المعلم .. من مربٍّ للأجيال إلى مهنة خطرة
يبدو أن المعلم في الحاضر أصبح مقصوص الجناح.. الهيبة والاحترام مفقودان لدى مجمل الطلاب، فلا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن حالة اعتداء بالقول أو باليد على معلم الأجيال أو أحد ممتلكاته، حتى أصبحت هذه المهنة تعد من المهن الخطرة.
ويصف المعلمون حادثة قتل زميلهم محمد برناوي – رحمه الله – بإحدى الحالات التي تؤكد سوء ما وصلت إليه هيبة المعلم، إن كانت له بقايا هيبة كما يقولون، مرجعين ذلك إلى قلة احترام وزارتهم لهم، فخطاب قادتهم لا يأتي إلا عبر تعاميم "عاجل ومهم"، دون حوار أو استماع لهم، فأبسط القرارات لا يُستشارون فيها.
وتمنى معلمون مغردون في وسائل التواصل الاجتماعي "تويتر" عودة أمير الشعراء أحمد شوقي ليستبدل قصيدته: "قم للمعلم وفِّه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا"، بأخرى تنعي حال المعلم، ضعيف الحيلة، الذي يعيش بين تخلي وزارته عنه، وفقدان احترامه بين تلاميذه والمجتمع.
بينما تؤكد الوزارة أن المعلمين هم أساس العملية التربوية، والويل ثم الويل لمن يمس من كرامتهم، وذلك بحسب تصريح شديد اللهجة للأمير فيصل بن عبد الله وزير التربية والتعليم، الذي قال: "سنقف لمساءلة ومحاسبة كل من يعتدي ويتجاوز على المعلم".
#2#
بين هذا وذاك يرى تربويون أن هناك أزمة ثقة بين المعلم ووزارته، وأنه لا بد من إعادتها بين الطرفين، لكي تعود "الهيبة المفقودة" للمعلم في المجتمع والمدرسة، وأن السبيل لذلك الاستماع للمعلمين من قادة التعليم، وأن تكون مطالبهم من أولويات وزارتهم، وأن يكون هناك مبدأ الثواب والعقاب للمحسن والمسيء.
وقال عبد الملك الزعبي إخصائي اجتماعي ومرشد أكاديمي: "إن هناك فجوة بين الطلاب والمعلمين خلال السنوات الماضية، ما نشأت من خلالها كثرة الاعتداءات عليهم من تلاميذهم"، مرجعاً ذلك لعدد من الأسباب تعود إلى شخصية المعلم، وقلة التربية من قبل الأسرة، إضافة إلى ضعف الأنظمة والقوانين المعمول بها، التي تعزز من قيمة المدرسة ومن يعمل فيها.
وأضاف الزعبي خلال حديثه لـ "الاقتصادية": "إن هناك نظرة عند كثيرين بأن مهنة التعليم لا يمارسها إلا من كانت علاماته متدنية ومستواه التعليمي منخفض، بحيث إن علاماته لم تؤهله للتعلم في تخصصات أخرى، فلم يكن له خيار إلا أن يصبح معلما، وهذا الأمر أيضا له علاقة بتدني مكانة المعلم، فلا ننكر أن هناك بعض المعلمين غير المؤهلين تم تعيينهم بطرق مختلفة، إما لحاجة أو شفاعة، دون النظر إلى تأهيلهم، وقد انتبهت الوزارة لهذا أخيراً".
وأشار الإخصائي الاجتماعي إلى أهمية تعزيز هيبة المعلم بين الطلاب، ونشر الوعي الفكري والثقافي والأخلاقي الذي يؤكد احترام الكبير، فالاحترام هو أساس التعليم والتعلم، منوهاً بأهمية طرح ذلك بشكل عملي في المناهج ومنحه الحوافز والتقدير من الوزارة أولاً، ثم من المجتمع من خلال تربية الأبناء على تقدير المعلم.
من جانبه، يعبر محمد الحربي "معلم" عن أن احترام المعلم فضيلة مفقودة لدى معظم الطلاب، مرجعاً ذلك إلى ضعف العقوبات، وتغير نظرة المجتمع لمهنة المعلم، وتهاون الأهل، وتدليلهم لأبنائهم، واعتبار رضا الطالب عن المعلم البرهان الوحيد على جدارته.
وقال الحربي: إن تجريد المعلم من صلاحيات تأديب الطلاب، ساعد على ضياع هيبته وضعف شخصيته داخل الفصل والمدرسة، وأن التعاميم التي ترسلها الوزارة لهم في المدارس التي تتخذ صيغة الأوامر والنواهي أسهمت في فقدان الاحترام عند المجتمع.