موقع الشرق الأوسط في خريطة الغاز الطبيعي المسال في العالم
على الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط تمتلك أكثر من 43 في المائة من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في العالم، لكن ما قد يشكل مفاجأة أن بعض الدول في المنطقة تستورد الغاز الطبيعي المسال، حيث إن ميزان العرض والطلب على الغاز يختلف من دولة إلى أخرى بصورة كبيرة، وفي بعض الحالات في مرحلة انتقالية من فائض إلى عجز.
بصرف النظر عن دولة قطر، التي تعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وعدد قليل من الحالات الأخرى، مثل عُمان واليمن وأبو ظبي، معظم دول المنطقة تعطي الأولوية للغاز الطبيعي لتلبية الاحتياجات المحلية. بالنسبة للبعض، مثل الكويت، يتم استيراد الغاز الطبيعي المسال لتعويض نقص الإمدادات المحلية.
في حين أن السعودية تسعى جاهدة لرفع إنتاجها المحلي من الغاز الطبيعي لدعم القاعدة الصناعية بالمملكة وتلبية الطلب المتزايد على خدمات المرافق العامة فيها خصوصا توليد الطاقة الكهربائية، وذلك عن طريق التركيز على الاستكشافات الجديدة خصوصا في البحر الأحمر وأيضاً تطوير مصادر الغاز الصخري.
وتشير المصادر الرسمية إلى أن احتياطيات الغاز غير التقليدية في السعودية تقدر بأكثر من 600 تريليون قدم مكعب، وهو ما يزيد على ضعف الاحتياطيات المؤكدة من الغاز التقليدي، الأمر الذي يجعل المملكة تحتل مركزا متقدما عالميا في تصنيف الدول التي تمتلك احتياطيات ضخمة من الغاز الصخري.
وبالتالي، فإن موضوع الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط هو متعدد الأوجه: قطر مثلاً تواجه المتغيرات التي قد تطرأ على أسواق الغاز العالمية مع دخول منافسين جدد إلى الساحة، هنالك أيضا ترقب ظهور مركز جديد لتصدير الغاز الطبيعي المسال في منطقة شرق البحر المتوسط التي كانت في السابق تفتقر لهذه الموارد؛ في حين أن بعض دول المنطقة قد تقوم بتوسيع طاقات إعادة الغاز الطبيعي المسال (regasification) لمواجهة تزايد الطلب على الطاقة.
لقد استفادت قطر بشكل كبير من احتياطي الغاز الطبيعي الكبير الذي تمتلكه، الذي يقدر بنحو 900 ترليون قدم مكعب، حيث تعتبر ثالث أكبر بلد في العالم بعد إيران وروسيا. في نهاية العقد الماضي تفوقت قطر على ثلاثة منافسين من آسيا والمحيط الهادئ - إندونيسيا وماليزيا وأستراليا - لتصبح أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.
لكن التحدي الأكبر لدولة قطر، هو ظهور مراكز جديدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الغاز. أستراليا مثلا من الممكن أن تتفوق على قطر لتصبح أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث إن مشاريعها السبعة قيد الإنشاء حاليا من شأنها أن تزيد طاقاتها من الغاز الطبيعي المسال من 24.3 مليون طن سنويا إلى أكثر من 85.6 مليون طن سنويا بحلول نهاية هذا العقد. لكن إضافة المزيد من الطاقات في أستراليا قد يتباطأ بشكل كبير نتيجة ارتفاع تكاليف بناء محطات التسييل، مع ذلك أستراليا قد تتجاوز قطر كمصدر رئيس للغاز الطبيعي المسال إذا ما تم تشغيل جميع مشاريعها الحالية قيد الإنشاء.
مع نهاية العقد الحالي، من المتوقع أن تظهر أمريكا الشمالية كمركز لتصدير الغاز الطبيعي المسال، ولا سيما الولايات المتحدة. حتى الآن، حصلت ثلاث شركات على موافقة من السلطات الأمريكية لتصدير الغاز الطبيعي المسال إلى البلدان التي ليس لديها اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، الطاقات الإجمالية لهذه المشاريع تصل إلى نحو 40 مليون طن سنويا. هذا وقد منحت السلطات الكندية تراخيص التصدير لثلاثة مشاريع للغاز الطبيعي المسال بطاقة إجمالية تراوح بين 23 و35 مليون طن سنويا. وفي الوقت نفسه، فتحت اكتشافات الغاز الكبيرة الأخيرة في شرق إفريقيا الفرصة لتصدير الغاز الطبيعي المسال من موزمبيق وتنزانيا، على الأرجح في وقت مبكر من بداية العقد المقبل.
في روسيا يعتبر إنتاج الغاز الطبيعي المسال غير متطور نسبيا. في الوقت الحاضر يتم إنتاجه فقط في شبه جزيرة سخالين في الشرق الأقصى الروسي كجزء من مشروع سخالين ويبلغ حجم الإنتاج نحو عشرة ملايين طن سنويا أي ما يمثل نحو 4 في المائة فقط من إنتاج الغاز الطبيعي المسال في العالم.
لكن الأشهر الاثني عشر الماضية - خصوصا الأسابيع الأخيرة - شهدت عددا من التطورات التي تشير بقوة إلى أن روسيا يمكن أن تصبح منتجا رئيسا للغاز الطبيعي المسال بحلول نهاية العقد الحالي. قرار الرئيس فلاديمير بوتين تحرير صادرات الغاز الطبيعي المسال، في نهاية العام الماضي، ستلعب دورا حاسما في تحول روسيا إلى لاعب كبير في مجال الغاز الطبيعي المسال، على الرغم من أن القرار في الوقت الراهن يشمل حالات محددة فقط.
