المدينة المنورة .. تطل لآخر مرة على زوارها بوجهها القديم

المدينة المنورة .. تطل لآخر مرة على زوارها بوجهها القديم

ثمة أماكن لا يضيرها تبدّل أثوابها، كالكعبة تبدل أثوابها كل عام وتبقى قدسيتها مع تبدل الزمان، لتظل مهوى نفوس المؤمنين وقبلة قلوبهم وأبصارهم، وكذا المدينة النبوية التي ارتدت حلة الدين فلم يعد يضيرها ما وراء ذلك من أثواب الدنيا، ليتغير وجهها مع مر العصور مرات عديدة وتبقى كعهدها الأول مدينةً قلبها المسجد النبوي وفي ثراها خير خلق الله، لكن الأجمل والأكمل عند كثيرين هو أن تلبس المدينة رداءها الجديد وأن تحفظ في ذات الوقت شواهد من العصور السابقة خصوصا ذلك العصر الذي شهد ولادة الجيل الأول للإسلام.
في المدينة المنورة حاليا ورشة عمل كبيرة بحجم مدينة أخرى، وفي الأثناء جزء من المدينة القديمة التي بنيت في أواسط القرن الماضي، وجزء آخر تم إنشاؤه حديثا (تسعينيات القرن الماضي) يتعرض للإزالة منذ أشهر، إيذانا ببدء مشروع أكبر توسعة يشهدها المسجد النبوي في تاريخه، تلك التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قبل عام من الآن، التي سوف يتوسع فيها المسجد النبوي بنحو خمسة أضعاف مساحته الحالية.
زوار المدينة هذا العام وأبناؤها سوف يسجلون في ذاكرتهم أنهم يشاهدون مدينة تولد من جديد، لتلبي حاجات الأعداد المتزايدة للمصلين الذين يتوقع أن ترتفع أعدادهم في الأعوام القادمة مع الطلب المتزايد للسفر إلى المدينة المنورة وتوسع مطارها الدولي وانفتاحه على خطوط دولية متعددة.
تشير المعلومات الأولية إلى أن إجمالي المباني المزمع إزالتها في مشروع التوسعة الحالي للمسجد النبوي يبلغ قرابة 14300 مبنى منها نحو 1470 مبنى ضمن توسعة المسجد وساحاته فيما بقية المباني المزالة ستكون في نطاق الخطة الهندسية للمنطقة المركزية الجديدة للمدينة التي ستحيط بالمسجد النبوي الشريف وستغطي تقريبا مساحة المدينة القديمة التي كانت هي تقريبا الحدود الحضارية للمدينة المنورة حتى منتصف القرن الماضي والمدى العمراني لها.
قرابة 310 من الفنادق الحديثة سوف تزال في خطة التوسعة الحالية بغية التوسع أكثر في خدمة زوار المدينة المنورة التي لا يتسع الوضع الحالي إلا لأقل من 300 ألف زائر في وقت واحد، فيما يتوقع أن تجعل التوسعة الجديدة الباب واسعا لاستقبال أكثر من مليون زائر في وقت واحد إلى جانب القدرة التي سوف ترتفع في الطاقة الاستيعابية للمسجد النبوي نفسه من 650 ألف مصلٍّ في الوقت الراهن إلى نحو مليون ونصف المليون مصلٍّ بعد اكتمال التوسعة التي أمر العاهل السعودي أن تنتهي في خلال عامين.
تحديات كبيرة تواجه العاملين في هذا المشروع الكبير الذي يعني قرابة المليار مسلم ويهدف في الوقت ذاته خدمتهم وتلبية الطلبات المتزايدة لهم بالقدوم إلى المدينة النبوية والصلاة في مسجدها، إذ يقف القطاع الخاص باستثماراته الكبيرة في المنطقة المركزية الحالية كحجر كبير يصعب إزاحته في ظل توقعاته المرتفعة بالتعويض وفي ظل تلكّؤ بعض القطاعات بإزالة خدماتها ورفع أدواتها عن الأراضي التي يراد تبييضها استعدادا لبدء المشروع الجديد للتوسعة.
هو مشروع كبير سيجعل من المدينة المنورة وفق الخطط التي ظهرت بعض ملامحها مدينة أكبر وفي وسطها منطقة مركزية أكبر، وفي القلب منها مسجد سيكون أكبر، وستبقى مآذنها التي سيتضاعف عددها تردد في كل صلاة "الله أكبر"، وستبقى مدينة لها من العمق التاريخي ما يحفظ مستقبلها ويؤمن حاضرها -بإذن الله.
وكان مسؤولو هيئة تطوير المدينة المنورة قد أوضحوا في وقت سابق، أن التوسعة سوف تشمل الجهات الغربية والشرقية والشمالية من الساحة المحيطة بالمسجد النبوي لتستوعب في حال اكتمالها نحو مليوني زائر و600 ألف آخرين.
وأشار تقرير لهيئة تطوير المدينة المنورة، إلى أن عدد العقارات المتوقع إزالتها لصالح المشروع من الجهتين الشرقية والغربية يبلغ قرابة مائة عقار في حين يبلغ إجمالي التعويض نحو 25 مليار ريال عن مساحة تقدر بنحو 12.5 هكتار.

الأكثر قراءة