بريطانيا تفرض ضريبة على المستثمرين العقاريين الأجانب في 2015

بريطانيا تفرض ضريبة على المستثمرين العقاريين الأجانب في 2015

لا يزال سوق العقارات والمعنيين بالشأن الضريبي في بريطانيا يتجادلون حول تداعيات قرار جورج أوزبورن وزير المالية البريطاني بفرض مزيد من الضرائب العقارية، التى كان آخرها فرض ضريبة أرباح رأسمالية على الملاك الأجانب، الذين يبيعون وحدات عقارية لا تعد سكنا رئيسيا لهم بدءا من نيسان (أبريل) 2015.
ويعد تحقيق العدالة الضريبية منطلق أوزبورن في فرض هذه الضريبة الجديدة، حيث اعتبر أنه أمر غير عادل أن يفرض ضريبة أرباح رأسمالية على سكان بريطانيا عندما يبيعون منازلهم التي تعد سكنا رئيسياً لهم، ولا تفرض ضريبة مماثلة على الأجانب الذين لا يقيمون في المملكة المتحدة.
وتقدر الضريبة الراهنة بنحو 28 في المائة من الأرباح المحققة عند البيع، وإذ يعتقد خبراء الضرائب في بريطانيا أن القرار قد يحقق رضى على المستوى الشعبي، لكنهم يعبرون عن مخاوفهم بشأن عدد من النقاط المتعلقة بالقدرة على تنفيذه، وما قد ينجم عنه من تزايد محاولات التهرب الضريبي.
ويعلق بارني هارن الرئيس السابق لقسم مكافحة التهرب الضريبي في وزارة المالية البريطانية على القرار بالقول "أخشى أن يشجع القرار البعض على التهرب الضريبي، فعلى سبيل المثال إذا كنت مستثمرا أجنبيا، واشتريت منزلا في بريطانيا بقيمة ثلاثة ملايين جنيه استرليني وقررت بيعه بمبلغ 3.5 مليون جنيه استرليني، أي أن معدل الربح الرأسمالي المحقق من عملية البيع يبلغ 500 ألف جنيه استرليني، فإن الضرائب التي يطالب بها أزبورن ستقدر بنحو 140 ألفا استرلينيا.
وأضاف، لهذا قد يتحايل البائع بأن يطلب من المشتري أن يدفع له مبلغ 450 ألفا استرلينيا نقدا دون أن تسجل في قيمة البيت، ويسجل سعر البيع بثلاثة ملايين جنيه استرليني فقط، وهنا لن تفرض ضرائب على المنزل، لأنه بيع بسعره الأصلي، ولم يحقق أرباحا، وبهذا فالمستفيد هو البائع الذي لم يدفع ضرائب، والمشتري الذي وفر 50 ألفا استرلينيا، والخاسر هو الدولة.
ولذلك يعتقد بارني هارن أن قرار أوزبورن يجب أن يرفق بمجموعة أخرى من القواعد المنظمة لعملية البيع، أي مزيدا من الشفافية، لكن المشكلة أن هذا يضع العديد من القيود البيروقراطية لتنظيم عمليات البيع والشراء.
إلا أن التحذير من مخاطر أن تؤدي الضرائب الجديدة لمزيد من التهرب الضريبي، لم تمنع البعض من مواصلة دفاعه عن قرار وزير المالية البريطاني، إذ يؤكد هاورد سنوز الخبير الاقتصادي وعضو حزب المحافظين الحاكم أن المملكة المتحدة كانت في حاجة لهذا القانون لتحقيق العدالة الاجتماعية وتفادي تحقيق البعض ثروات دون وجه حق.
وأضاف أن الذي دفع الحكومة لاتخاذ هذا القرار هو أن الفقاعة العقارية الراهنة يعود جزء كبير منها لقيام الأجانب بشراء أكثر من منزل واحد في بريطانيا، وللأسف مشترياتهم تتركز في لندن، ما أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات في العاصمة بنحو 10 في المائة هذا العام، والأثرياء العرب والروس والصينون يشترون بكثافة منازل في لندن ويستخدمونها للإقامة بضعة أسابيع أو شهور محدودة طوال العام، ولا يقومون بتأجيرها.
وأشار هاورد سنوز إلى أن هذا يخلق ضغطا ومشاكل على الدولة في قضية توفير سكن للمواطنين، كما أن هذه الضريبة معمول بها في نيويورك وباريس، بل ومعدلها أعلى من بريطانيا، إذ يتراوح بين 50-35 في المائة، وفقا لوضع إقامة صاحب العقار.
