سفير الصين لـ"الاقتصادية" : لو استهلكنا النفط مثل أمريكا سنشتري نفط العالم كله

سفير الصين لـ"الاقتصادية" : لو استهلكنا النفط مثل أمريكا سنشتري نفط العالم كله

قال السفير الصيني في السعودية، لي تشينج وين، إن حجم التبادل التجاري بين السعودية والصين يرتفع بسرعة فائقة؛ حيث شهدت السنوات الماضية علاقات اقتصادية وتجارية متطورة باستمرار بين البلدين.
وأضاف السفير الصيني، في حوار مع “الاقتصادية”، أن الصينيين إذا استهلكوا النفط كما يفعل الأمريكيون، فستحتاج الصين إلى نفط العالم كله؛ في إشارة إلى الزيادة المتوقعة في ملكية السيارات على مستوى بلاده.
وتطرق لي تشينج وين إلى العديد من النقاط المختصة بالعلاقات الثنائية بين الرياض وبكين وأيضا بعدد من الدول الخليجية؛ فإلى تفاصيل الحوار:

الصين ستحل بديلا للولايات المتحدة كأكبر مستورد للنفط من الشرق الأوسط، حيث تستورد أكثر من نصف احتياجاتها النفطية من هذه المنطقة، و20 في المائة منها تأتي من السعودية. ماذا يعني ذلك؟

السعودية من أهم شركاء الصين في التعاون الاقتصادي والتجاري، وأكبر شريك تجاري للصين في الدول العربية والإفريقية في السنوات الـ 12 الماضية.
وحكومة الصين تولي اهتماما بالغا بعلاقات التعاون الاقتصادي والتجاري بالسعودية، خاصة أن إمكانات التكامل قوية بين البلدين في مجال الطاقة، حيث يحتاج الاقتصاد الصيني إلى إمدادات مستقرة ومستمرة من الطاقة، بينما يحتاج الاقتصاد السعودي إلى سوق الطاقة الواسعة.
والصين أصبحت أكبر دولة مستوردة، وثاني أكبر دولة مستهلكة للنفط الخام في العالم. وفي عام 2012م، بلغ إنتاج النفط الخام داخل الصين أكثر من 200 مليون طن، واستيراد النفط الخام 250 مليون طن، بزيادة نسبتها 20 في المائة عن العام السابق.
وحافظت الصين على نمو مستمر اقتصاديا في عام 2013م، حيث بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 7.7 في المائة، ولهذا ازداد احتياجها إلى الطاقة باستمرار.
ومعلوم أن السعودية تتمتع باحتياطيات نفطية وفيرة، وبأكبر قدرة إنتاج في العالم؛ حيث تمتلك أكثر من 90 في المائة من قدرة الإنتاج الفائضة في العالم، وهي تعتبر عضوا رئيسا في منظمة أوبك ومنتدى الطاقة العالمي.
وتهتم الصين اهتماما بالغا بالتعاون مع السعودية في مجال الطاقة. وتربط بين الشعبين أواصر الصداقة التقليدية المتينة، وتشهد العلاقة الثنائية نموا سريعا بعد إقامتهما العلاقة الدبلوماسية، الأمر الذي يوفر ظروفا جيدة وصالحة لتعاونهما في مجال الطاقة.
وفي الأشهر العشرة الأولى من عام 2013م، استوردت الصين 45.5 مليون طن من النفط الخام من السعودية، ما يمثل 19.6 في المائة من إجمالي واردات النفط في الصين.
وإضافة إلى التعاون في مجال الطاقة الأحفورية، لدى البلدين آفاق واسعة في التعاون في مجال الطاقات المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والطاقة الرياحية وغيرها.
ونأمل دفع وتعميق تعاوننا باستمرار، حتى نحقق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك بخدمة مصالح شعب البلدين.

