شركات عالمية تقدم تجارب ناجحة في تطبيق الحوكمة

شركات عالمية تقدم تجارب ناجحة 
في تطبيق الحوكمة

قد تمثّل الأزمات الاقتصادية التي عاشتها العديد من الدول والشركات أحد أبرز العوامل التي ساهمت في تسليط الضوء على مسألة الإدارة الجيدة، والدور الذي تلعبه لتحقيق النمو المتوازن في القطاعات المختلفة، في أي بلد كان.
ورغم تجاهل أهمية تطبيق مؤشر الحوكمة لدى كثير من الشركات، لكن الجميع يتفق على أن الحوكمة تشكل أساساً للتنمية الاقتصادية، وعزز هذا وجود تجارب عالمية ناجحة في تطبيق مؤشر الحوكمة، في دول وشركات مختلفة.

الطوعية مفتاح النجاح
في مجال الامتثال لمتطلبات الحوكمة، توجد الشركات النمساوية، على سبيل المثال، في المراتب الأولى على الصعيد الدولي.
ففي النمسا، هناك قبول واسع لقانون حوكمة الشركات، يمثل ذلك علامة مهمة على المسؤولية المتميزة من المديرين النمساويين، وبكل تأكيد يعتبر الالتزام والشفافية جزءاً من ثقافة الشركات الحديثة في النمسا، وتعتبر الطوعية مفتاح النجاح.
ورغم وجود عدد قليل من الشركات النمساوية لا تطبق الحوكمة الجيدة للشركات والشفافية العالية، بنسبة 100 في المائة، إلا أن العظمى تقف وراء أحكام قانون حوكمة الشركات.
وتُظهر إحدى الدراسات أن ثلاث من أصل أربع شركات مدرجة في البورصة النمساوية، طبقت في عام 2011م قانون حوكمة الشركات في النمسا.
وتتميز حوكمة الشركات في ألمانيا، أيضاً، بعدة مزايا فريدة، فمن أهم الشروط المطلوبة بموجب قانون المؤسسة المالية الألمانية، هو أن يتم تقسيم مجلس الإدارة إلى مستويين: مجلس إدارة مسؤول وحده عن إدارة الشركة، وهيئة رقابة تهتم بالإشراف على نشاط مجلس الإدارة.
وتعتبر مجالس الإدارة الألمانية فريدة من نوعها أيضاً، فتحت "قانون تحديد المشارك" الألماني، يتم انتخاب أعضاء مجلس الإشراف للشركات الكبيرة (500 موظف) من قبل المساهمين وموظفي الشركة، إذ ينتخب الموظفون ثلث أو نصف المجلس (اعتماداً على حجم الشركة). ولا يقوم المساهمون، ولا حتى الموظفون، بانتخاب أعضاء مجلس الإدارة، وبدلاً من هذا، يتم تعيين هؤلاء الأعضاء من قبل المجلس الإشرافي.
ويعتمد قانون حوكمة الشركات الألماني على مبدأ "استجب أو أوضح"، وهو يهدف إلى جعل نظام حوكمة الشركات الألمانية أكثر شفافية ومفهومة.

