بريطانيا تستبعد الوحدة النقدية مع اسكتلندا
علمت "الاقتصادية" من مصادر مطلعة في وزارة المالية البريطانية أن جورج أوزبورن وزير الخزانة من المحتمل أن يعلن هذا الأسبوع رفضه لأي شكل من أشكال الوحدة النقدية مع اسكتلندا إذا ما انفصلت عن المملكة المتحدة، وسيحث الحكومة البريطانية على إبلاغ اسكتلندا أن الجنيه الاسترليني سيكون عملة إنجلترا وويلز وإيرلندا الشمالية فقط وأنه لن يكون العملة الرسمية المتداولة في اسكتلندا بعد نيلها الاستقلال عن المملكة المتحدة.
وأضافت المصادر أن هذا الموقف المتشدد من قبل وزير المالية البريطاني جاء في أعقاب قرار ديفيد كاميرون رئيس الوزراء بتكليف أوزبورن بوضع تفاصيل موقف التحالف الحاكم تجاه الجوانب الاقتصادية المتوقع أن تبرز بين لندن وأدنبره، وتكون محل خلاف بين الجانبين، ومن بينها العملة، خاصة مع رغبة اسكتلندا في الإبقاء على الجنيه الاسترليني عملة وطنية.
ولـ "الاقتصادية" يعلق وليم جل الصحفي الاسكتلندي على الموقف الراهن للندن بشأن عدم مشاركة اسكتلندا الجنيه الاسترليني قائلا، إن الهدف من القرار الضغط على السياسيين في أدنبره للكشف عن موقفهم المستقبلي، فالمعروف أن اسكتلندا لديها عملتها المحلية وهي الجنيه الاسكتلندي فهل سيكون هو عملتها المستقبلية أم أنها ستتبنى اليورو كعملة وطنية كخطوة للانضمام للاتحاد الأوروبي.
واعتبر المسؤولون في اسكتلندا الموقف البريطاني نوعا من أنواع "الابتزاز"، حيث رفض إليكس سالموند الوزير الأول في اسكتلندا الإفصاح عن خططه بشأن العملة الاسكتلندية المستقبلية، بل وأصدر تصريحات بأنه إذا رفضت المملكة المتحدة تقسيم الأصول الوطنية التي ستقيم بطبيعة الحال بالجنيه الاسترليني، فإن أدنبره سترفض من جانبها أن تتحمل أي عبء من أعباء مديونية المملكة المتحدة.
وتوجه محافظ بنك إنجلترا المركزي مارك كارني إلى اسكتلندا في نهاية كانون الثاني (يناير) محذراً من أنه إذا استقلت اسكتلندا وظلت محتفظة بالجنيه الاسترليني فإما أن تتخلى عن جزء من سيادتها الوطنية أو تخاطر بمواجهة مشكلات مماثلة لأزمة منطقة اليورو، إذ ستتخذ كافة القرارات الخاصة بالعملة الموحدة وما يترتب عليها من سياسات مالية واقتصادية في لندن ووفقا للأولويات التي يحددها 10 داوننج استريت مقر رئيس الوزراء البريطاني.
وأعلن الحزب الوطني الاسكتلندي الذي يدير حكومة اسكتلندا أنه يعتقد أن إقامة وحدة نقدية مع باقي أعضاء المملكة المتحدة تعد مسألة محورية في رؤيته لاسكتلندا مستقلة، وتبدو الحلول البديلة مثل الانضمام لمنطقة اليورو أو إصدار عملة جديدة مكلفة وتنطوي على مخاطر، مضيفاً أن اسكتلندا لن تقبل بالالتزام بنصيبها من ديون بريطانيا إذا لم يسمح لها باستخدام الاسترليني في إطار اتحاد نقدي.
ويتوجه المواطنون في اسكتلندا لصناديق الاستفتاء في 18 أيلول (سبتمبر) المقبل للتصويت بنعم أو لا على السؤال التالي، هل يجب أن تكون اسكتلندا دولة مستقلة؟ وستقرر نتيجة الاستفتاء مصير أدنبره بعد 307 عام من الاتحاد مع إنجلترا.
وعلى الرغم من تصريحات رئيس الوزراء البريطاني بأن استقلال اسكتلندا سيضعف بريطانيا العظمى على المستوى العالمي فإن استطلاعات الرأي تتضارب حول النتائج المتوقعة للتصويت، لكن أياً كانت النتيجة فإنها في الأغلب ستكون متقاربة.
ويعزز التيار المدافع عن استقلال اسكتلندا وجهة نظره مؤكدين أن الاستقلال سيحسن الأوضاع الاقتصادية للاسكتلنديين ويمكنهم من السيطرة أكثر على مواردهم، خاصة النفطية.
وتصرح الدكتورة أيه جي ماكاي أستاذة الاقتصاد الأوروبي في جامعة أدنبره لـ "الاقتصادية"، بأن الاعتقاد السائد هو أننا في اسكتلندا سنتحكم في مواردنا النفطية في بحر الشمال سواء الاحتياطيات أو العوائد المالية، كما أن العديد من القوانين التي تحقق المصلحة الاقتصادية للمملكة المتحدة تضر بالمصالح الاسكتلندية، وهذه القوانين سيتم التخلي عنها ومن أبرزها قانون ضرائب العقارات، لكن علينا أن نأخذ في الحسبان التحديات الأمنية فعلينا الآن أن نشكل جيشاً وأجهزة أمنية وهذا ستكون له تكلفة مالية مرتفعة.
لكن الرافضين لفكرة الانفصال يعتبرون أن الصعوبات والتحديات الاقتصادية التي ستواجه أدنبره تضع شكوكا حول المستويات المعيشية التي سيتمتع بها الشعب الاسكتلندي، فالوضع المالي سيكون أسوأ من مختلف مناطق المملكة المتحدة كافة، ويرجع ذلك إلى أن متوسط الإنفاق في أدنبره على الخدمات أعلى من متوسط الإنفاق على الإعانات.
وخلال عام 2011 - 2012 فإن إنفاق اسكتلندا على الخدمات يساوى تقريبا مع عوائدها النفطية، إلا أنه يتوقع تراجع تلك العوائد في المستقبل جراء تناقص الإنتاج النفطي لبحر الشمال.
ولـ "الاقتصادية" يشير برايس بيتي أستاذ مادة المالية العامة، إلى أنه بصفة عامة فإن المملكة المتحدة سواء انفصلت اسكتلندا أو لم تنفصل ستعاني عجزا ماليا يبلغ نحو 0.8 في المائة ولكن إذا انفصلت أدنبره فإن العجز المالي لديهم سيبلغ 1.9 في المائة، ولضمان استقرار مالي على الأمد الطويل فلن يكون أمام الحكومة الجديدة في اسكتلندا سوى زيادة الضرائب أو خفض النفقات العامة، وفي كلتا الحالتين فإن الوضع الاقتصادي للمواطنين سيكون أسوأ وهو ما يتناقض تماما مع الفكرة الأساسية في الدعوى للانفصال وهي تحسين الأوضاع المعيشية للسكان.
وتدفع هذه التقديرات بالبعض إلى اعتبار أن اسكتلندا في حال انفصالها ستظل دائما في حاجة اقتصادية إلى جارتها الكبرى المملكة المتحدة بما قد يفقد استقلالها معناه الكامل.