«أوبك» تُبقي على سقف إنتاجها .. والخلافات تمدد ولاية الأمين العام
بمجرد دخول عبد الله البدري الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" (الليبي الجنسية) إلى غرفة المؤتمر الصحفي في المقر الرئيس للمنظمة في فيينا، سادت الهمهمات بين الصحفيين ومراسلي الفضائيات ووكالات الأنباء والمحللين السياسيين بأنه تم التمديد له عاما آخر. التمديد يعني أنه في نهاية كانون الأول (ديسمبر) عام 2014 سيكون البدري قد قضى ثمانية أعوام أمينا عاما لـ"أوبك".
الاختيار فسره البعض بأنه محاولة من الدول الأعضاء لتفادي أن تعصف به الخلافات الداخلية، وذلك بعد أن اشتدت حدة المنافسة بين الرياض وطهران وبغداد حول من سيتولى رئاسة الأمانة العامة. وقد علق الأمين العام لـ"أوبك" لـ"الاقتصادية" على إعادة اختياره بالقول لا أعلم، ولم أطلب ولم أسعَ لهذا المنصب، لقد كان خيار الدول الأعضاء ".
وكان وزير النفط الإماراتي سهيل محمد المزروعي قد صرح لـ"الاقتصادية" قبل انطلاق أعمال اجتماع "أوبك" رقم 164 "حتى الآن يوجد عدد من المرشحين، وهذه إحدى النقاط التي سنتناولها اليوم، ولا يوجد حتى الآن مرشح فائز أو جاهز للانتخاب. الوزراء سيقررون هل يجدد للأمين العام أم سيتم اختيار أحد المرشحين ؟
ويعتبر الباحث البريطاني جون هال رئيس منظمة ألفا للطاقة ومقرها بريطانيا وأحد المشاركين في قمة "أوبك"، أن التجديد للبدري يعني أن الموقف السعودي خرج فائزا في الصراع على الأمانة العامة لـ"أوبك". ويقول لـ"الاقتصادية" البدري يتصف بالدبلوماسية والوسطية والحياد، وأفلح في الحفاظ خلال سنوات رئاسته على الإبقاء على أعضاء "أوبك" معا، وهذا صعب في منظمة تشهد دائما منافسة بين الأعضاء، وأتذكر العام الماضي حيث كان رئيس المنظمة من الإكوادور، لكن خلال المؤتمر الصحفي كان البدري يجيب عن جميع الأسئلة بصورة دبلوماسية، فهو دبلوماسي في سلوكه، و"أوبك" في حاجة ماسة إلى شخصية من هذا القبيل". ويضيف "كما أن البدري يتمتع بميزة كبيرة للغاية، فليبيا في وضع صعب حاليا، ومن ثم الجميع يعلم أن الأمين العام لا تقف خلفه دولته التي يمكن أن يكون لها وجهة نظر خاصة في النزاعات التي تشهدها "أوبك". "ويؤكد جون هال "العديد من أعضاء "أوبك" كانوا يخشون أن يتولى إيراني هذا المنصب حتى لا تستخدمه طهران كسلاح في نزاعاتها مع الآخرين. ولربما حصلت طهران في ذلك على دعم فنزويلا، ومن المحتمل دولة أو دولتان داخل "أوبك"، ورغم أن هذا لا يعد دعما كبيرا لإيران، إلا أنه كان كفيلا بإحداث شرخ في "أوبك"، ونحن لا نعرف تحديدا لمن كانت العراق ستنحاز لكن في الأغلب كانت ستنحاز لطهران"
ويعلق المحلل الاقتصادي في صحيفة ليبرسيون الفرنسية جان كاسبر على اختيار البدري "لا نعرف في حقيقة الأمر ما دار داخل أروقة اجتماع "أوبك"، لكن إعادة اختياره ربما تفسر على أن الرياض وبغداد وطهران قرروا عدم الصدام في هذا التوقيت، فالتحديات التي تواجهها المنظمة من المنتجين خارجها تتطلب بذل جهود موحدة لمواجهتها، وأبرز هذه التحديات هي النفط الصخري". ويضيف "أيضا يجب الأخذ في الاعتبار أن عبد الله البدري أدار خلال السنوات السبع له في رئاسة منصب الأمين العام المنظمة بدرجة كبيرة من النجاح، ولا شك أن الرياض والبلدان الخليجية تدعمه في هذا، وأعتقد أن الإيرانيين والعراقيين في الأغلب تفادوا الدخول في نزاع من الرياض بشأن هذا المنصب".