في هذا الجانب، قالت شركة غاز روسية كبيرة إن إنتاج روسيا من الغاز الطبيعي المسال قد يضاهي خلال عشر سنوات إنتاج قطر أكبر بلد مصدر له في العالم مع قيام الدولة والشركات الخاصة بتسريع مشروعات قد تسهم في توجيه بعض إمدادات الغاز إلى أسواق أخرى بدلا من أوروبا. وقالت مصادر الشركة على مدى عشر سنوات تستطيع روسيا بناء طاقة لإنتاج الغاز المسال حجمها 80 مليون طن سنويا. لكن أحد أكبر التحديات التي تجابه المشاريع الروسية هو ارتفاع التكاليف ومدى ربحية هذه المشاريع.
لقد برزت منطقة شرق البحر المتوسط في السنوات الأخيرة بوصفها منطقة واعدة بالموارد الهيدروكربونية. في عام 2010، قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن منطقة شرق البحر المتوسط أو ما يعرف بحوض بلاد الشام، وهي المنطقة المحاطة بإسرائيل، فلسطين، لبنان، سوريا وقبرص قد تحتوي على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و1.7 مليار برميل من النفط، مما جعلها على قدم المساواة، على الأقل عندما يتعلق الأمر بحجم موارد الغاز الطبيعي مع الأراضي البرية والمياه الإقليمية قبالة ساحل الخليج الأمريكي. تعتقد الحكومة القبرصية أنها وحدها تمتلك نحو 62 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي في مياهها الإقليمية.
اكتشافات الغاز الطبيعي الكبيرة قبالة السواحل القبرصية (أفروديت) والإسرائيلية (تمار والطاغوت) يعني أن كلا الجانبين يمكنهما تطوير الغاز الطبيعي المسال لأغراض التصدير، نظرا لكمية الإنتاج التي من المتوقع أن تكون متاحة وصغر حجم أسواق الطاقة المحلية لكل منها. لكن، على الصعيد العالمي، تعتبر احتياطيات الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط صغيرة جدا نسبيا. على الرغم من أن الاكتشافات هي كبيرة بما يكفي ليكون لها تأثير كبير على التنمية الاقتصادية وأمن الطاقة في دول المنطقة.
في الوقت الحاضر ليس من الواضح جدا حجم موارد النفط والغاز القابلة للاستخراج من الناحية الاقتصادية والناحية التقنية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. لذلك، علينا أن نكون حذرين في تقييم التوقعات حول موارد شرق البحر الأبيض المتوسط. بالإضافة إلى ذلك تطوير مشاريع تصدير الغاز الطبيعي بناء على الاكتشافات الجديدة لا تزال تواجه العديد من التحديات التنظيمية والجيوسياسية منها عرقلة إسرائيل تطوير حقل غزة البحري أمام ساحل غزة، والخلاف الحدودي البحري بين لبنان وإسرائيل، وعدم استقرار الوضع السياسي اللبناني، والثورة السورية، والتدخل التركي في شمال قبرص. لكن العوامل الجيوسياسية المعقدة للمنطقة من المتوقع أن تلعب دورا ثانويا في تطوير موارد الغاز الطبيعي فيها، حيث إن إسرائيل ماضية في تطوير مواردها. لذلك غاز منطقة شرق البحر المتوسط في نهاية العقد الحالي من المتوقع أن يكون له تأثير أكثر على أسواق الغاز المحلية من تأثيره على الأسواق الإقليمية أو العالمية.
على الرغم من هذه الاتجاهات الجديدة في أسواق الغاز الطبيعي المسال، لم تتأثر منطقة الشرق الأوسط وبالذات قطر بصورة كبيرة. حتى الآن، ليس لدى قطر خطط جديدة لتوسيع طاقاتها من الغاز الطبيعي المسال أو إعادة النظر في الحظر المفروض منذ عام 2005 على إجراء مزيد من التطوير في حقل الشمال العملاق. وعلاوة على ذلك، على مدى العامين الماضيين واصلت قطر توقيع اتفاقيات توريد وشراء طويلة الأجل مع عملائها اليابانيين، والكوريين والتايلانديين. قد تبدو قطر الآن مطمئنة نسبيا حول دورها في المستقبل باعتبارها المورد الرئيس للغاز الطبيعي المسال في العالم، لكن من المرجح أن تضطر في المستقبل إلى أن تكون أكثر مرونة في التفاوض على العقود مع العملاء المحتملين. أحد ميزات قطر هو أن تكلفة إنتاج الغاز الطبيعي المسال فيها رخيصة نسبيا، ولا سيما بالمقارنة مع أستراليا، وكذلك إلى ما سيتم توفيره من قبل المصدرين الصاعدين مثل كندا وروسيا.
في الختام، إن موضوع الغاز الطبيعي المسال في منطقة الشرق الأوسط هو في تطور. في الوقت الحاضر من المتوقع أن تبقى قطر المورد الرئيس للغاز الطبيعي المسال في العالم، ولكن عليها أن تستمر في مراقبة ظهور المصدرين الجدد الذين يستهدفون أسواق آسيا والمحيط الهادئ، والتطورات في منطقة شرق البحر المتوسط. في غضون ذلك، ستحتاج بعض دول الخليج العربي الأخرى للغاز الطبيعي المسال لتلبية الاحتياجات المتزايدة من الطاقة، على الرغم من هذا يمكن تخفيفه عن طريق بعض السياسات الفعالة من جانب الطلب.