نمو أنشطة التشييد البريطانية يقفز بالاسترليني
لليوم الخامس على التوالي يواصل الجنيه الاسترليني ارتفاعه في مواجهة اليورو، الارتفاع وهو الأعلى منذ ثلاثة أشهر ونصف الشهر مقابل اليورو. ويأتي قبل أيام من اجتماع لجنة السياسات المالية التابعة لبنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني ) المقرر أن تنعقد هذا الأسبوع.
اجتماع اللجنة سيتطرق لعدد من القضايا المتعلقة بالعملة البريطانية وأسباب ارتفاعها، لكن الأهم بالنسبة لصناع السياسة المالية سيتعلق بسؤال حول التداعيات الناجمة عن هذه الزيادة، وإلى أي مدى يمكن أن تسهل أو تعوق المساعي الحكومية للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وتشير معظم التقارير إلى أن زيادة قيمة الاسترليني في مواجهة اليورو وحتى الدولار تعود بالأساس إلى بيانات نمو أنشطة التشييد والبناء البريطانية التي حققت في شهر آب (أغسطس) أسرع وتيرة منذ نحو ست سنوات. فقد قفزت نسبة النشاط في هذا القطاع الحيوي من 57 في المائة في شهر تموز (يوليو) الماضي إلى 59.1 في المائة في شهر آب (أغسطس). إلا أن أندرو نيل المحلل المالي في بنك الاستثمار البريطاني يعتبر أن هناك عوامل أخرى أكثر تنوعاً من البيانات الإيجابية لقطاع التشييد والبناء، ويعلق لـ "الاقتصادية" قائلا: "يصعب ربط التحسن الراهن في قيمة الاسترليني بعامل واحد، فبيانات قطاع البناء والتشييد الإيجابية لعبت دورا مهماً، إلا أنني أعتقد أن هناك من جانب الاسترليني عوامل أضعفت أيضاً من قيمته، أبرزها أن البيانات المعلنة عن نسب التضخم في منطقة اليورو كانت أعلى من المتوقع مما أدى إلى انخفاض الطلب على عملة الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى صفقة الاستحواذ التي تمت بين شركة الاتصالات البريطانية العملاقة "فودافون" وشركة الاتصالات الأمريكية فيريزونوايرلس واستحوذت الثانية على 45 في المائة من الأول بعد مفاوضات استمرت عشر سنوات وبقيمة 130 مليار دولار، فهذه الصفقة قامت بدور شديدة الأهمية في ارتفاع قيمة الاسترليني في مواجهة العملات الأجنبية عامة، واليورو خاصة". ويضيف: "لقد أوجدت الصفقة طلباً ضخماً على العملة البريطانية بعد أن قررت شركة فودافون توزيع نحو 84 مليار استرليني على مساهميها، ومن ثم زاد الطلب على العملة البريطانية بشكل غير متوقع، وإذا أخذنا في الاعتبار ثبات المعروض، فإن النتيجة المنطقية هي زيادة قيمة العملة البريطانية". وإذا كان الاسترليني قد أفلح في تحقيق زيادة بنحو 0.3 في المائة في مواجهة اليورو، فإن أداءه العام يشهد تحسناً، فالإحصائيات المتاحة عن الأشهر الستة الأخيرة تشير إلى أن العملة البريطانية زادت من قوتها بنحو 6.7 في المائة، لتكون الأفضل أداء بين عملات البلدان العشر الأكثر تطوراً في العالم، حيث حقق اليورو ارتفع بنسبة 4 في المائة خلال الفترة نفسها، بينما لم يزد الارتفاع في قيمة الدولار أكثر من 2.7 في المائة. وحول مستقبل العملة البريطانية في مواجهة غيرها من العملات وتحديداً اليورو والدولار، يعلق جيمس كامبل المدير التنفيذي لفرع مجموعة برنسبيل المالية في المملكة المتحدة بالقول: "هناك توقعات متضاربة حول مستقبل الاسترليني والدولار واليورو، لكن أغلب التوقعات تشير إلى تحسن في قيمة الاسترليني، وهذا التحسن سيتواصل إذا أظهرت بيانات الحكومة البريطانية الرسمية أن معدل النمو الاقتصادي للربع الثالث من هذا العام زاد عن المتوقع، وهذا محتمل بشكل كبير". ويضيف "اليورو أيضا لديه فرصة للارتفاع خلال الفترة المقبلة، فمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تعدل الآن من توقعاتها بشأن معدلات النمو الاقتصادي في أكبر اقتصادين في أوروبا، وأعني ألمانيا وفرنسا، فألمانيا قاطرة الاتحاد الأوروبي يتوقع أن تحقق هذا العام معدل نمو 0.7 في المائة وليس 0.4 في المائة كما كان متوقعاً، والاقتصاد الفرنسي الذي كانت التوقعات تشير إلى تقلصه بنحو 0.3 في المائة يتوقع الآن أن يحقق نمواً يبلغ 0.3 في المائة. لكن علينا تذكر أن تلك الأرقام ستعرف بشكل دقيق في نهاية العام أوائل العام المقبل، وحتى يتم الإعلان عنها فإن الدولار ربما يرتفع في مواجهة اليورو من جراء البيانات الإيجابية الخاصة بزيادة معدلات التصنيع في أمريكا".
بيد أن الأنباء الإيجابية بشأن ارتفاع قيمة الاسترليني في مواجهة اليورو، تحمل معها بعض المخاوف لصناع السياسة الاقتصادية للمملكة المتحدة، ولربما القلق الأكبر يتركز في مدى تأثير ذلك في الميزان التجاري البريطاني، فلندن تتنافس مع العديد من العواصم الأوروبية في توسيع آفاق التصدير لسلع لا تحتكر بريطانيا إنتاجها، بل ينتج مثلها في بلدان أوروبية أخرى، فالسيارات على سبيل المثال تنتج في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ولا شك أن مواصلة ارتفاع الاسترليني في مواجهة اليورو يضعف من قدرة بريطانيا على التمتع بقدرة تنافسية مع أقرانها من بلدان الاتحاد الأوروبي، بل ولربما يتسبب في أضرار مستقبلية لصناعات مثل صناعة السياحة إذ يدفع الارتفاع المتواصل في سعر الاسترليني إلى حالة من تفضيل السائح لبقع سياحية أخرى أرخص.
ويقول جيمس ماكالاي الصحفي الاقتصادي لـ "الاقتصادية": اجتماع لجنة السياسات المالية لبنك إنجلترا المقرر هذا الأسبوع لن يتخذ أي إجراءات جديدة، بل سيواصل سياسته المالية الراهنة، مع التركيز على تداعيات ارتفاع أسعار الاسترليني في مواجهة العملات الأجنبية على الجهود الرمية للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، وبمقدار أن تعني الزيادة في قيمة العملة البريطانية تحسن في الاقتصاد الوطني فالمسؤولون في لجنة السياسات المالية سيكونون سعداء، ولكن في اللحظة التي سينعكس تقييمهم للأمر ويعتقدون أن زيادة قيمة الاسترليني تعني تراجعا في معدلات النمو فسيتدخلون لوضع حد لهذا الارتفاع".