هذا وقد استغل الأمين العام اجتماع "أوبك"، وتواجد هذا العدد الغفير من الصحفيين ووسائل الإعلام لتغطيته، لتوجيه رسالة بشأن الاضطرابات الأمنية في ليبيا وانعكاساتها على سوق النفط، مصرحا "نتمنى من الإخوان المتمسكين بإيقاف نشاط النفط أن يراجعوا أنفسهم بأقصى سرعة، لأن هذا يؤدي إلى مشاكل لقطاع النفط، وعلى الرغم من الأعداد الهائلة والخبرة الممتازة لليبيين، فإن الأمور ستكون صعبة جدا لحل مشاكلهم بأنفسهم"
ويعلق الصحفي الليبي منصور صالح والمشارك في الاجتماع على هذه التصريحات بالقول "إنها تعكس الخشية التي تشعر بها أسواق النفط من الوضع الفوضوي الداخلي في ليبيا في الوقت الراهن، فالإنتاج تراجع من قرابة 1.5 مليون برميل يوميا - وهذه هي حصة ليبيا وفقا لـ"أوبك" - إلى 450 ألف برميل يوميا في شهر أكتوبر، ثم 250 ألف برميل يوميا في الشهر الماضي، وهنا أتحدث عن الحصص الرسمية؛ إذ إن هناك العديد من الأنباء عن وجود عمليات تهريب تقوم بها بعض الميليشيات والمناطق".
بيد أن إغلاق ملف المنافسة على من سيتولى الأمانة العامة لـ"أوبك"، لم يكن إلا جزءا من ملفات عديدة تعمل "أوبك" على حلها، ومن بين هذه الملفات الخطرة الذي يشكله تزايد إنتاج النفط الصخري على الدول الأعضاء. ولهذا لم يكن مستغربا أن يتطرق البدري لهذا الملف في بداية المؤتمر الصحفي الذي عقده في ختام اجتماعات "أوبك"، إلا أنه حرص على أن يتلاءم خطابه مع ما صرح به وزير النفط السعودي علي النعيمي من أنه لا خطر يهدد المنظمة وبلدانها من النفط الصخري، وهو التوجه العام لـ"أوبك" بشأن هذا الملف الشائك والمعقد.
فقد صرح الأمين العام لـ"أوبك" لوسائل الإعلام، قائلا "قمنا بدراسات مهمة وننظر في هذا الموضوع، ونرحب بهذا القادم الجديد، فهو يفيد السوق والمستهلكين والجميع". وأضاف "أمريكا تنتج نحو 2.7 مليون برميل من النفط الصخري، وفقط أمريكا هي من ينتج كميات يعتد بها، ونعلم أن هذه الكمية ستزداد حتى عام 2018، ثم ستتراجع بعد ذلك، وخلال الفترة من 2017-2022 سيترك النفط الصخري تأثيرا في إنتاج "أوبك"، وسيؤدي إلى انخفاض الإنتاج ولكن بمعدلات بسيطة". ومع هذا فإن البدري لم يغلق الباب تماما بشأن المخاطر المستقبلية، إذ صرح قائلا "التكلفة الراهنة لإنتاج النفط الصخري مرتفعة، ونعلم أن التكنولوجيا ربما تتحسن وتزيد من إنتاجه وتخفض السعر، ولكن حتى الآن سعره مرتفع، وأحب أن أوضح أننا لا نقول إننا غير مهتمين، ولكن بالنظر إلى العوامل الأخرى وبالنسبة لي فأنا أرحب بهذا الوافد الجديد وأؤكد أننا قادرون على استيعابه".
