الفوسفات يصنع المستقبل في شمال السعودية لا النفط

الفوسفات يصنع المستقبل في شمال السعودية لا النفط

تبشر لوحات إعلانية على طريق سريع عند بلدة طريف الصحراوية الواقعة في أقصى شمال السعودية بمستقبل مشرق فيه مبان بواجهات زجاجية وأحياء سكنية تظلل أشجار النخيل شوارعها.. مستقبل لن يعتمد على النفط، وفقاً لـ "رويترز".
في الأسبوع الماضي تجمع عدد من وزراء الحكومة في خيمة قرب تلك البلدة القاحلة التي تبعد 1100 كيلو متر عن الرياض لتوقيع عقود لإنشاء مجمع صناعي حول منجم فوسفات وسكة حديدية جديدة تصل إلى ميناء على الخليج باستثمارات إجمالية تقدر بأكثر من تسعة مليارات دولار.
ويمثل مشروع وعد الشمال جزءا من استراتيجية عامة في السعودية التي تعد أكبر بلد مصدر للنفط في العالم لبناء صناعات تحويلية ودعم القطاع الخاص بدلا من الاكتفاء بتصدير المواد الخام.
ويأتي المشروع في أعقاب الجبيل وينبع المدينتين الصناعيتين الواقعتين على ساحل الخليج وساحل البحر الأحمر والتي أنشأتهما السعودية في الثمانينيات مع نمو إنتاج البتروكيماويات في البلاد. وتعمل العاصمة الرياض أيضا على تطوير مدينة الملك عبد الله الاقتصادية قرب جدة، التي تديرها شركة إعمار المدينة الاقتصادية كمشروع للقطاع الخاص بأهداف مماثلة.
ويعتقد بول جامبل المدير في إدارة المخاطر السيادية في مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني أن هذا المنهج سيساعد على تنويع القاعدة الاقتصادية، وتنويع إيرادات التصدير وسيكون له أثر على التوظيف وإن لم يكن كبيرا، والشيء الوحيد الذي لا يشمله هو تنويع إيرادات الميزانية.
ولم يكن لجهود تنويع النشاط الاقتصادي من خلال الصناعة في الفترة الأخيرة أثر يذكر على البيانات الرسمية المتعلقة بحجم صناعة النفط، مقارنة بالاقتصاد بأكمله، إذ إن نمو إيرادات النفط فاق نمو القطاعات غير النفطية.
وتظهر أحدث بيانات من البنك المركزي أن صناعة النفط والغاز شكلت 49.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2012 ارتفاعا من 37.7 في المائة في 2002 مع تضاعف سعر خام برنت إلى نحو أربعة أمثاله في تلك الفترة.
لكنّ كثيرا من المحللين يتوقعون انخفاض أسعار النفط في السنوات القليلة المقبلة مع زيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة وهو ما سيسلط الضوء على فوائد تنويع الأنشطة الاقتصادية.
وأوضح محمد الجاسر وزير الاقتصاد أن السعودية بدأت في تصدير النفط الخام ثم انتقلت إلى التكرير ثم جمع الغاز وإنشاء صناعة البتروكيماويات وأعقب ذلك نشاط التعدين واسع النطاق، مضيفاً أن صناعات كبرى ترتبط بنشاط التعدين. وكان الجاسر يتحدث في موقع تحيط به الصحراء من كل الاتجاهات حتى تصل إلى الأفق لكنه سيكون عند اكتمال المشروع منطقة رئيسية لإنتاج المنتجات الفوسفاتية ومن بينها سماد الأمونيا والعلف الحيواني والبلاستيك والمنظفات، وستضم المنطقة صناعات عديدة لها فوائد كثيرة من ناحية التوظيف.
وقد تتحول شركة التعدين العربية السعودية (معادن) التي تملك الدولة نصف أسهمها وهي أكبر مساهم في المشروع إلى لاعب كبير في صناعة المعادن العالمية على غرار التحول الذي مرت به شركة سابك التي بدأت من الصفر في الثمانينيات وأصبحت اليوم من أكبر شركات الكيماويات الصناعية في العالم، وسابك ليست مصدرا رئيسيا للصادرات غير النفطية فحسب بل تزود العديد من المصانع في الجبيل وينبع بالمواد الخام.
ومع اهتمام السعودية بخلق فرص عمل من خلال مشروع وعد الشمال تخطط المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لإنشاء معهد جديد في منطقة قريبة لتخريج 300 شخص سنويا للعمل في القطاعات الصناعية، وتتزايد أعداد السعوديين العاملين في المجالات التقنية التي كانت ذات يوم حكرا على الوافدين وهو اتجاه تعمل الحكومة على تشجيعه من خلال تعديل نظم العمل، غير أن شركات كثيرة مازالت تفضل توظيف العمالة الوافدة التي تقل تكاليفها مقارنة بالعمالة السعودية ولديها خبرة أكبر.
