أمريكا لن تتخلى عن نفط السعودية.. و«الصخري» لا يسد حاجتها

أمريكا لن تتخلى عن نفط السعودية.. و«الصخري» لا يسد حاجتها

أضحت قضية النفط الصخري قضية جدلية علي المستوى العالمي، فلا يمر اجتماع لمنظمة الطاقة الدولية أو لمنظمة البلدان المصدرة للنفط، إلا وكان الحديث عن النفط الصخري وما يمثله من تحديات لبلدان الخليج العربي محوراً لمناقشات واسعة النطاق سواء في جانبها التقني أو السياسي.
أحد وزراء النفط الخليجيين كشف قبل أشهر وبشكل صريح خلال أحد مؤتمرات منظمة أوبك عن أن ما وصفه بالتهديد الذي تواجهه المنظمة من نمو إنتاج النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة مسألة كبيرة.
قضية النفط الصخري خاصة في أمريكا لا تتعلق فقط بزيادة معدلات الإنتاج وتأثير ذلك في صادرات الدول الخليجية، ومن ثم في عوائدها المالية وخططها التنموية، وما يستتبع ذلك من تغير في سياستها الاقتصادية، بل إن الأمر يفوق ذلك إلى تغيير تام في خريطة الطاقة العالمية وموازين القوى الراهنة سواء على الصعيدين العالمي أو الإقليمي.
ومع إدراك الرياض تحديدا للأهمية المتصاعدة للنفط الصخري فإن الشركة السعودية للصناعات الأساسية ''سابك''، أعلنت قبل عام تقريبا أنها تدرس الاستثمار في ثورة النفط والغاز الصخري الأمريكيين.
أغلب التقارير الأمريكية تشير إلى أن صادرات الولايات المتحدة ستزيد على ما تستورده بحلول عام 2030 وستصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من النفط بحلول 2035، وتعتمد في ذلك على افتراضات متفائلة في مجالات التكنولوجيا وما يستتبعه ذلك من اكتشافات نفطية وبالتالي زيادة ملحوظة في الاحتياطات والربحية.
لكن هذه الأجواء الإيجابية تجاه مستقبل النفط الصخري وتهديده البلدان الخليجية تجد من يشكك فيها ويعتبرها في أفضل التقديرات مبالغات من قبل واشنطن حول قدرتها على تحدي المزايا النسبية للنفط الخليجي. ويعد جان ستيورت الرئيس السابق لقسم أبحاث الطاقة في هيئة الطاقة والتغيير المناخي البريطانية من أبرز المشككين فيما يطلق عليه ''ثورة النفط الصخري الأمريكي'' ويعلق ستيورت لـ ''الاقتصادية'' قائلا: إن التقديرات التي يشير إليها الجانب الأمريكي تأتي دائما من قبل شركات أمريكية أو دولية مرتبطة بأمريكا، ولا توجد جهات مستقلة محايدة يمكن الاعتماد عليها في هذه التقديرات، فالتقديرات الراهنة بشأن الاحتياطي الأمريكي من النفط الصخري تراوح بين 700 مليار برميل إلى 2 ترليون برميل في مختلف أنحاء أمريكا، وأعتقد أن هناك حالة من عدم اليقين بشأن تلك الاحتياطات.
وأضاف ستيورت أن جميع الدراسات الرئيسة في هذ المجال تمر مرور الكرام على الصعوبات والمخاطر التي تتعلق بإنتاج النفط الصخري وغالبا ما تهون من شأنها، فالإنتاج تحيطه مصاعب بيئية جمة، وغالبا ما تقلل من شأنها الدراسات المنحازة للنفط الصخري حتى لا تثير حفيظة منظمات البيئة المحلية أو الدولية، ومع هذا فإن ستيورت يؤكد أنه لا يريد تجاهل أهمية النفط الصخري، والرغبة الأمريكية في الاكتفاء الذاتي من النفط، لكن لا أعتقد أن الأمر سيتم بالسرعة التي تصورها واشنطن، إلا أن وجهة النظر تلك لا تجد قبولا عند كلير براون الباحثة في وكالة الطاقة الدولية التي تعتبر أن النفط الصخري على الرغم من تركزه في المرحلة الراهنة في أمريكا الشمالية وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية يأخذ طريقة ليصبح حقيقة واقعية في الإمدادات الدولية للطاقة، وتقول لـ ''الاقتصادية'': إن وكالة الطاقة الدولية تتابع عن كثب التطورات في هذا المجال، وقد أعلنت أن طفرة إنتاج النفط الصخري في أمريكا الشمالية ستقود العام المقبل إلى واحدة من أكبر معدلات الارتفاع في نمو إمدادات المنتجين المستقلين على مدار العقدين الماضيين ما يؤدي إلى تقلص حصة دول أوبك في السوق.
