من فعاليات اليوم الوطني في المجمعة
اتجهت دارة الملك عبد العزيز لتفعيل بعض أنشطتها المنبرية في الثقافة التاريخية في عدد من محافظات المملكة ومدنها الرئيسة، حين رأت أن الاقتصار على إقامة هذه المناشط في الرياض حيث يقع مبناها الرئيس، يحرم كثيراً من مثقفي المملكة، ممن لا يقيمون في الرياض ما يستجد في عالم الثقافة، ولا يتيح لهم فائدة المشاركة في فعاليات هذه النشاطات بالحضور والمتابعة والمداخلات والتعليقات. ولإبراز هذا الاتجاه بادرت بتنظيم محاضرات عامة عن جوانبَ جديدة خفية من تاريخ المملكة في بعض المدن والمحافظات، بمناسبة ذكرى اليوم الوطني للمملكة في عامها الـ 83.
وكانت محافظة المجمعة من بين المحافظات التي اختارتها الدارة؛ لإقامة منشط منبري من مناشطها المتعددة، وتمثل هذا المنشط في إقامة محاضرة للباحث النشط الدكتور عبد الرحمن بن صالح الشبيلي، عضو مجلس الشورى سابقاً، عنوانها ''سياسيون حول الملك عبد العزيز''.
نظمت الدارة في يوم المحاضرة رحلة ثقافية جماعية إلى مدينة المجمعة، دعت إليها عدداً من المثقفين والأكاديميين والكُتّاب منهم الدكتور محمد بن أحمد الرشيد، وزير التربية والتعليم سابقاً، والدكتور أحمد بن محمد الضبيب رئيس تحرير مجلة العرب، وصالح السالم، والدكتور أسعد عبده، وعبد الله بن حمد الحقيل الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز سابقاً، والدكتور عبد الله بن إبراهيم العسكر عضو مجلس الشورى، والدكتور عبد الله بن أحمد الرشيد نائب رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية سابقاً، وسلمان الدوسري رئيس تحرير صحيفة «الاقتصادية»، والدكتور عمر بامحسون، والدكتور أبوبكر باحميد، وعبد الله بن حمد الفوزان، ومحمد بن ناصر الأسمري، وحمد الصغير، وعبد الله بن إبراهيم الحقيل، وعبد العزيز الشلهوب، وشلهوب الشلهوب، وسعد المحارب، وكاتب هذه السطور، وأعتذر لمن غاب عني اسمه.
انطلقت الرحلة في حافلة كبيرة من دار الدكتور عبد الرحمن الشبيلي في الساعة الثانية عشرة والربع من ظهر يوم الأحد 29/9/2013، بعد أن أدينا صلاة الظهر والعصر جمعاً بفتوى من الدكتور محمد الرشيد. أمضى أعضاء الرحلة سفرتهم في أحاديث جانبية وجماعية أحياناً، أضفت على الرحلة مزيداً من الأنس والبهجة. سارت الحافلة رخاءً في نهار مشمس، وطريق معبد لاحب. ومن أبرز المعالم التي زرناها مدينة سدير الصناعية التي ما زالت في بداية الإنشاء والتكوين، نبهنا إليها الدكتور محمد الرشيد، وتحتل أرضاً واسعة مستوية، وستضيف إلى محافظة المجمعة عند اكتمالها نهضة مضاعفة شاملة. بلغنا المجمعة نقطة الوصول بعد ساعتين من الانطلاق، وواصلنا السير إلى مزرعة الوجيه أحمد اليحيى سفير المملكة في الكويت سابقاً. لقي الوفد من مضيفهم كل إكرام، وتناولوا مائدة عامرة بأطايب الطعام، وأمضوا بعد الغداء وقتاً احتسوا فيه فناجين من القهوة وكؤوسا من الشاي تحت شجيرات مظلِّلة، وتبادلوا أحاديث في موضوعات شتى، منها موضوع محاضرة المساء. انطلقت بنا الحافلة إلى جبل منيخ، جبل فارد منتصب كأنه يخاطب الأجيال، ويتحدث عن الدهر، ويروي تاريخ الزمان، ينطبق عليه بعض الصفات التي خلعها ابن خفاجة على جبل في الأندلس. بعد ذلك جُلنا في متحف أسرة المزعل الذي أنشئ بمبادرة وجهد شخصي منهم، ويقع في منزل لهم قديم على مقربة من المقصبة القديمة وباب البر، ومسجد باب البر، والمتحف غني بالآثار والمقتنيات القديمة المتنوعة.