وجهة النظر تلك وفكرة فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية لبيع العقارات لم تجد أصداء مرحبة في أسواق العقارات البريطانية، بل على العكس تماما فمعظم من استطلعت "الاقتصادية" آراءهم حول الموضوع أعربوا عن معارضتهم له معربين عن تخوفهم من انعكاساته السلبية على أسواق العقارات، خاصة العقارات الفاخرة، التي تمثل مصدر جذب رئيسيا لكبار المستثمرين والأثرياء في العالم.
وكانت شركة "سافيل" للعقارات قد أشارت في دراسة لها إلى أن 70 في المائة من الوحدات السكانية الجديدة في لندن يتم شراؤها من قبل الأجانب، وأنهم أنفقوا أكثر من سبعة مليارات جنيه استرليني العام الماضي على شراء عقارات في لندن.
وصرحت جينت سيبريتس رئيسة قسم الأبحاث السكنية في مؤسسة "سي بي آر أي" لخبراء العقار لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" قائلة إن طرح هذه الضريبة يبعث إشارات خاطئة للمستثمرين الأجانب، ويثبط الاستثمار في مجال العقارات في المملكة المتحدة.
ولا تختلف وجهة نظر داني آشون من شركة أندرو ريف للعقارات عن وجهة النظر السابقة، لكنه يبرز جانبا آخر من الاعتراضات ويصرح لـ "الاقتصادية"، أن الحكومة تلقي بالمسؤولية على الأجانب في الفقاعة العقارية، التي توجد في لندن حاليا، وتعرب دائما عن مخاوفها أن يتكرر سيناريو عام 2007 عندما ارتفعت الأسعار بشدة قبل انفجار الأزمة الاقتصادية عام 2008، وتنسى الحكومة أن بلدان منطقة اليورو تعاني أزمة حادة، ولاحظنا أن العديد من الأثرياء في منطقة اليورو يشترون عقارات في لندن، خاصة المليونيرات من اليونان، تحسبا لمزيد من الانهيار الاقتصادي.
وأضاف أن العرب والروس والصينيين يستثمرون في العقارات في لندن، وهذا يمثل دخلا ضخما لبريطانيا، وهذه الضريبة ستجعل الجميع يفر، وعلينا أن نتذكر دائما لسنا بمفردنا في السوق، فباريس تنافسنا وروما أيضا، كما أن هناك مراكز أخرى تظهر في العالم لجذب المستثمرين الأجانب للإقامة فيها على سبيل المثال دبي.
ويعرب بعض الخبراء في المجال العقاري في بريطانيا عن شكوكهم في أن يكون لهذه الضريبة تأثير حقيقي على سوق العقارات أو أن تساهم في حل المشكلة العقارية في لندن، ويوضح نيك توبلر الخبير الاقتصادي، أن المشكلة الراهنة في سوق العقارات هي انخفاض المعروض في مواجهة الطلب، وما يتحدث عنه مناصرو الحكومة والضريبة الجديدة من أن الأجانب جزء من الفقاعة العقارية الراهنة، ويتجاهل حقيقية أن من يكون له منزل في بريطانيا ويقيم في دولة أخرى ينتمي بطبيعة الحال إلى طبقة الأشخاص الأثرياء، وهؤلاء مهما كان عددهم فهم بضعة آلاف في أفضل تقدير، ومشكلة لندن لا تكمن في نقص بضعة آلاف من الوحدات العقارية، إنها أكبر من ذلك بكثير.
وأشار إدورد كلارك الخبير العقاري في شركة سافيل لـ "الاقتصادية" إلى أن قرار وزير المالية البريطاني قد يدفع كثيرا من الأثرياء لبيع وحداتهم العقارية في بريطانيا قبل أبريل 2015 لضمان عدم دفع ضريبة الأرباح الرأسمالية، وهذا قد يؤدي إلى انخفاض في أسعار الوحدات السكنية باهظة الثمن في بريطانيا خلال الفترة المقبلة، ولكن إذا قرر البعض عدم البيع الآن فكل ما عليه فعله أن يقوم وقبل البدء في تطبيق الضريبة أي قبل نيسان (أبريل) 2015 بتقييم مسكنه ومعرفة سعره في السوق في ذلك الوقت، بحيث إذا رغب في بيعه مستقبلا أن يتمكن من إثبات قيمته الحقيقية قبل موعد بدء تطبيق الضريبة.
ومع هذا، فإن بعض العاملين في مجال العقارات يعتقدون أن التأثيرات السلبية لهذه الضريبة لربما تظهر في الأجل القصير والمتوسط، ولكن على الأمد الطويل، فإن تأثيرها سيتضاءل في ظل عوامل الجذب الكامنة في لندن باعتبارها من أكثر المدن جذبا للأثرياء في العالم.

الأكثر قراءة