تعقيد الإجراءات الحكومية العائق الأول أمام المشاريع الناشئة
يشكو عدد من رواد الأعمال في جدة والرياض إهمال الجهات الحكومية مشاريعهم من ناحية التمويل وتسهيل الإجراءات، وعدم تقديم الاستشارات لهم، وطالبوا بالإسراع في إنشاء نافذة حكومية موحدة تضم الجهات الحكومية والأهلية كافة ذات العلاقة بأعمالهم في مكانٍ واحد لضمان عدم خروج تلك المنشآت من السوق، كما طالبوا بإنشاء هيئة أو جمعية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لتسهيل أعمالهم.
وتشير دراسات اقتصادية إلى أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة قادرة على توفير مليوني وظيفة سنوياً بشرط ضمان استمراريتها وتوفير البيئة المناسبة لتلك المنشآت.
وأرجع بعض شباب أعمال فشل مشاريعهم إلى تعقيدات الجهات الحكومية مثل البلديات، وغياب التمويل، وعدم معرفة بعض الموظفين الحكوميين بالأنظمة، وعدم توضيحها للمبادرين من شباب وشابات الأعمال منذ بداية المشروع.
وقال حازم المطيري الذي كان ينوي فتح "كشك" مخصص لبيع الحلويات والعصائر على كورنيش جدة، بدلاً من بيعها على سطح سيارة "وانيت" قديمة، "إن الاشتراطات وكمية التراخيص التي طلبتها أمانة جدة جعلته يستبعد فتح هذا المشروع، حيث اشترطت إحضار تراخيص من هيئة الغذاء والدواء وجهات أخرى ليست لها علاقة بالأمر".
وأضاف المطيري: "أنا أولى من العمالة الوافدة والعاملات المخالفات اللاتي يفترشن الكورنيش بشكل غير لائق ويكسبون مئات الريالات يومياً، فيما لم أجد وظيفة بمؤهلي الثانوي وعدم إجادتي استخدام برامج الحاسب الآلي أو أي لغة باستثناء اللغة العربية".
وتحدثت نادين القحطاني عن محاولتها فتح صالون نسائي خاص بها في الرياض، حيث قالت كانت لوحة المحل التي استصدرت ترخيصاً لفتحه قبل عدة أشهر باللغة الإنجليزية، وبعد وضع اللوحة بشهرين قامت الأمانة بتغريمها بسبب اللغة المستخدمة على الرغم من أن موظفي الأمانة هم من رخص لها من قبل، فقامت بتغيير الاسم لاسم عربي، بعد أن أعادت الإجراءات كافة التي انتهت منها قبل أشهر، وبعد تركيب اللوحة الجديدة غرمتها البلدية مرة أخرى بسبب حجم اللوحة، فما كان منها إلا الدفع للتغاضي عن تغيير اللوحة.
واعتبر زياد البسام عضو مجلس إدارة غرفة جدة أن العائق الأول أمام قيام المشاريع الصغير هي صعوبة الإجراءات الحكومية، ويأتي غياب التمويل كعامل ثاني للتعثر، فيما يأتي غياب الدراسات التي تسبق المشروع كعامل ثالث، ويأتي عدم وجود جهات راعية وداعمة لتقديم الاستشارات المختلفة في المرتبة الرابعة من المعوقات، وعدم الفصل بين الذمة المالية الخاصة بالمشروع عن الذمة المالية الخاصة بصاحب العمل، تعتبر العنصر الخامس.
وأضاف البسام: " وجود بيئة مناسبة وداعمة للمشروع" من أهم العوامل لقيام المشاريع الناشئة، وذلك عن طريق توفير بيئة راعية لهم تسهم في تذليل العقبات والتحديات كافة التي تواجه شباب الأعمال، وتوفر نظاما خاصا للمشاريع الصغيرة، إضافة إلى وجود حاضنات أعمال ومركز خدمة موحد يضم الأجهزة الحكومية كافة، وتوافر أنواع التمويل المختلف كافة، وغيرها من أنواع الدعم".
وروى البسام قصة إنشاء مركز الاستقبال الموحد للشركات لضم جميع الجهات الذي مُني بالفشل في جدة، وذلك بسبب عدم مواءمة تلك الجهات مع بعضها البعض، إذ اعتذرت غالبية الجهات مثل وزارة الإعلام وكتابة العدل، ووزارة التجارة ومؤسسة النقد عن إيفاد مندوب لها في هذا المركز بحجة قرب الدوائر الحكومية من بعضها، وعدم الحاجة لذلك، إذ إن خروج الأختام الرسمية من تلك الجهات قد يعرضها للضياع، وهو ما يتطلب حضور صاحب السجل بنفسه لفرع الوزارة أو الجهة الحكومية.