بعد المغرب زرنا ''مركز سُعَداء للتنمية الأسرية بمحافظة المجمعة''، واستمعنا إلى شرح مفصل عن أهداف المركز ووظيفته، والأعمال التي قام ويقوم بها، قدمه توفيق بن محمد العسكر مدير المركز. ولعل من أهم وظائفه معالجة المشكلات والخلافات التي تنجم بين الأسر، أو بين أفراد الأسرة الواحدة، ومحاولة التوفيق بين الآراء، والسعي إلى تضييق شقة الخلاف، والصلح بين المختلفين.
ختمنا الجولة بقضاء وقت قصير في مزرعة حمد بن عبد العزيز المزيني الواقعة في أم الشري التي تقع على ضفاف وادي الكلبي كما يسمى الآن.
بعد أداء صلاة العشاء انتقلنا إلى مبنى إدارة التعليم القديم حيث ستقام فعاليات المحاضرة. وهناك شرفنا بلقاء الأمير عبد الرحمن بن عبد الله بن فيصل محافظ المجمعة الذي قابل الوفد ببشر وترحاب وأريحية، وشاهدنا القاعة غاصة بالحضور، لا تجد مقعداً خالياً، وتمنيت أن نجد مثل هذا المشهد في مناقشة الرسائل، وفي الفعاليات الثقافية التي تقام في الرياض؛ فكأن أهل العاصمة زهدوا في العلم والثقافة، ولكن قد يلتمس لهم العذر في كثرة ما يقام في الرياض من فعاليات الثقافة وندوات المنازل، وطبيعة الموضوعات لها أثر في كثرة الحضور وقلتهم.
شرع المحاضر في إلقاء محاضرته الساعة الثامنة والربع، وعرّج على ذكر بعض الذين صحبوا الملك عبد العزيز، وأسهب في الحديث عن بعض من ذكر، كإبراهيم بن معمر، والمحاضرة طويلة لم يتسع لها الوقت، فقد عُرف المحاضر بطول النفَس، ذكر عشرات الشخصيات من الساسة الذين عملوا مع الملك عبد العزيز مدداً مختلفة، واعتذر عن ذكر شخصيات أخرى كثيرة؛ لأن وقت المحاضرة محدود، وكل من تحدث عنه أو أشار إليه يحتاج إلى محاضرة مستقلة، كعبد الله فيلبي، ومحمد أسد، وأمين الريحاني، وإبراهيم بن معمر، ومحمد بن دغيثر، وعبد الله بن عثمان، وعبد العزيز بن محمد العتيقي ابن المجمعة، وفؤاد حمزة، وحافظ وهبة، ورشدي ملحس، ويوسف ياسين، وخالد القرقني، وبشير السعداوي، وفؤاد الخطيب، وخير الدين الزركلي، وغيرهم عشرات؛ كمدحت شيخ الأرض ـ وهو طبيب ـ وكان الملك عبد العزيز يداعبه: ''من اللي خلاك شيخ الأرض؟'' ولو أعددت محاضرة عن كل شخصية ممن ذكرهم المحاضر ومن لم يذكرهم؛ لتوافر لدينا كنز هائل من المعلومات عن تاريخ الملك عبد العزيز وتاريخ المملكة في عهده. انتهت المحاضرة، ولتسارع الوقت لم يتح لأي من الحضور أن يعلق أو يداخل. ذهب الوفد توّاً إلى مبنى المحافظة، وكان على موعد مع حفل عشاء دسم كبير أقامه المحافظ، ودعي إليه كثير من أبناء المجمعة والعاملين فيها، وحُفّ بحديث عن المجمعة ونهضتها المتسارعة وتطورها وموقعها الاستراتيجي، وما يتوقع لها من مستقبل مشرق، ومما ذكره الأمير عبد الرحمن بن عبد الله بن فيصل أن عدد المراكز التابعة للمحافظة 36 مركزاً. ودّعنا المحافظ والحاضرين، وركبنا الحافلة قبيل الساعة الـ 11 متجهين إلى الرياض.
لما قَدِمَ الوفد استقبل ببرنامج معدّ متكامل، ويعود الفضل في ذلك إلى ما قام به ابن المجمعة البار الدكتور محمد الرشيد من تنسيق مع الجهات المعنية، فله الشكر على ما قدّم.
كان برنامج الزيارة حافلاً مزدحماً، وما لقيناه من صنوف الاحتفاء والكرم في كل موقع زرناه هو من ديدن أهل هذه البلاد وعوائدهم. وعلى الرغم من أن الوفد لم ينل أي قسط من الراحة ولم تلامس جنوبهم الأرض، فإنهم كانوا في غاية الأنس والانشراح والبهجة. ولعل من طرائف هذه الرحلة أن الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب تعرف على منازل أسرته بعد أن رحلوا عنها من سنين، ولعله يعود إلى بلد أجداده وأخواله. وخشينا أن يفلت منا الأستاذ محمد بن ناصر الأسمري ويذهب إلى جماعته الأسمرية في المجمعة، ولكننا راقبناه وبثثنا حوله العيون.