ويشهد موضوع تزايد الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري، وتأثيره في أسواق النفط من حيث كميات الإنتاج والأسعار جدلا محتدما بين المعنيين. فقد أظهر عدد من الخبراء والمحللين المشاركين في أعمال اجتماع "أوبك" ملاحظات سلبية على الطريقة التي تتعامل بها "أوبك" مع ملف النفط الصخري، وأشار البعض إلى أن ذلك يذكر بالاستسهال الذي تعاملت به المنظمة مع إنتاج بحر الشمال من النفط، الذي ترك لاحقا انعكاسات سلبية على سوق النفط وأسعاره بل على "أوبك" نفسها. وتعلق الصحفية انوشا ساغر من صحيفة هندو الصادرة في العاصمة الهندية نيودلهي على ذلك بالقول "أعتقد أن "أوبك" ستفاجأ بالدور الذي سيلعبه النفط الصخري مستقبلا في تحديد أسعار النفط عالميا، فالإنتاج لن يقف حكرا على أمريكا، وإذا كانت العوامل التقنية تعيق حاليا الإنتاج على نطاق واسع، فإنها حتما ستتغير خلال السنوات الخمس المقبلة، أضف إلى ذلك أن التقديرات المتاحة تشير إلى أن العديد من بلدان أمريكا اللاتينية وتحديدا الأرجنتين بها كميات هائلة من النفط الصخري، وكذلك الصين وروسيا، فإذا أخذنا في الاعتبار أن 88 في المائة من نمو الطلب العالمي على النفط يأتي من البلدان الآسيوية، فإن نمو الإنتاج الصيني مثلا من هذا النوع من النفط سيؤدي إلى تغير جذري في الأسواق الدولية"
إلا أن أسامة الحسيني خبير النفط العربي والمستشار في الوكالة الدولية للطاقة يعترض على وجهة النظر تلك، ويتبنى وجهة نظر أقرب إلى منظمة "أوبك"، ويفسر موقفه لـ"الاقتصادية" بالقول "النفط الصخري مثله مثل أي تغيير طبيعي في سوق النفط، فعلى سبيل المثال كانت إندونيسيا قبل سنوات أحد الأعضاء البارزين في "أوبك"، الآن خرجت من المنظمة لأن إنتاجها النفطي تراجع، وهذا حال أسواق المواد الخام عامة. فهناك مبالغات فيما يتعلق بالإنتاج الأمريكي من النفط الصخري ليس من حيث الكمية، ولكن من حيث التأثير في السوق العالمية للنفط، "أوبك" تنتج حاليا بين 30 - 35 في المائة من الإنتاج العالمي، والأمر يجب إلا يركز على كميات النفط الذي ينتجه أعضاء المنظمة، فالأهم هي الأسعار، وكل هذا سيتوقف على عامل أساسي، هو مدى توحد أعضاء المنظمة في مواجهة أي أخطار تأتي من قبل المنتجين غير الأعضاء" وقد حرص اجتماع "أوبك" على التأكيد مرة أخرى على أن سقف الإنتاج لن يزيد في الوقت الراهن على 30 مليون برميل يوميا، وعلى الرغم من أن أدبيات العمل داخل المنظمة ترفض الإفصاح عن الحصة المخصصة لكل دولة من الدول الأعضاء، إلا أن الشكوك تنتاب الجميع من سعي إيران لزيادة حصتها على حساب الأعضاء الآخرين، وهو ما أثار تساؤلات بهذا الشأن. وقد عزز القلق من أن يؤدي الإصرار الإيراني على زيادة حصتها على حساب الآخرين من توقع خلافات حادة داخل الاجتماع، خاصة أن وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه استبق اجتماع "أوبك" بالتصريح بأن بلاده جاهزة فنيا لإنتاج أربعة ملايين برميل نفط يوميا خلال ستة أشهر بمجرد رفع العقوبات عنها، إلا أن الوزير الإيراني تبنى لغة خطاب أزعجت العديد من أعضاء "أوبك"، حيث أظهر تحديا للمنظمة عندما أضاف "إيران سترفع إنتاجها إلى أربعة ملايين برميل يوميا بنهاية العام المقبل حتى إذا انخفض سعر البرميل إلى 20 دولارا"
إلا أن ادعاء إيران قدرتها على إنتاج هذه الكمية بعد ستة أشهر من رفع العقوبات، قوبلت بشكوك من بعض مختصي النفط المشاركين في اجتماع "أوبك" من بينهم ديفيد ريتشيمند من الوكالة الدولية للطاقة الذي صرح لـ "الاقتصادية" بقوله "أعتقد أنها تصريحات إعلامية أكثر منها أمرا حقيقيا وواقعيا، فالعديد من الحقول تعاني اختناقات رئيسة، وسيكون من الصعب زيادة الإنتاج في هذا الوقت القصير "
