الرياض أكبر شركاء لندن التجاريين في الشرق الأوسط

الرياض أكبر شركاء لندن التجاريين في الشرق الأوسط

حينما يتطرق الحوار مع وزير التجارة والاستثمار البريطاني اللورد ستيفن جرين، إلى العلاقات التجارية لبلاده مع السعودية سواء في الوقت الحالي أو في المستقبل، فإن لغة الأرقام يجب أن يكون لها القول الفصل في هذا الحوار.
بعيداً عن التعبيرات الدبلوماسية للسياسيين، وبشكل واضح لا لبس فيه، كشف اللورد جرين في حوار اختصت به صحيفة "الاقتصادية" أن السعودية هي أكبر شريك تجاري لبريطانيا في الشرق الأوسط.
لكن الوزير البريطاني على يقين أن السعودية تعني لبريطانيا أكثر من شريك تجاري في الوقت الحالي. إنها تعني باختصار آفاقاً مستقبلية واعدة تتجاوز التجارة إلى الاستثمار في قطاعات مصيرية وحيوية لاقتصاد البلدين، كالتعليم والصحة والبنية الأساسية، إضافة إلى الطاقة كقطاع رئيس.
وأشاد اللورد جرين بالتجربة الرائدة لمدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، معتبراً أن زيارته الأخيرة للسعودية ولقاءه مع الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة والصناعة السعودي قد وضعت حجر الأساس لمرحلة جديدة بين البلدين في مجال التجارة والاستثمار، وأن التشكيلة الجديدة لمجلس الأعمال السعودي - البريطاني المشترك قادرة على تفعيل العلاقات التجارية بين البلدين. وحول دور القطاع الخاص في دعم مجالي التجارة والاستثمار بين لندن والرياض، أكد الوزير البريطاني أن لقاءه أخيراً بالأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة يعد مؤشراً شديد الدلالة على الدور الذي تعول عليه كلا البلدين في دفع العلاقات الاقتصادية والاستثمارية قدما من خلال مساهمات أكبر للقطاع الخاص في البلدين.
إلى تفاصيل الحوار:

لورد جرين .. قمت أخيراً بزيارة للسعودية، كيف تقيّم العلاقات البينية بين المملكة المتحدة ودول الخليج، خاصة السعودية في مجالي التجارة والاستثمار؟
كانت هذه زيارتي الثانية إلى السعودية كوزير للتجارة والاستثمار، وأنا أعرب عن امتناني العظيم لمستوى الضيافة الذي تلقيته، والبرنامج المقدم لي من قبل المضيفين السعوديين، ونحن نرى أنفسنا شريكاً استراتيجيا رئيساً في المنطقة، ولدينا مجموعة واسعة من المصالح المشتركة في مجالات التجارة والتعليم والدفاع والثقافة والأمن الإقليمي والتعاون في مجال السياسة الخارجية.
زيارتي كانت فرصة للمناقشة والاتفاق على بعض الخطط الطموحة لمستقبل التجارة المتبادلة وتطوير الاستثمار، والبناء على ما وصلت إليه التجارة الثنائية بين السعودية والمملكة المتحدة في الوقت الراهن والتي بلغت عشرة مليارات جنيه استرليني في 2012.
وأحب أن أشير هنا إلى أن السعودية هي أكبر شريك تجاري لنا في الشرق الأوسط، ونحن ثاني أكبر مستثمر تراكمي في السعودية، وهناك نحو 200 مشروع مشترك بين المملكة المتحدة والسعودية بقيمة استثمارية تبلغ نحو 17.5 مليار دولار.
ونحن نرى أن هناك الكثير من الفرص المتاحة لتنمو شراكتنا التجارية أكثر، مع إمكانية إقامة مشاريع مشتركة في قطاعات رئيسة مثل البناء والنقل والمياه والتعليم والرعاية الصحية.

