رقص المعلمين
كان المعلم ـــ في زمن مضى ـــ رمز الشدة والصلابة وقوة البأس والشكيمة وغيرها مما يمكن إضافته من أوصاف الهيبة والوقار وإخافة الصغار. كنا حين نرى المعلم في شارع نهرب إلى شارع آخر، والشجاع يمشي إلى جانب الحائط لئلا يثير حفيظة أستاذه، و"حفيظة" هذه هي أيضاً من رموز تلك المرحلة.
نظام يسوده الخوف أنتج مخرجات يراها الجميع اليوم في كل مكان، ومنهم "محدثكم". أشخاص يشكُّون في أنفسهم وإن لم يكن هناك مجال للشك. يخافون النقد، ويحسبون لكل كلمة حسابها. يوقرون الرؤساء ويقدمون لهم كل فروض الولاء والطاعة ولا يواجهونهم بعيوبهم، وإن كانت كالجبال. هل هم على حق أم على باطل.. هذا ليس سؤالنا، وإنما هي ملاحظة عامة أثارها موضوع مقال اليوم، فليفتش كل من التحق بالتعليم في التسعينيات وقبلها نفسه.
المشكلة أننا نريد أن يكون أبناؤنا نسخة منا، حتى إن كنا نرى في أنفسنا عيوباً، فعيوبهم ـــ في نظرنا ـــ أكثر. نرى العالم من حولنا يحتفل بالمواجهة والصراحة والشجاعة الأدبية والشفافية، ونمتدحهم علانية. لكن إن واجهنا بها أبناؤنا غضبنا. هل هناك فصام أوضح من هذا؟!
نأتي على مسألة رقص المعلمين في إحدى المدارس، لنحلل المشهد ونتعرف على الخطأ الذي وقع فيه المعلم الذي يريد التعبير عن فرحته أو وطنيته أو انتمائه، وهل من عيب في ذلك؟ أليس المعلم جزءا من المشهد العام يمثل ما يقارب 30 في المائة من موظفي الدولة؟ ثم، وهذا الأهم، أليسوا بشراً يفرحون ويحزنون؟
أثق بأن الإجابات كلها بنعم، ليس هنا خطأ في تعبير المعلم بالرقص ـــ غير الخادش للحياء ـــ في مدرسته وبين أبنائه، سواء التقطت مقاطع لهم أم لم تلتقط. إذاً فما قررته وزارة التربية والتعليم ليس له ما يستدعيه، فلو أن المناسبة وطنية دُعِي لها أي مسؤول في التربية والتعليم لرقص مع تلاميذه وآبائهم شتى الرقصات التي يستطيع أن يؤديها، لكنه تأثير حائط الطفولة.
أختم بالقول إن الأمير الوزير الشاعر خالد الفيصل كان خبيراً بكل رقصات منطقة عسير، وكان يشارك في الرقص مع المواطنين في أغلبية الاحتفالات التي يحضرها. بل إنه سنَّ فكرة استقبال الملك وولي العهد بفرقة شعبية من المنطقة. لنرفق بالمعلم، فهو إنسان أيضاً!