وكانت وزارة النفط السعودية تتجاهل إنتاج المعادن وظل النشاط على مدى عقود مقتصرا على استخراج الذهب في نطاق ضيق، وأنشأت الحكومة شركة معادن عام 1997 وفتحت القطاع للمستثمرين الأجانب والقطاع الخاص عام 2001.
وأوضح علي النعيمي وزير البترول أن الاستكشافات لم تكد تغطي السعودية وهناك فرص كبيرة جدا لاكتشاف ثروات معدنية إضافية، ونشاط كبير واهتمام بالثروة المعدنية.
وخصخصت السعودية شركة معادن جزئيا عام 2008 حين طرحت نصف أسهمها في البورصة السعودية واتجهت الشركة إلى مشروعات التعدين الضخمة مدعومة بالبنية التحتية التي تنفق عليها الدولة بسخاء، وكان الدافع وراء إنشاء معادن وغيرها من الشركات التي أقامتها الدولة وعينها على الخصخصة لاحقا هو أن تكون وسيلة لتوزيع الثروة والاستفادة من خبرة القطاع الخاص في مشروعات التطوير.
وذكر جامبل من مؤسسة فيتش، أن لديهم كثيرا من الشركاء الأجانب في هذه المشروعات الكبرى وهذا يمنح مزيدا من الثقة في عملية الفحص الفني وبالتالي فرص النجاح.
وبدأت شركة معادن للفوسفات العمل في 2011 كأول مشروع في المنطقة بالشراكة مع سابك بطاقة إنتاجية تبلغ 11.6 مليون طن سنويا من خام الفوسفات في موقع حزم الجلاميد في منطقة الحدود الشمالية لتغذية مصنع لسماد الفوسفات ثنائي الأمونيوم في رأس الخير على ساحل الخليج تبلغ طاقته الإنتاجية ثلاثة ملايين طن سنويا.
وفي العام الماضي دشنت معادن ثاني مشروع كبير وهو مشروع مشترك للألومنيوم بقيمة 10.8 مليار دولار مع شركة ألكوا ومقرها الولايات المتحدة ويتألف من مصفاة للألومينا ومصهر ألومنيوم ومصنع درفلة في رأس الخير.
ويستورد المشروع المواد الخام حاليا لكنه في نهاية الأمر سيستخدم خام البوكسيت من منجم البعيثة قرب قبة في منطقة القصيم، الذي من المقرر أن يبدأ العمل هذا العام بإنتاج يبلغ أربعة ملايين طن سنويا.
وتربط شبكة سكك حديدية جديدة بين منجم الفوسفات في الجلاميد ومنجم البوكسيت في القصيم والمجمعات الصناعية في رأس الخير وقد أنشأتها شركة الخطوط الحديدية المملوكة للدولة وسيجري مدها إلى مدينة وعد الشمال.
وأنشأت الحكومة الميناء الواقع في رأس الخير وبعض المنشآت الأخرى بينما شيدت معادن محطة للكهرباء وتحلية المياه هناك لتغذية مشروعات الألومنيوم والفوسفات.
وسيضيف مشروع وعد الشمال المشترك مع سابك وموزاييك الأمريكية إلى تلك المشروعات السابقة منجما في أم وعال قرب بلدة طريف وتسع منشآت صناعية ضخمة.
وأفادت معادن في كانون الأول (ديسمبر) الماضي أنها حصلت على تعهدات تمويلية من البنوك بقيمة 4.2 مليار دولار وستقدم مؤسسات حكومية ثلاثة مليارات دولار، ومن المتوقع بدء الإنتاج عام 2016، وستمول المؤسسات الحكومية أيضا توسعة شبكة السكك الحديدية والميناء.
وانتهى المشروع من ترسية عقود الهندسة والتوريدات والبناء للمنشآت الرئيسية وكانت أكبر العقود من نصيب دايليم الكورية الجنوبية، وإنتكسا الإسبانية، و"إس.إن.سي" لافالين الكندية، وسينوبك للهندسة، وهانوا الكورية، وحصلت شركة فلور كورب على عقد الاستشارات الهندسية وتولت شركة بكتل إدارة المشروع.
وأصبحت السعودية بالفعل مصدرا رئيسيا لليوريا والأمونيا وهما من أكثر أنواع الأسمدة الصناعية استخداما من خلال شركة سافكو التابعة لسابك.
وأشار جون سفاكياناكيس كبير خبراء الاستثمار لدى شركة محمد السبيعي وأولاده للاستثمار (ماسك) إلى أن الأمر يتعلق باستخدام الموارد وإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة بدلا من تصديرها كمواد خام، وحول هذه الفكرة بدأت استراتيجية إقامة تجمعات صناعية على أمل خلق فرص عمل وصناعات لم تكن في السعودية من قبل.

الأكثر قراءة