الاستقلالية والاستقامة والسمعة الحسنة
في مناطق مختلفة من العالم، هناك شركات ومؤسسات رائدة لديها تجارب ناجحة في تطبيق مؤشر الحوكمة والالتزام به. فمثلا، يمارس مصرف "جي بي مورغان" سياسة الحوكمة من خلال مجلس إدارة متنوع الأعضاء، ومستقل بالكامل، ومؤهل ليقوم بمهامه كجهاز حاكم باسم المساهمين.
ويحمل البنك هذا التقليد منذ 200 عام، ويدعم عمل المجلس مجموعة من القواعد التي تعكس معايير سوق أسهم مدينة نيويورك، حيث تعتبر الاستقلالية أهم وأول تلك القواعد.
ويتم انتخاب المجلس من رؤساء تنفيذيين مستقلين عن الإدارة، وهو بدوره يقوم بالإشراف على العمليات الداخلية وتقييمها، وإدارة المخاطر، ومراقبة التقارير المالية، ومدى توافق العمليات مع القوانين المرعية وميثاق السلوك الخاص بالمؤسسة.
كما يحدد المجلس الأسس التي يبنى عليها نظام المكافآت والتعويضات، وتعويض الرئيس التنفيذي، وسياسة تعاقب الموظفين والتنوع، ومراجعة الأهداف الاستراتيجية والمالية للشركة، ونشاطاتها الاجتماعية، وتسمية رؤساء لها، وتقييم بنية وممارسات المجلس.
ويتضمن ميثاق السلوك في البنك مجموعة قواعد وسياسات، تهدف إلى مساعدة الموظفين والمديرين في عمليات صنع القرارات وسلوكهم، فيما يختص بعمل الشركة.
وتعتبر الشركة أن أهم مقومات الميثاق هي الاستقامة والسمعة الحسنة، اللتان لا يجب التفريط بهما تحت أي ظرف، حتى لو كان ذلك يخدم مصالح الشركة.
أما ميثاق الأخلاق فيهدف إلى ضبط الممارسات الداخلية، وتعزيز مبادئ الصدق والاستقامة، خاصة فيما يتعلق بالالتزام بالقوانين في صيانة الملفات والبيانات المالية للشركة. أما فيما يتعلق بالنشاطات السياسية، فإن البنك يعتبر أن تأثير السياسة العامة في الشركة وأعمالها وموظفيها، يُحتِّم عليها الانخراط في العملية السياسية، لحماية مصالح في المدى الطويل.

بين الأداء والشفافية
في عام 2012م، كانت شركة "مايكروسوفت" بين مجموعة شركات دخلت مؤشر "داو جونز" للاستدامة، تنويهاً بجهودها في تطبيق معايير اقتصادية تتطابق مع المعايير البيئية والاجتماعية. ويأخذ المؤشر بعين الاعتبار أداء الشركة ومستوى الشفافية المتبع فيها.
كما حلت الشركة ضمن المراتب المتقدمة في مؤشر الريادة، في الإفصاح الخاص بمشروع الإفصاح عن الكربون، حيث سجلت 99 من أصل 100 من حيث نسبة الإفصاح، علماً أن الشركتين الوحيدتين اللتين سجلتا نسبة 100 من أصل 100 هما "نستله" و"باير".

التوافق مع القانون
تقول "مايكروسوفت"، إنها تدير أعمالها بالتوافق مع القوانين التي تحكم مجال عملها، حيث تتضمن سياسات الشركة خطوات لمنع أي ممارسات لا تتوافق مع القوانين المرعية، والكشف والتبليغ عنها لعدة جهات، تتضمن إدارة "مايكروسوفت"، وقسم الموارد البشرية، والقسم القانوني، ورئيس الامتثال، ووحدة سلوك الأعمال.

الضغط والنشاطات السياسية
وتحتفظ مايكروسوفت بحقها في استخدام وسائل الضغط في القضايا التي تؤثر في عمليات الشركة، وهي تمارس نشاطات الضغط تلك بما يتوافق مع القوانين المرعية.
كما تشجع موظفيها على ممارسة حقوقهم، إلا أن أي نشاطات سياسية للموظفين يجب ألا تتم أثناء دوام عملهم، وإنما في أوقات فراغهم، وباستخدام وسائلهم الخاصة وليس وسائل تابعة للشركة.
وتصف الشركة نفسها بأنها "صادقة وواضحة" في كل ما تناقشه أثناء اجتماعاتها مع الوكالات التشريعية والمسؤولين الحكوميين، ويتم الإجابة وفتح أي من ملفاتها بكل وضوح أمام المسؤولين من قبل أعضاء قسم العلاقات القانونية والمؤسساتية.