وتشير كلير إلى أن التقديرات الراهنة تؤكد أن النفط الصخري سيسهم بمليوني برميل يوميا في الإمدادات بحلول 2020 وبثلاثة ملايين برميل يوميا في 2035، وعلى الرغم من تأكيدها أن أمريكا الشمالية ستظل المصدر الرئيسي للنفط الصخري فقط في الأجل المتوسط، لكن أنحاء أخرى من العالم ربما تقدم مساهمات متزايدة في الأجل الطويل، معتبرةً أن دخول دول غير تقليدية مجال الإنتاج مثل الأرجنتين قد يغير المشهد، وتضيف أن الحكومة الأرجنتينية أعلنت أن حقل فاكا مويرتا الهائل للنفط والغاز الصخريين يضم موارد تقدر بنحو 661 مليار برميل من النفط و1181 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، ودخول هذا الحقل مجال الإنتاج يعني أن الأمر لن يكون حكرا على الولايات المتحدة الأمريكية مستقبلا.
لكن جان ستيورت يعتبر أن هذه النظرة مغرقة في التفاؤل أكثر منها في الواقع، إذ ترتبط في حقيقتها بأهداف سياسية أكثر منها بحسابات اقتصادية، ويعلل ذلك بأن هناك سعيا دائما من قبل الإدارات الأمريكية سواء الديمقراطية أو الجمهورية لإقناع الناخب الأمريكي بأن المستقبل يحمل أنباء طيبة بإمكانية الاكتفاء الذاتي من النفط بل والتصدير، ونتيجة للقدرات المالية العملاقة لدى واشنطن فهناك دائما القدرة على تمويل عمليات البحث عن النفط حتى مع أقل المؤشرات أو أضعفها عن الجدوى المستقبلية لهذا الكشف، ثانياً أغلب التحليلات التي تتبنى مواقف إيجابية تجاه النفط الصخري في أمريكا وتعتبر أن ذلك سيسمح لها بالاكتفاء الذاتي تتجاهل أن زيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة التي قد تصل إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا بحلول 2025 ستجد صعوبة في تعويض النضوب في إنتاج النفط التقليدي الذي يراوح بين 3-5 في المائة في نفس الفترة الزمنية، ومن ثم فلن يكون له تأثير في سوق النفط العالمي، وستظل أوبك اللاعب الأساسي والمحدد لأسعار النفط عالمياً.
ويعتبر المشككون في حقيقة الضجة الإعلامية المحيطة بالنفط الصخري أن التكلفة السعرية لإنتاجه ستظل إحدى العقبات الرئيسة أمام أي اعتماد متزايد عليه مستقبلاً.
ويعتقد عدد من المختصين أنه في أفضل السيناريوهات فإن الزيادة في الإنتاج العالمي من النفط الصخري لن تفلح في مواكبة الزيادة الدولية في استهلاك الطاقة جراء النمو المتواصل لعدد سكان الكرة الأرضية، فالتقديرات الراهنة تشير إلى أن البشرية ستبلغ 8.6 مليار نسمة بحلول عام 2035، وهو ما يعني ارتفاع الطلب العالمي من النفط بنحو 20 في المائة، هذا إذا نجحت الجهود الدولية في أوروبا وأمريكا والصين في كبح الاستهلاك المفرط في استخدام النفط حالياً.
