إيران تضغط لزيادة الإنتاج .. ولن يوافق المنتجون الخليجيون
رغم برودة الطقس في فيينا، عاصمة النمسا، إلا أن أجواء النقاش بين الصحافيين والمحللين السياسيين المشاركين في تغطية اجتماع "أوبك" كانت أشد سخونة؛ فالاجتماع، الذي سينطلق اليوم، هو الأخير لهذا العام، والـ 164 منذ تأسيس "أوبك" في مطلع الستينيات.
وتبدو أهمية الاجتماع واضحة من مشاركة 200 صحافي من مختلف دول العالم في تغطيته؛ إذ ينصب الجدل الرئيسي في المناسبة حول قضيتين أساسيتين:
هل ترفع "أوبك" سقف إنتاجها، من جرّاء التغيرات الناجمة عن زيادة القدرات الإنتاجية للعراق، والضغوط الإيرانية لزيادة حصتها، بعد توقيع الاتفاق النووي مع الدول الكبرى؟ وما موقف السعودية، أكبر مُصدِّر للنفط في العالم، من هذا؟
لكن النقاش المحتدم، ووجهات النظر المتباينة للصحافيين والمحللين، في إجابة هذين السؤالين؛ لم يمنعا أغلبهم من الاتفاق على أنه من المستبعد أن ترفع "أوبك" سقف إنتاجها، رغم انخفاض الكميات المنتَجة حاليا عن السقف الذي تحدده المنظمة، وهو 30 مليون برميل يوميا.
ويشرح هذا الخبير الألماني في شؤون النفط، آرموت لينشتاك؛ إذ يقول لـ "الاقتصادية": "هناك اعتقادات سائدة حول منظمة "أوبك"، لكنها اعتقادات غير صحيحة. من أبرز هذه الاعتقادات أن المنظمة تحدد أسعار النفط، وهذا غير صحيح، فهو يتحدد من طريق العرض والطلب".
وأكد أن "أوبك" لا تسيطر على أسواق النفط، لكن لها تأثير كبير فيها، ومنبع هذا هو الإنتاج، "والآن تنتج الـ 12 دولة الأعضاء في المنظمة نحو ثلث الإنتاج العالمي من النفط"، وزيادة الكمية أكثر من هذا، سيكون لها تأثير سلبي في الأسعار، وسيتضرر الجميع، وفقا لقوله.
وأضاف قائلا: "في أفضل الأحوال، ستصل المنظمة إلى السقف الأعلى، وهو 30 مليون برميل يوميا، وحيث إن الإنتاج الراهن أعلى قليلا من 29.5 مليون برميل، فإن الزيادة المتوقعة ستكون نصف مليون برميل، أو أقل، في الفترة المقبلة، وهذه الكمية لن يكون لها تأثير في الأسعار".
والاتفاق على عدم زيادة الكميات المنتجة من النفط، يعني أن الحل الوحيد أمام المنظمة، لاستيعاب زيادة الطاقة الإنتاجية للعراق، مثلا، أو الرغبات الإيرانية؛ لا يمكن أن تتم إلا عبر إعادة توزيع الحصص بين الدول الأعضاء، وفي ظل التوترات المحتدمة بين الأعضاء، فإن عملية توزيع الحصص ستشهد جدلا حادا.
وقال لـ "الاقتصادية"، ينكين ماكوتا رئيس القسم الاقتصادي في صحيفة "ياموري شيمبن" اليابانية: "كما هو متوقع، فإن أعضاء أوبك لن يرفعوا الإنتاج، وأغلب دول المنظمة تعاني عجزا في الميزانية، وهو ما يعني أن خفض الإنتاج سيمثل مشكلة اقتصادية داخلية لكل دولة".
وتحدث ماكوتا عن العراق، الذي أنتج نحو 2.381 برميل يوميا في تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد أن كان ينتج 2.253 برميل في تشرين الأول (أكتوبر)، وحقق عائدا بـ 7.3 مليار دولار.
وقال: "الإيرانيون هم المشكلة الحقيقية، فالعقوبات الدولية لم ترفع عن إيران، والإيرانيون يريدون استغلال الوضع الراهن، للضغط على المنظمة لزيادة إنتاجهم. لكن أعتقد أن اللوبي العربي، وتحديدا الرياض والكويت والإمارات لن يقبل بذلك".
وتابع: "إذا كانت هناك رغبة حقيقية من إيران، بألا تهز قارب أوبك، الذي يُبحر حاليا وسط بحر من التحديات، وألا تنخفض الأسعار عن 100 دولار للبرميل؛ فعليها أن تتعاون مع جميع الأعضاء، خاصة السعودية، كما عليها أن تبعد عن سياسة المحاور داخل أوبك".
والرغبات الإيرانية، بزيادة حصتها من النفط، قد لا تصطدم فقط باعتراض الرياض وبقية دول الخليج، بل ربما تصطدم أيضا بمواقف غير مرحِّبة من بغداد؛ فوزير النفط الإيراني بيجن زنغنه، انتقد بشدة العراق، ثاني منتج للنفط في "أوبك"، واعتبر أن بغداد توسع حصّتها على حساب طهران، واصفا هذا السلوك بـ "غير الودي".
ورغم هذا، يشير البعض إلى أن "أوبك"، إذا كانت ترغب في الحفاظ على المستويات الراهنة للأسعار؛ فعلى الأعضاء إظهار "مزيد من التعاون"، ولربما يكون التعاون ليس في زيادة الإنتاج بل في خفضه. فأعضاء المنظمة، يواجهون تحديا من الإنتاج المتنامي للبترول الصخري في أمريكا، وهو ما يدفع البعض إلى توقع أن تخفض المنظمة إنتاجها النفطي في النصف الثاني من عام 2015م.
وينظر العديد من المشاركين في أعمال اجتماع اليوم، بتمعن شديد، لسلوك وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنه، ويعتقد بعض المراقبين أن المنافسة الراهنة بين الرياض وطهران وبغداد على قيادة المنظمة للمرحلة المقبلة؛ ستكون أحد المؤشرات الرئيسية حول السلوك الإيراني تجاه "أوبك" عامة، والسعودية خاصة.
ويدفع هذا الأمر البعض للتوقع بأن تتفادى المنظمة أي هزات داخلية، بشأن الصراع على اختيار أمين عام جديد لها، أو التمديد لفترة أخرى للأمين الحالي الليبي عبد الله البدري.