ما الخطوات التي تتخذها المملكة المتحدة لزيادة حجم تبادلها التجاري مع السعودية مستقبلاً؟
التجارة بين بلدينا لا تزال تنمو، وهناك عدد من الفرص والمبادرات للمساعدة في تحقيق المزيد من النمو المستقبلي، بما في ذلك تنويع الاقتصاد السعودي بعيداً عن هيمنة قطاع الطاقة عليه، وتحقيق ذلك يتطلب تعاونا في مجموعة واسعة من القطاعات تمتد من البنية الأساسية لمشاريع تطوير الطاقة إلى الرعاية الصحية والتعليم.
والمملكة المتحدة لديها قدر كبير من الخبرة في هذه المجالات، وهناك بالفعل تقدم لا بأس به يجري إحرازه، ونتوقع استمرار الطلب الكبير في الأسواق السعودية على ما لدينا من مهارات وخبرات وسلع، وعلى سبيل المثال، نحن نشهد تقدما جيدا في مجال التعاون في الرعاية الصحية، بناءً على الجهود التي تبذلها اللجنة الوزارية المشتركة، التي اجتمعت في لندن في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، وهناك تعاون في مجال التدريب المهني، كما تواصل المملكة المتحدة أيضا قيادة الطريق في مجال الخدمات المالية، ومن ثم فإن خبرتنا في هذا المجال تعد منطقة مهمة أخرى محتملة لتحقيق الفوائد لكلا البلدين.
لقد كنت حاضراً عند توقيع شراكة جديدة بين شركتين في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا خلال زيارتي الأخيرة، وكان ذلك مثالاً جيداً للشركات المبدعة من كلا البلدين والتي تقوم بتعزيز التبادل الاستثماري ونقل التكنولوجيا.
أعتقد أن المملكة المتحدة والسعودية تعملان على تعزيز دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من خلال إعادة إطلاق مجلس الأعمال السعودي البريطاني المشترك الذي يهدف إلى الانتقال من مجال تحسين "الأعمال" إلى "إشراك قطاع الأعمال".

تهدف منطقة الخليج العربي عامة والسعودية على وجه الخصوص إلى استثمار قرابة تريليوني دولار خلال العقد المقبل لتعزيز البنية التحتية. ما الذي يمكن أن تقدمه المملكة المتحدة يختلف عما يقدمه غيرها من المنافسين الأقوياء مثل الصين وأمريكا وألمانيا لدول مجلس التعاون الخليجي؟
السعودية تمثل حاليا أكبر سوق للبناء في الشرق الأوسط، وتعد واحدة من أسرع الأسواق نموا في العالم، ولا شك أن تطوير وتعزيز مشاريع البنية التحتية ذات القيمة المرتفعة يجعلها استثمارات مثيرة للاهتمام، ويحتمل أن تكون مثمرة للغاية، سواء من حيث الفترة الزمنية لإكمالها وكذلك لمن يعملون في المنطقة. ومشاريع البنية التحتية الكبرى تلك وبلا شك سيكون لها تأثير في خلق طلب في طائفة واسعة من المجالات والقطاعات، وستسمح أيضا بإيجاد العديد من فرص الأعمال المرتبطة بها، وهناك الكثير من المجالات الرئيسة يمكن لشركات المملكة المتحدة الانخراط فيها من خلال تطوير شركات القطاعين العام والخاص لتحسين إنجاز المشاريع وإدارة المرافق.
وكما يعلم الجميع، فإن المنافسة في تزايد مستمر، ولكن المؤسسات في المملكة المتحدة لديها خبرة هائلة في هذه المجالات، سواء في مجال البناء والسكك الحديدية أو في مجال تطوير المطارات أو في قطاع الطاقة.
وتمتلك الشركات البريطانية سمعة قوية لتقديم خدمات ذات جودة عالية على أساس تنافسي، ولنقل مجموعة واسعة من الخبرات وممارسات العمل بصورة مهنية، وهذه الشركات ملتزمة أيضا بنقل ما لديها من مهارات عبر تدريب العاملين السعوديين ومن خلال خطط مكثفة من التدريب المهني للمواطنين.

