1300 تريليون قدم مكعبة من الغاز الصخري في شمال إنجلترا
من المنتظر أن تصبح "توتال" الفرنسية، أول شركة نفط عالمية كبرى تستثمر في صناعة الغاز الصخري الوليدة في بريطانيا، لتعزز صورة تلك الصناعة في بلد يتيح واحدة من أقوى الفرص الواعدة في أوروبا، لتطوير النفط والغاز غير التقليديين.
وقالت أمس مصادر مطلعة لوكالة رويترز: إن "توتال" تعتزم إنفاق 30 مليون جنيه استرليني (50 مليون دولار)، للحفر بحثا عن الغاز الصخري في لنكولنشاير وسط بريطانيا.
ولم يؤكد متحدث باسم "توتال" أي تفاصيل، لكنه قال إن إعلانا سيصدر اليوم.
ويُعد هذا الاستثمار ضئيلا مقارنة بالاستثمارات في صناعة النفط، وهو أيضا صغير في ضوء عشرات مليارات الدولارات التي تنفقها "توتال" سنويا.
وهذه الخطوة رغم صغرها، فإنها شديدة الأهمية للحكومة البريطانية؛ لأن "توتال" هي أول شركة نفط دولية تلقي بثقلها وراء صناعة الغاز الصخري الناشئ في بريطانيا، ولا شك أن هذا سيعطي إشارة لشركات النفط الأخرى لتتكالب على السوق البريطانية.
وتظهر الدراسات الجيولوجية أن بريطانيا لديها احتياطيات كبيرة من الغاز الصخري، وهو ما قد يخفض اعتمادها على واردات الطاقة، لكن إجراء مزيد من الحفر أمر ضروري للتأكد من أن المكامن اقتصادية.
وبجانب مجموعة صغيرة من الدول الأخرى، بينها بولندا، فإن بريطانيا تعتبر بالون اختبار لآفاق تطوير النفط والغاز غير التقليديين في غرب أوروبا.
وقال لـ "الاقتصادية" ديفيد ألن المختص في شؤون الطاقة: إن تقديرات مختصي الجيولوجيا، تشير إلى وجود نحو 1300 تريليون قدم مكعبة من الغاز الصخري في شمال إنجلترا فقط.
وأضاف أن بريطانيا تستهدف نحو ثلاثة تريليونات قدم مُكعّب من الغاز سنويا، "ومن ثم إذا استخرجنا فقط نحو 10 في المائة مما هو متاح لدينا، فإننا نستطيع تغطية الاستهلاك المحلي من الغاز لمدة نصف قرن على الأقل".
ويتوقع مختصون أن تقوم الحكومة البريطانية، قريباً، بتقديم حزمة محفزات، لتشجيع السلطات المحلية على السماح بالتنقيب عن الغاز الصخري، وستمنح هذه الحزمة تلك السلطات حق الاحتفاظ بنسبة كبيرة من العوائد المالية، مقابل منح حقوق التنقيب، بدلا من توجيه الأموال إلى الخزانة البريطانية، كما هو الحال في الوضع الراهن.
وستمنح الحكومة للسلطات المحلية 100 ألف جنيه استرليني عن كل بئر يتم التنقيب عنها، وسنتا واحدا عن كل سهم في حالة إنتاج البئر للغاز الصخري.
وشجع تقرير صادر من قسم الطاقة والتغيرات المناخية في الحكومة البريطانية، على تسريع جهودها لمزيد من التنقيب عن الغاز الصخري، بعد أن ذكر أن أكثر من نصف أراضي بريطانيا يمكن التنقيب فيه عن الغاز الصخري.
ويعتقد المعنيون بشؤون الطاقة في المملكة المتحدة، أن تزايد الاعتماد الأمريكي على الغاز والنفط الصخريين أخيرا، شجع أيضا لندن على المضي قدما في هذا الاتجاه، رغم الاعتراضات الشديدة التي تواجهها من المنظمات المدافعة عن البيئة.
ويشير البعض إلى أن الشركات الدولية الكبرى انتظرت نحو خمس سنوات قبل الدخول إلى السوق الأمريكية. أما بالنسبة لبريطانيا، فإنه على الرغم من أن التنقيب عن الغاز الصخري فيها لا يزال صناعة ناشئة، لكنها أفلحت الآن في جذب واحدة من كبرى الشركات الدولية.
وعلى الرغم من اعتقاد الكثيرين بأن الحكومة البريطانية ليس أمامها بديل آخر سوى المضي قدما في التنقيب عن الغاز الصخري في أراضيها؛ إلا أن الجمعيات والمنظمات المدافعة عن البيئة تعمل على تقييد وعرقلة الجهود الحكومية في هذا المجال.
وسبب هذا أن إنتاج الغاز الصخري يتطلب ضخ خليط من الرمال والمياه والمواد الكيماوية إلى باطن الأرض، لاستخراج الغاز من الصخور، وهي عملية لها العديد من التداعيات السلبية على البيئة.
وقالت لـ "الاقتصادية" نائب رئيس منظمة السلام الأخضر، ألين براين: "الحكومة البريطانية تسعى إلى تشويه صورتنا أمام الرأي العام. نحن نعلم حاجة المجتمع إلى تأمين مصادر الطاقة، وعدم إمكانية استمرار الاعتماد على الخارج في هذا المجال الحيوي". واستدركت بالقول: "نحن نعارض بشدة الطرق الراهنة لاستخراج الغاز الصخري؛ لأن الأبحاث كشفت أنها تؤدي إلى هزات أرضية، وتلوث في مياه الشرب، ومخاطر بيئية أخرى".
وقالت: "نحن نطالب بمزيد من الاستثمارات في المجال التكنولوجي، والبحث عن وسائل أقل خطرا وأكثر سلامة، لاستخراج الغاز الصخري".
وبين الانتقادات الموجهة للحكومة البريطانية، بشأن التنقيب وإنتاج الغاز الصخري؛ أنها لم تحصل على "تفويض شعبي" بهذا الشأن، رغم تخطيطها للسماح للشركات بالتنقيب في نحو ثلثي مساحة المملكة المتحدة.
كما يشكك البعض في نوايا شركة "توتال" الفرنسية، بدعوى أن أسباب استثمارها في بريطانيا يعود إلى تبنّي السلطات الفرنسية مواقف رافضة للتنقيب عن النفط والغاز الصخريين في أراضيها، نظرا للمعارضة الشعبية الراهنة.
ورغم هذه الاعتراضات، فإن مجموعات الأعمال البريطانية رحبت بالخطوة الأخيرة، واعتبرت أن الغاز الصخري قد يُمثِّل لبريطانيا ما مثله نفط بحر الشمال في الثمانينيات من القرن الماضي.