معجزة إلغاء الطيار
هل سبق أن رأيت طردا يطير فيغنيك عن صناديق البريد ومكاتب التوصيل، أو علبة دواء تحلق في الفضاء لتصل إلى المريض المطلوب، أو صحفاً طائرة تحمل لك معلومة من أماكن لم تكن تخطر لك على بال، بعد أن كان الطيران في حد ذاته مستحيلا، وفقد الكثيرون عبر الزمن أرواحهم في محاولات طيران بائسة.
اليوم تظهر لنا في الأجواء طائرات صغيرة بلا طيار، فتحت آفاقا واسعة لتجريبها في أغلب المجالات رغم التخوف الكبير من خطرها الأمني، إنها نوع مطور من أنواع الطيران المروحي، الذي بدأ في الصين منذ عام 400 ميلادي، حيث كان الأطفال الصينيون يصنعون طائرات من الخيزران وخشب السدر، وانتقلت رسوم تلك الطائرات إلى أوروبا بعد ترجمة كتاب ''باو فو تاو'' الصيني، ورسمها ليوناردو دافنشي وصنع العديد منها، ولكنه لم يستطع إيقاف دورانها، أما الآن فقد تخطينا المستحيل بمراحل!
لقد وجدوا فيها حلا لما يحدث لملايين البشر حينما يُعزلون عن العالم تماما، بسبب بعض التغيرات المناخية الموسمية. إن سُبع سكان الأرض تتقطع بهم السبل أثناء الكوارث الطبيعية من عواصف وزلازل وبراكين وحرائق، يستحيل معها الوصول إليهم وتزويدهم بما يحتاجون إليه من دواء وغذاء.
ففي إفريقيا مثلا 85 في المائة من طرقهم لا يمكن استخدامها في موسم الأمطار، وفي أمريكا وحدها نحو مليون ميل من الطرق تُشل حركتها تماما بسبب العواصف والأعاصير والثلوج، وتحتاج إلى وقت طويل وملايين الدولارات لإصلاحها.
لذا اتجه تفكير العلماء لحل بسيط وبأقل التكاليف لإيصال المساعدات وتخطي هذه الطرق بما يشبه عمل الاتصالات اللاسلكية التي تغطي العالم بأسره، باستخدام أداة صغيرة ''طائرة مروحية صغيرة بلا طيار'' تشبه ألعاب الأطفال، قادرة على حمل من 2 إلى عشرة كيلو جرامات والسفر لمسافة عشرة كيلو مترات، وتتخطى هذه المسافة بكثير بواسطة عمل شبكة عنكبوتية للنقل أطلق عليها ''ماتر نت'' أو matternet وتشتمل هذه العملية على ثلاثة أشياء غاية في الأهمية: 1ـ وسيلة نقل إلكترونية ''الطائرة الصغيرة''، 2 ـ محطات أرضية للإقلاع والهبوط والشحن. الطائرة مزودة ببطارية تبدلها أوتوماتيكيا في محطات الهبوط والإقلاع، 3 ـ أجهزة تحكم لتوجيه حركتها.
ولن يقف في وجهها أي شيء، فهي قادرة على العمل في أحلك الظروف من حر وبرد وأمطار وأعاصير، ولا يقتصر عملها على ذلك، بل وجدوا فيها حلا للنقل في المدن المزدحمة، تخيل وجود مريض يحتاج إلى زراعة عضو يجب جلبه في وقت محدد من مستشفى في المدينة نفسها، والطرق تعاني اختناقات مرورية!
كما تستخدم في نقل البضائع والطرود البريدية، وذلك أصبح واقعا ملموسا، بعد أن طبقته كبرى شركات البيع عن طرق النت ''أمازون'' في إيصال بضائعها مباشرة لزبائنها مع مطلع عام 2013، والمدهش استخدامها في الصحافة لجمع المعلومات وتصوير المواقع خصوصا في وقت الحروب والمجازر، دون تعريض المراسلين للخطر، لذلك أنشئ ما يسمى ''معمل صحافة الطائرات دون طيار''، الذي تم تأسيسه في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 على يد ''مات وايت''، أستاذ الصحافة والاتصالات الجماهيرية في جامعة نبراسكا ـــ لينكولن، وبرنامج صحافة الطائرات دون طيار في جامعة ميسوري، يتم فيه استكشاف كيفية استخدام هذه الطائرات في المراسلة الإخبارية، ودراسة أخلاقيات وقانونية ومدى عملية استخدام الطائرات دون طيار في الصحافة ومناقشته عبر النت!
وأسس لها الصحافي ماثيو شروير الجمعية الاحترافية لصحافيي الطائرات دون طيار PSDJ.
الأمل في إنشاء شبكات نقل من هذا النوع تغطي العالم بأكمله لتسهم في إنقاذ حياة الكثيرين، وإعادة ربط الأجزاء المقطوعة من العالم.