ثقافة الفرح .. حين تختلط الفوضى بحرية التعبير
في المجتمعات العربية تبدو الصورة مرتبكة، زخات إطلاق النار في الهواء مرادف للتعبير عن الفرح، وصراخ النساء بطريقة معينة هو تعبير عن الفرح، والجنون بأشكاله المختلفة هو نوع صارخ من التعبير عن الفرح، لكن هذا التعبير عن الفرح في السعودية يأخذ أشكالاً إضافية تنبئ عن حالة مزاجية لا تبدو معتدلة إزاء مختلف الأحداث.
في المدينة المنورة، سقطت سيارة من أحد الجسور القريبة من المطار، وفي السيارة شبان أحداث، فقدَ بعضهم حياتهم، فيما على البقية أن يتذكروا الحادث طيلة ما تبقى من أعمارهم، وفي خلفية المشهد تبدو الصورة احتفالية بذكرى اليوم الوطني، لكن الواضح أن هذا التعبير المبالغ فيه عن الفرح هو المشكلة لا مشكلة الاحتفال في حد ذاتها.
ثمة نقص شديد في ثقافة الاحتفال، هكذا يؤكد السعوديون أنفسهم قبل غيرهم، فمشاهد التعبير عن الفرح لا تعدو كونها انفلات من المعايير الضابطة في الطرق والأسواق لتغدو السيارات وكأنها المعنية بالفرح وهي تتماوج بين صفوف السيارات المطمئنة لتخلق لسائقها حالة من الانتشاء، ولمن بالجوار حالة من الذعر والخوف، فيما شباب الأسواق يعبرون عن أنفسهم بصنوف الموضات الصادمة وأشكال الجرأة الممقوتة.
هذه الصور من التعبير المبالغ فيه عن الفرح، ثمة من يرى فيها أشكالاًَ من الادعاء بمشاركة الفرحة فيما هي في الحقيقة مشاعر مكبوتة تجد طريقها في مناسبات معينة كالانتصارات الرياضية والأيام الوطنية يقول عبد اللطيف خالد وهو شاب ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي: إن همجية البعض في الاحتفال باليوم الوطني هي دليل على المشاعر المزيفة المكنونة للوطن، علاوة على ضعف ثقافة الفرح، فيما يشير عفيف القمقوم إلى ما يصفها بالفوضى العارمة التي تجتاح الشوارع والاستنفار الأمني الذي يسببه أشخاص لا يملكون ثقافة التعبير عن الفرح.
ويفسر مدونون أسباب غياب ثقافة الفرح عند السعوديين إلى أسباب عدة تتعلق بتقصي الجهات التعليمية والتربوية وكذا المؤسسات الاجتماعية، إذ يقول محمد حضاض: إن من تسبب في فقدان شبان السعودية ثقافة الفرح الرزين هم مؤسسات التربية والتعليم والتعليم العالي والخدمة المدنية إلى جانب الأسرة.
على الجانب الآخر من الصورة، هناك مشهد يجلب التفاؤل بحب الوطن والتعبير الرزين عن الفرح يتمثل في صور بذل يكون عنوانها شكر نعم المنعم المنان وتحسين صورة الوطن المعطاء في عيون الآخرين، من خلال تقديم الهدايا والأعطيات للضعفاء والمساكين من الجنسيات الأخرى إلى جانب تقديم الدعوات للمقتدرين منهم لمعرفة الجوانب المضيئة من بلادنا، كما يقول المعلم عبد الرحمن بن حريب الذي يضرب أمثلة ناصعة بقوة التأثير لهذا الفعل كما رآه بنفسه في أوساط الزوار والوافدين في مدينة كالمدينة المنورة.