وعلى الرغم من التقدم المتزايد في تكنولوجيا استخراج النفط الصخري فإن ارتفاع تكلفة إنتاجه مقارنة بالنفط التقليدي تعد حجر عثرة في نظر البعض من إمكانية اعتماد الولايات المتحدة عليه كمصدر للطاقة والتخلي عن الاستيراد من منطقة الخليج العربي وتحديداً السعودية، فبالنسبة لمعظم منتجي النفط الصخري في أمريكا فإن التكلفة التشغيلية تراوح في المتوسط بين 82-90 دولارا للبرميل مقارنة بـ 4- 15 دولارا للنفط التقليدي، ولا يحقق هذا السعر أي أرباح بالنسبة للتكلفة الرأسمالية للمشروع أو حتى بالنسبة لقيمة الأرض التي توجد فيها آبار النفط الصخري، وإذا كانت شركات إنتاج النفط الصخري تحقق حالياً ربحية فإن انخفاض أسعار النفط يجعل عملية الإنتاج غير مجدية، مع الأخذ في الاعتبار تزايد التكلفة ارتفاعاً جراء النضوب السريع لآبار النفط الصخري التي تقدر بين 70-90 في المائة بعد العام الأول من الإنتاج.
فيما يرى المهندس أحمد حسن المستشار في شؤون النفط في الوكالة الدولية للطاقة على النفط الصخري أن أحد المصاعب المتعلقة بالنفط الصخري ترتبط بإمكانية تحديد الكميات بشكل دقيق، ويضيف لـ ''الاقتصادية'' أن تقييم احتياطيات الإنتاج لتشكيلات النفط الصخري صعبة وأكثر تعقيدا من تقييم موارد النفط التقليدية، فكل حقل له خصائصه وتفرده، وزيادة الإنتاج من الحقل تؤدي إلى تراجع معدلات إنتاجه بشكل أعلى كثيرا من الحقول التقليدية، وهذا يتطلب مزيداً من الحفر مع الصيانة المستمرة ما يرفع التكلفة الإنتاجية.
بعيداً عن الجانب الاقتصادي وتكلفة الإنتاج فإن عددا كبيرا من منظمات البيئة العالمية يعارض التوجهات الأمريكية للمضي قدماً في زيادة إنتاجها من النفط الصخري، فالإنتاج يتم عبر ضخ كميات هائلة من المياه المختلطة بالكيماويات، التي تتسرب عبر المسام الصخرية لتختلط لاحقاً بالمياه الجوفية ما يؤدي لتلوثها وتأثيرها في صحة الإنسان وفي مستويات الإنتاج الزراعي، بل والأكثر خطورة وقوع زلازل، وهو ما يؤكده الدكتور ممدوح سلامة مختص النفط العالمي والمستشار في البنك الدولي لشؤون النفط والطاقة في دراسة له عن النفط الصخري، من أن العلماء يربطون بين الضخ المستمر للمياه لإنتاج النفط الصخري في ولاية أوكلاهوما الأمريكية والزلزال الذي ضرب الولاية في 2011 بقوة 5.7 درجة بمقياس ريختر.
وتشير التقديرات إلى أن البئر الواحدة من النفط الصخري تتطلب ما بين 4-5 ملايين جالون من المياه، وهو ما يمثل مشكلة حقيقية في المناطق التي تعاني نقص المياه، ولهذا تركز الأبحاث حالياً على التغلب على تلك المشكلة باستخدام مياه الصرف الصحي بعد إعادة تدويرها، لكنها لم تحقق نجاحات ضخمة بعد في هذا السياق، كما أن المشكلة لا تزال قائمة فيما يتعلق بتسرب تلك المياه للآبار الجوفية الصالحة للاستخدام.
وفي ظل هذه التحديات التي تواجه إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية يختصر سلامة الموقف في دراسته المشار إليها بالقول: إن النفط الصخري الأمريكي سيكون له تأثير محدود في الإمدادات العالمية للنفط إذ مثل 1 في المائة فقط من الإنتاج العالمي في 2012، وبحلول عام 2020 سيرتفع إلى 2 في المائة ولن يتجاوز 3 في المائة فقط بحلول 2035، وسيصل الإنتاج الأمريكي من النفط إلى أقصاه عام 2019 ليبلغ 7.50 مليون برميل يوميا قبل أن يتراجع في عام 2035 إلى 6.10 وهو ما يعني عمليا أن الولايات المتحدة لن تفلح أبداً في الاكتفاء الذاتي من النفط أو أن تتفوق إنتاجياً على السعودية مهما سعت للترويج للآفاق المستقبلية للنفط الصخري.

الأكثر قراءة