وفي هذا الشأن، أعرب الأمين العام لـ"أوبك" عبد الله البدري عن موقفه بالقول "نحن سعداء أن هناك مفاوضات بين إيران وأمريكا لرفع العقوبات التي استمرت فترة طويلة، فإيران دولة مؤسسة لـ"أوبك" ولديها احتياطات نفطية ضخمة، وقوى عاملة، ولهذا نحن سعداء بوجود مؤشرات إيجابية بين إيران وأمريكا، أما بشأن إنتاج إيران للكمية المرغوبة، فإن "أوبك" ستنظر في الموضوع ونحن نراقب الوضع بدقة"
تصريحات البدري فسرها البعض بأنها دليل على أن الاجتماع الراهن لـ"أوبك" لم يستجب لدعوى إيرانية لزيادة حصتها. وتعتقد الينا شويسلاف من المعهد الدولي للأبحاث الاستراتيجية في مدينة بطرسبورغ الروسية، أن بلدان "أوبك" وتحديدا إيران ليس أمامها إلا الاتفاق في هذا الاجتماع وضرورة التوصل إلى حل وسط، لكن المشكلة الرئيسة ستبرز في منتصف العام المقبل على حد قول الينا. وتضيف لـ"الاقتصادية" بحلول منتصف عام 2014 سيرتفع الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري، وستتمكن نيجيريا من استعادة قدرتها الإنتاجية المتراجعة جراء حوادث تفجير أنابيب النفط، وسترتفع القدرة الإنتاجية للعراق خاصة من حقل كركوك الذي يشهد الآن مصاعب فنية، أضف إلى ذلك إيران وهي تحديدا مشكلة لـ"أوبك" إذا ما قررت المضي قدما وزيادة إنتاجها من النفط، فالآن يمكن استيعاب ذلك نسبيا، لكن في المستقبل وبمعدل أربعة ملايين برميل يوميا وفي ظل معدل النمو الاقتصادي العالمي فإن الأمر يبدو لي شديد الصعوبة". وتقول "ومن ثم فإن واشنطن إذا رغبت فعلا في رفع العقوبات عن إيران بعد ستة أشهر فأنا أعتبر ذلك بمثابة "مؤامرة " لخفض أسعار النفط عالميا مستقبلا".
ورغم هذا فإن التفاؤل حول المستقبل كان واضح المعالم في تصريحات العديد من وزراء النفط المشاركين في الاجتماع ومن بينهم وزير النفط القطري الدكتور محمد بن صالح الذي صرح لـ"الاقتصادية" اختلافات وجهات النظر تكون صحية، وكل دولة لها وجهة نظر لكن في حقيقة الأمر الجميع يسعى لتحقيق صالح المنظمة، واستقرار سوق الطاقة في العالم سينعكس على استقرار الاقتصاد عالميا، وهذه الأساسيات موجودة اليوم وسائدة في السوق، وهناك علامات بارزة وواضحة أن العالم يدخل في مرحلة جديدة فيها الكثير من التفاؤل الاقتصادي بعد المرحلة التي مر بها خاصة في أوروبا". وأضاف "نعتقد أن زيادة الطلب ستعتمد في جزء كبير منها على سرعة التعافي الاقتصادي، وهناك علامات لهذا التعافي، والتوقعات بشأن إنتاج "أوبك" ستعتمد على سرعة أو بطء الإنتاج العالمي ". ويعلق الباحث الاقتصادي رفائيل اليخندر والمرافق لوفد دولة الإكوادور المشارك في الاجتماع على أجواء التفاؤل لدى الوزراء المشاركين خاصة العرب، قائلا "الاجتماع استعرض التوقعات الخاصة بعام 2014، وهي تشير بوضوح إلى زيادة الطلب العالمي خلال العام المقبل، لكن أغلب هذه الزيادة ستذهب لصالح البلدان المنتجة للنفط من خارج "أوبك"، ومع هذا فإن قرار المنظمة بالحفاظ على سقف إنتاج 30 مليون برميل يوميا قرار حكيم، فأكثر من ذلك سيؤدي إلى إغراق السوق الدولية، فأوروبا لا تزال تعاني مشكلة الديون، والبلدان الرأسمالية عالية التطور تعاني ارتفاع معدلات البطالة خاصة في منطقة اليورو، وعلى الرغم من أن معدلات النمو تتحسن إلا أنها لا تزال منخفضة وسط مخاوف من ارتفاع التضخم في الاقتصاديات الناشئة". ويضيف "ربما الوضع الاقتصادي العام يتحسن، ولكن هناك حالة من عدم التأكد، ولهذا فإن تجاوز سقف 30 مليون برميل سيؤدي إلى ضخ فوائض بترولية كبيرة تعجز الأسواق عن استيعابها" ولربما كانت هذه المخاوف هي الداعي لأن يطلب الوزراء الحضور في الاجتماع من الأمين العام مراقبة الوضع عن كثب، سواء تعلق الأمر بالعرض أو الطلب استعدادا للاجتماع المقبل في 11 حزيران (يونيو) 2014.