الرحلة 1141
الساعة الحادية عشرة و15 دقيقة صباح يوم الجمعة 25 تشرين الأول (أكتوبر) أقف في طابور طويل أمام كاونتر الصعود للطائرة في مطار الدمام. المُفترض أن يكون موعد الإقلاع "رحلة 1141" المتجهة إلى الرياض الساعة 12 ظهراً.
الساعة الآن 11:45 ولم يطربنا صوت المذياع بأي جملة مفيدة عن الرحلة.
الساعة 12 ظهراً غردَتْ السماعات أخيراً أن الرحلة ستتأخر بسبب "ظروف تشغيلية"، هكذا كان الإعلان.
اقتربت من موظف الكاونتر وسألته عن "الظروف التشغيلية"، فأجاب أن هناك خللاً ما في الطائرة ويعملون على إصلاحه.
خلل ما! يعني الطائرة مثلاً تهرّب زيتاً، أو "تعشيق" القير معلّق، أو ربما البواجي تحتاج إلى صنفرة؟ طيب في أحد يا شباب عنده "أسلاك اشتراك بطارية" يمكن السِلف ما "يدق"؟
لا أحد يعلم.
أخبرونا لاحقاً أن الخلل في باب الطائرة وهم يعملون على جلب قطعة الغيار من الرياض أو جدة. لسبب ما شعرت أني أقف في ورشة سيارات مستعملة.
الساعة الثانية عشرة وبضع دقائق "الموعد الأصلي لإقلاع الطائرة" يصدح المذياع ثانية أن موعد الإقلاع سيكون الساعة 12:30. لا بأس، ننتظر.
الساعة 12:30 لا صوت يُسمَع ولا نداء يُطرِب. تذكرت وقتها أغنية فاضل عواد:
لا خَـبـرْ لا خَـبَـرْ لا چــفِــيَّـه لا حـامـض حـلـو لا شـَـرْبـَـتْ
لا خـَـبـرْ كـــالــوا صْـوانــيـكـم شـْـمـوعْ إنـْـتـَـرْسَــتْ
الساعة الواحدة ظهراً الإعلان مرة أخرى أن الرحلة ستتأخر إلى الثانية بعد الظهر.
الساعة الثانية إعلان آخر أن الطائرة ستقلع في الثالثة.
للأمانة الأدبية، موظف الخطوط عبد الرحمن الرشيد، كان متعاوناً جداً و"وسيع الصدر" بتلقي شكاوى المسافرين، ولا أستطيع التكهن بعدد المرات التي وضع فيها سبابة يده على أنفه "عادة سعودية تعني على هالخشم".
تم الإعلان عن إقلاع رحلة أخرى للرياض "1143"، تجمعنا حول الكاونتر في مشهد أشبه بالتظاهر أمام محل "فول" وكل منا يحمل بطاقة صعود الطائرة لعل بإمكاننا السفر على هذه الرحلة بعد أن تأخّرت رحلتنا عن الإقلاع.
لن أتحدث طويلاً عن الهمس الدائر بين موظفي الكاونتر بعد أن أداروا ظهورهم لنا، وبلمسة سحرية تمكّن البعض من الحصول على مقعد بين صيحات المسافرين الغلابة مثلي: "طبعاً، لو من ربعك كان طلعتني على الرحلة".
الساعة الثالثة لا يبدو أن رحلتنا ستقلع قريباً. لا بأس ننتظر.
إعلان عن رحلة ثالثة أخرى "1145" إلى الرياض، تجمعنا مرة أخرى حول الكاونتر لعل وعسى نحظى بمقعد، ولكن السيناريو نفسه يتكرّر.
قد تكون ظروفي أفضل من ظروف غيري، ماذا لو تغيّبت عن حضور اجتماع الجمعية العمومية لكُتاب الرأي والذي أعدّدت له لأسابيع، كما وعدت زملائي الأعزاء خالد السليمان وفضل البوعينين وعبد الله فدعق؟ ماذا لو تأخرت في كتابة مقالي الأسبوعي؟ ماذا لو أخفقت في الإجابة عن أسئلة صحفية عن رواتب المتقاعدين؟ غيري ربما لديهم ظروف زفاف أو مرض أو عزاء ـــ لا سمح الله.
أخيراً قررت وبعض المسافرين أن "نمسك الخط". وصلت الرياض في الثامنة مساءً، أي بعد عشر ساعات من مغادرة منزلي.
طبعاً تغيّبت عن حضور الاجتماع، لم أسلّم مقالي في الوقت المحدّد، ولم أجب عن أسئلة الصحيفة.
نسيت أن أذكر أن سائق الأجرة الذي أوصلنا الرياض كان هو الآخر يومه جميلاً، فقد حصل على صورة (4 X 2) من ساهر. يعني لا في الطائرة نجحنا ولا في السيارة فلحنا.
*عضو جمعية الاقتصاد السعودية