماية من الإيذاء .. عزاؤنا بكِ يا لمى

وصلني صوتها على الهاتف ملتحفاً بثوب الألم والقهر. تَعَرَضَتْ لجميع أنواع التعنيف من أفراد عائلتها من ضرب وشتم وإقصاء حتى جاء يوم الحسم؛ هربت من منزلها وهي الآن مثل كثيرات غيرها من فتيات الوطن نزيلة دار الحماية في الشرقية.
نظام الحماية من الإيذاء الذي صدر هذا الأسبوع يستهدف ضمان توفير الحماية لهذه الفتاة وغيرها من ضحايا التعنيف بمختلف أنواعه الجسدي والجنسي والنفسي كالسب والاستهزاء أو التحقير واللعن. إضافة إلى ذلك يدعو النظام لتقديم المساعدة وتوفير الإيواء والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية للضحايا. المهم طبعاً هو اتخاذ الإجراءات النظامية ومعاقبة المتسبب في الإيذاء.
أصبح لدينا اليوم نظام يعاقب المتحرشين جنسيا، ومنها عقوبات خاصة بأماكن العمل كتحرش المديرين بموظفاتهم، أو التحرش اللفظي أو باللمس، بل وعقوبات أكبر للمتحرشين بالقُصّر.
هذه دعوة لكل من على علم بحالة إيذاء أن يبلغ عنها فوراً، وأن يلتزم كل موظف عام أو في القطاع الأهلي اطّلع على حالة إيذاء إحاطة جهة عمله بالحالة عند علمه بها. بالتالي، على جهة العمل إبلاغ وزارة الشؤون الاجتماعية أو الشرطة بحالة الإيذاء فور العلم بها.
شخصياً أنصح بالتوجه للشرطة، ولكن لن يكون الأمر مجدياً إذا طلبت الشرطة حضور ولي أمر المُعَنَّفَة قبل النظر في الشكوى.
نظام الحماية من الإيذاء يحمي المُبَلِّغ بحيث لا يجوز الإفصاح عن هوية المبلّغ عن حالة إيذاء إلا برضاه.
هذا ليس كل شيء، بل شدد النظام على أن يلتزم موظفو وزارة الشؤون الاجتماعية وكل من يطّلع - بحكم عمله - على معلومات عن حالات إيذاء بالمحافظة على سرية ما يطّلعون عليه.
إقرار نظام الحماية من الإيذاء يأتي انسجاماً مع التزام المملكة بالاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها مثل اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية مناهضة التعذيب.
لا مجال هنا للتنصل من هذه الاتفاقيات الدولية تحت ذريعة أنها تدعو "للتغريب" أو التشبّه بغير المسلمين. الحماية من الإيذاء ركن مهم نابع من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.
المطلوب الآن نشر التوعية بين أفراد المجتمع حول مفهوم الإيذاء والآثار المترتبة عليه، ومعالجة الظواهر السلوكية في المجتمع التي تنبئ عن وجود بيئة مناسبة لحدوث حالات إيذاء، وإيجاد آليات علمية وتطبيقية للتعامل مع الإيذاء بحالاته المتعددة.
تقارير الأمم المتحدة تؤكد أن كل امرأة من أصل ثلاث نساء على الأقل في العالم يحتمل تعرضها للضرب والإكراه على ممارسة الجنس أو الاعتداء عليها بطريقة أخرى في حياتها. المطلوب تعيين اختصاصيين واختصاصيات للتعامل مع ضحايا الإيذاء والتعنيف وتوفير الحماية والرعاية اللازمة لهم حتى لا تدفع نوف ثمناً غالياً من حياتها.
لا يجب أن تتكرر مأساة طفلة مكة "غصون"، وطفلة الخبر "ريم"، وطفل جدة "راكان"، وطفلة نجران "هالة"، وطفلة شرورة "فاطمة"، وطفلة ينبع "تالا"، أو طفلة الرياض "لمى".

*عضو جمعية الاقتصاد السعودية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي