ركضة السهلاوي
.. الدقيقة السابعة على بداية الديربي المنتظر، القائد عبد الغني يرسل كرة طويلة، الجميع يترقب، وحده محمد السهلاوي لا يشبه الجميع، يجري ويستعيد مشهدا حدث في الرابعة من عصر اليوم ذاته حين وجه الذكي الفطن الأورجوياني حديثه إليه وسط المجموعة، يركض الفتى الحساوي، وصدى كلمات كارينيو ترسم خطاه وهو يقول في الاجتماع الذي سبق المباراة: مدافعهم الجديد بطيء ومتردد، إذا كان آخر لاعب في حوزته الكرة اهجم عليه سيخطئ، وسيجبر حارسه على الخطأ حينما حاول المدافع المسلم التعامل مع الكرة وكأنها كرة من لهب، كانت قدم الهداف تتسرب بين الحارس ومدافعه وتصيب الهدف.
بابتسامته الطفولية البريئة، جرى محمد يحتفل، رأى في أعلى المدرجات قامة سامقة من المجد والتاريخ تنتصب وتصفق له، رفع الهداف الصغير يده يشير إليه ولسان حاله يقول: أتذكر حديثنا قبل أسبوعين.
ولد محمد السهلاوي وسط نخيل الأحساء الوارفة، سكنها عشرين عاما، وما زالت تسكنه حتى اللحظة، تخرّج من جامعتها بشهادة البكالوريوس في التربية البدنية، ويبحث حاليا عن فرصة لإكمال درجة الماجستير، يحن إلى الأحساء وعيونها ونخيلها كما تحن الطيور إلى مواطنها الأصلية، ولا يفرط في يوم راحة من التمارين إلا وواحة النخيل وجهته المفضلة، يمارس فيها هوايته في لعب التنس الأرضي مع شقيقه ماهر الذي ينتصر غالبا ويمازحه في كل مرة: كرة المضرب لعبة ردة الفعل السريع يا كابتن، ويقهقه محتفلا: "ما يمديك يالديزل"، يحلم الشاب الحساوي بقيادة فريقه لبطولة الدوري المحلي، واللعب في المونديال مدافعا عن ألوان بلاده.
.. على بعد خمسة أيام من الديربي، عرف السهلاوي أنه في قائمة البدلاء للمباراة، ارتسم الحزن على ملامحه، صوت في دواخله يقول له إنه سيشارك، رغم أن كارينيو بدأ في رسم خطته معتمدا على الراهب والبرازيلي إلتون كمهاجمين، لم يسر بشعوره في المشاركة إلا لصديقه المقرب محمد نور، قال له بحماسة تتفجر: أشعر أنها مباراتي، وسألعب.
في اجتماع الرابعة عصرا الذي سبق الموقعة، جلس مترقبا متلهفا يمني النفس، وإلى جواره صديقه المفضل نور، توقع لاعبو الفريق أن يغير كارينيو طريقته من مهاجمين، إلى واحد، وأن يبدل في منهجيته التي دربهم عليها، على مدى أسبوع سبق المباراة، وتوقعهم مبني على حكاية تمرد لاعبي الفريق البرازيليين التي هزت معسكر الفريق وأحدثت جلبة واسعة بلغت كل الأرجاء.
رفع كارينيو حاجبيه، أشار إلى نور، وقال: ستكون مكان باستوس، طأطأ النجم الأسطوري رأسه يخفي فرحته أمام صديقه خجلا، وواصل كارينيو: سهلاوي أنت والراهب في المقدمة، التفت الهداف إلى مجاوره وابتسم ورائحة الانتصار تعطر المسافة القريبة الفاصلة بينهما.
تابع الأورجوياني الحماسي موجها حديثه للسهلاوي: اليوم ستركض كثيرا، إذا رأيت الراهب يجري باتجاه الكوري، هاجم المدافع الآخر، مدافعوهم يشكون من البطء، لديهم مشكلة في الكنترول، وأخطاؤهم قاتلة، أمسك كارينيو بكتفي لاعبه يهزه كجذع نخله، يرجو أن تتساقط رطبا شهيا في المواجهة، وقال: يجب أن تجبر المدافع الجديد على الخطأ من البداية، وسيظل يفكر في خطأه طوال المباراة، ولن يكون موجودا، كلما رأيته يهم بالكرة اركض باتجاهه.
في الحافلة المقلة للفريق إلى ميدان النزال، أخذ الجميع مقاعدهم يتأهبون للمغادرة، وتاتا مساعد المدرب يتخلف مشغولا بمكالمة زوجته في الأورجواي، وعندما التحق بالركب توجه إلى السهلاوي في مقعده وقرب شفتيه من إذنه وقال: زوجتي تقول لا تنكسروا بغياب البرازيليين، سهلاوي سيقودكم إلى النصر. بعد المباراة، احتضن السهلاوي صديقه نور، ونور حلمه الأول يتلألأ في السماء.