وأضاف البسام أن صندوق النقد الدولي ذكر في أحد تقاريره أن استخراج سجل تجاري في السعودية يتطلب كحد أدنى 19 يوما، وفي دول متقدمة لا يتجاوز إصدار التراخيص يوم واحد فقط، فعلي سبيل المثال "في الفلبين .. فتح حساب مصرفي للمؤسسة يعد إشهار لها"، أما في السعودية فيتطلب إنشاء مؤسسة تجارية إصدار سجل تجاري من وزارة التجارة، وقد يتطلب أياما، ثم فتح حساب مصرفي، ثم التوجه لكتابة عدل لتوثيق ذلك الحساب، ثم التوجه لوزارة الإعلام للإعلان عن هذه المنشأة في صحيفة "أم القرى".
وزاد قائلاً: "إصدار رخص البلدية للمحل يتطلب إصدار ترخيص مبدئي من إدارة الدفاع المدني، وإدارة الدفاع المدني لا تصدر أي ترخيص قبل أن يبدأ المحل بالعمل الفعلي وأن يكون حاصلاً على رخص بالديكورات وخلافه من البلدية، والبلدية لا تمنح هذا الترخيص دون الحصول على ترخيص الدفاع المدني".
وهاجم البسام سياسات العمل التي لا تدرك إلى الآن أن سوق العمل لا يستوعب خريجي الثانويات كافة، وهو ما يستلزم تسهيل قيام المشاريع الصغيرة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الخريجين في هذه المشاريع، مشيراً إلى أن برنامج نطاقات أسهم في توظيف 868 ألف شاب وفتاة في عام إلا أن السوق لا يستطيع أن يستوعب هذا العدد مجدداً.
من جهته، ذكر الدكتور محمد درديري رئيس لجنة مكاتب الاستشارات الاقتصادية في غرفة جدة أن من أهم معوقات أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة هو غياب الاهتمام بها، وإهمال الوزارات لها، في حين أنها تمثل 85 في المائة من القطاع الخاص السعودي، وتوفر 70 في المائة من الوظائف في الدول المتقدمة، وإهمال تلك المشاريع سيؤدي إلى نتائج اقتصادية وخيمة، إذ إن 70 في المائة من الدخل القومي في أستراليا من المنشآت الصغيرة.
وتابع: "في السعودية يوجد مليون و760 ألف منشأة صغيرة ومتوسطة، أغلبيتها يعمل فيها من أربعة إلى ستة أشخاص، وبحسبة بسيطة فإن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تستطيع توفير أكثر من مليوني وظيفة سنوياً، على أقل تقدير، إذا ما ضمنا نجاحها وتوسعتها سنوياً".
وطالب درديري بدعم تلك المنشآت من قبل الوزارات صاحبة المشاريع الكبرى مثل وزارة النقل والإسكان وغيرها، وذلك بتقسيم المشاريع الكبرى إلى أجزاء صغيرة ليتسنى لتلك المؤسسات الصغيرة للدخول في المناقصات الحكومية، وعدم احتكار المنشآت الكبيرة والضخمة لها، إذ إن استمرارية العمل لتلك المنشآت يحميها من الإغلاق، خصوصاً أن أغلبيتها منشآت مهنية وحرفية.
إلى ذلك خلصت دراسة "دور المنشآت الصغيرة في التنمية الاقتصادية"، التي ناقشها منتدى الرياض الاقتصادي في دورته السادسة الأسبوع الماضي، إلى أن نسبة استخدام المنشآت الصغيرة والمتوسطة لصناديق التمويل الحكومية والخاصة التي تدعم تلك المنشآت لم تزد على 4 في المائة، وأن 98 في المائة من تلك المنشآت لم تحصل على قروض، و99.3 في المائة منها لم تحصل على تمويل صناديق خاصة.
كما أشارت الدراسة إلى أن نحو 49 في المائة من المنشآت لا تستخدم التقنية، وأن 19.9 في المائة فقط من المنشآت قامت بعمل دراسة جدوى قبل بداية النشاط.