لورد جرين.. اجتمعت مع الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة، خلال زيارتكم الأخيرة للعاصمة الرياض. ما تقييمكم لما يمكن أن يقوم به القطاع الخاص السعودي لتعزيز التعاون في مجال التجارة والاستثمار بين البلدين؟ وماذا يمكن أن تقدم المملكة المتحدة لدعم هذا الدور؟
هناك عدد من المجالات التي يمكن لرجال الأعمال في السعودية والمملكة المتحدة العمل فيها معا لتعزيز التعاون بين الجانبين، وأنا حريص جدا على تطوير التعاون في مجال الأعمال التجارية من خلال مجلس الأعمال السعودي البريطاني المشترك، باعتبار أن الشركات قادرة على دعم بعضها البعض، والاستفادة من خبرات بعضهم البعض.
كل الاجتماعات التي عقدت في الرياض كانت مثمرة للغاية وغنية بالمعلومات، والأمير الوليد بن طلال لديه عدد من الاستثمارات في المملكة المتحدة، وقد ناقشنا إمكانية القيام بالمزيد لدعم علاقتنا الراسخة.
وواحدة من مبادراتي تقوم على تعزيز شبكات الأعمال التجارية في الخارج والعمل بشكل وثيق مع الغرف التجارية، وقد حققنا تقدما جيدا في هذا الشأن خلال زيارتي إلى السعودية، واتفقنا خلال لقائي مع الدكتور توفيق الربيعة، وزير التجارة والصناعة السعودي، أن التشكيلة الجديدة لمجلس الأعمال السعودي البريطاني المشترك تحت الرئاسة المشتركة الممتازة للشيخ ناصر المطوع، والبارونة سايمونز، سيكون لها دور مهم تؤديه في هذا المجال.
ونحن نتحرك قدما في خطة لإعادة هيكلة وإعادة تنشيط الخدمات التي نقدمها لجميع الشركات التي تسعى لدخول السوق السعودية، والتي بدورها ينبغي أن تشجع المزيد والمزيد من الشركات الصغيرة والمتوسطة البريطانية للارتباط مع القطاعات المماثلة في القطاع الخاص السعودي.

مع تزايد استهلاك الطاقة في الصين والهند وتوافر القدرة المالية لديهما لشراء احتياجاتهما وفقا للأسعار العالمية، فإنهما يمثلان منافسا خطيرا للدول الغربية، خاصة بريطانيا في الطلب على النفط. ما الخطوات التي اتخذتها لندن لتعزيز علاقتها في مجال الطاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة السعودية؟
نحن حرصاء على أن تكون الشركات البريطانية على بينة بفرص الأعمال المتاحة في قطاع الطاقة المتجددة في السعودية، خاصة البرنامج الطموح لمدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، ولدينا في المملكة المتحدة بعض من أفضل الشركات الاستشارية والتكنولوجية في العالم التي توفر المشورة والخدمات للعملاء في مجال الطاقة المتجددة لكل من الحكومة والقطاع الخاص على حد سواء.
نعتقد أن صناعة الطاقة المتجددة في المملكة المتحدة تسير بخطى حثيثة، وقمنا بتركيب أكثر من 5000 وحدة من الوحدات التوربينية لتوليد الطاقة من الرياح، وبهذا تصل الطاقة الإجمالية للوحدات المركبة إلى أكثر من عشرة جيجاوات حتى الآن، كما أن سوق الطاقة الشمسية في المملكة المتحدة تهدف إلى توفير الطاقة الشمسية لأربعة ملايين وحدة سكنية، وهو ما يمثل 22 جيجاوات من الطاقة الشمسية المثبتة بحلول عام 2020، ونود أن نعمل من كثب مع السعودية لتبادل الخبرات والمعرفة، للمساعدة في توطين بعض عناصر سلسلة الإمداد داخل تلك الصناعات.

الأكثر قراءة