حوكمة تبني الثقة
ومن الشركات الأخرى، هناك "كوكا كولا" التي تلتزم بسياسة حوكمة، تصب في صميم مصلحة المساهمين، وتعزز الثقة بمجلس إدارتها، وتدعم بناء ثقة المستهلكين بالشركة، حيث يتم انتخاب مجلس الإدارة من قبل المساهمين، ليقوم برعاية مصالحهم، ويضمن نجاح أعمال الشركة، ويدعم وضعها المالي في المدى البعيد.
ويعد المجلس صانع القرار النهائي في الشركة، باستثناء المسائل التي يحتفظ المساهمون بحق البت فيها، كما يقوم المجلس بدوره باختيار الإدارة العليا، التي يوكل إليها القيام بأعمال الشركة.
ووضع مجلس إدارة "كوكاكولا" القواعد العامة لحوكمة الشركة، بهدف توحيد الأطر التي يجري العمل ضمنها في هذا الاتجاه.
وتتضمن تلك القواعد مهام المجلس، ومهام رئيس الشركة والكفاءات الواجب توفرها فيه، ومدى الاستقلالية التي يتمتع بها، وتركيبة هيئة مجلس الإدارة، وتقييم أداء الرئيس التنفيذي، وآلية تعاقب المدراء. ومن واجب المجلس أيضاً، الحرص على مراجعة المستجدات على صعيد حوكمة المؤسسات والقواعد العامة التي تحكمها لمجاراة تطورها.
كما تنشط الشركة في مجال المسؤولية الاجتماعية، من خلال سياسة عامة ومجلس سمعة المؤسسة، المؤلف من عدد من المديرين والشركاء، حيث تتلخص مهمة المجلس في تحديد المخاطر والفرص التي تواجهها الشركة، والمجتمعات التي تعمل بها، وتقوم بوضع آلية عمل لمواجهة التحديات.
وتملك "كوكاكولا" ما يسمى بـ "ميثاق سلوك الأعمال"، وهو عبارة عن دليل إرشادي ملزم لموظفي الشركة، حول أهمية الاستقامة والنزاهة في كل ما يقومون به. وتشرف على الميثاق لجنة الأخلاقيات والامتثال، وتراقب المخالفات، وتحدد العواقب، وتقوم بدور ميداني يتمثل في التثقيف والمشاورة والتقييم فيما يختص بميثاق سلوك الأعمال ومسائل الامتثال.
من ناحية أخرى، توفر "كوكاكولا" تدريبات متنوعة حول أخلاق العمل، والسلوكيات المتوافقة معه في جميع مواقعها في العالم، تحت إشراف مكتب الأخلاق والامتثال.
وتحرص الشركة على مراجعة نظم وآليات عملها باستمرار، لضمان توافقها مع القوانين والمواثيق الموضوعة، وتجري تدريبات عبر الإنترنت لجميع الموظفين، وحلقات نقاش حول أخلاقيات العمل والامتثال وسياسة محاربة الرشاوى، وتقدم تدريبات للموظفين الجدد فور انضمامهم للشركة، وللموظفين القدماء على الأقل مرة كل ثلاث سنوات.
وفي عام 2010م، حصل نحو 22 ألف موظف في الشركة (مديرون وغير مديرين) على شهادات تتوافق مع ميثاق سلوكيات الأعمال، وسياسة محاربة الرشاوى الخاصة بالشركة. وإضافة إلى التدريبات الاختيارية، التي تتناول مواضيع متنوعة، تلزم الشركة الموظفين بالمشاركة في دورة تدريبية حول أخلاقيات العمل مرة واحدة في العام، أي أن كل موظف يحصل على 60 دقيقة تدريب في العام. وتخصص الشركة خدمة اتصال عالمية عبر الهاتف والإنترنت، لتمكين الموظفين، والشركاء، والموردين، والعملاء، والمستهلكين؛ من طرح استفساراتهم حول ميثاق الشركة، وقضايا خاصة بسلوكيات وأخلاقيات العمل، أو الإفادة بحدوث مخالفات.

الأكثر قراءة