هل أجبرت العقوبات على إيران بلادكم على الاتجاه نحو السعودية من أجل استيراد النفط؟ وهل إذا خفف الغرب عقوباته على إيران فستعود بكين مرة أخرى إلى استيراد النفط الإيراني؟

بدأت الولايات المتحدة والدول الأوروبية فرض العقوبات على صادرات إيران النفطية في عام 2012م، لكن التجارة النفطية بين الصين والسعودية تشهد نموا سريعا ومستقرا قبل وبعد العقوبات؛ ما يؤكد أن أساس نمو التجارة النفطية بين البلدين هو العلاقات الثنائية الودية وتكامل الهياكل الاقتصادية.
الصين كدولة موقعة على "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية"، تؤيد دائما أن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وتعارض تطوير أو امتلاك الأسلحة النووية من قبل أي دولة في المنطقة.
وستواصل الصين، باعتبارها من الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن، تنفيذ بشكل جدي قرارات مجلس الأمن المعنية بإيران، وستسعى إلى حل سلمي للقضية النووية الإيرانية، عبر الجهود السياسية والدبلوماسية.
تحليلات عالمية تتوقع أن الصين ستحصل على نصف زيادة الاستهلاك العالمي للنفط بحلول عام 2035م، ونشهد الآن شراءً أكثر فأكثر للسيارات في الصين، حيث يُتوقع أن ترتفع عدد ملكيات السيارات إلى 320 سيارة لكل ألف شخص. ماذا ستفعل الصين في المسألة المتعلقة بالوقود؟

الاستهلاك الصيني للنفط الخام يزداد باستمرار مع تنمية البلاد، وارتفاع مستوى معيشة الشعب. على سبيل المثال، كما قلت، نشهد دخول السيارات إلى الأسر الصينية بسرعة، وتحتل الصين المقام الأول لأربع سنوات متواصلة في تسويق السيارات.
وفي العام الماضي بلغ عدد السيارات المبيعة في السوق الصينية 23.5 في المائة من إجمالي السيارات التي يُنتجها العالم، وهو الأمر الذي يحفز استهلاك النفط في الصين.
إن تنويع مصادر الطاقة من الطرق المهمة لسد احتياجات الطاقة في الصين. علينا الأخذ في الاعتبار، أن نصيب الفرد الصيني لاستهلاك النفط أقل من 60 في المائة للمُعدّل العالمي، وإذا وصل ذلك إلى المُعدّل العالمي، فإن الاحتياجات الزائدة تساوي إجمالي حجم الإنتاج في السعودية.
وإذا استهلك الصينيون النفط كما يفعل الأمريكيون، فستحتاج الصين إلى نفط العالم كله. مع أن نمط التنمية هذا غير مستدام من الأساس، ولا بد أن نخطط من أجل استراتيجية طاقة مستدامة، انطلاقا من ضمان تنمية المستقبل.
نهتم بتوفير الطاقة وتخفيض الانبعاثات من خلال تغيير نمط
التنمية الاقتصادية، وفي هذا المجال، حقق اقتصاد الصين في 2013م زيادة بـ 7.7 في المائة، بينما انخفضت نسبة زيادة استهلاك النفط من 4.5 في المائة إلى 2.8 في المائة، الأمر الذي يعكس الأثر الإيجابي من تحويل نمط التنمية الاقتصادية.
ومن جهة أخرى، ندفع بقوة لتنويع مصادر الطاقة، ونخفض اعتمادنا على النفط عن طريق تطوير التكنولوجيا في الطاقة الشمسية والطاقة الرياحية والطاقة النووية والسيارات الكهربائية. ونبذل جهودا لتوسيع مصادر استيراد النفط من السوق الدولية، تجنبا للمخاطر المحتملة في إمدادات النفط.
حكومة الصين تهتم بتعزيز التبادل والتعاون دوليا في مجال الطاقة، وقامت بإعداد آلية تعاون ثنائية في الطاقة مع أكثر من 30 دولة، وتشارك مع أكثر من 40 دولة ومنطقة في استكشاف موارد الطاقة وتنميتها، حيث تتوسع مجالات التعاون تدريجيا من النفط والغاز الطبيعي إلى الطاقة الرياحية والطاقة النووية والطاقة الشمسية، وتكنولوجيا ومعدات الطاقة، وغيرها.

السعودية مهتمة حاليا بإعداد استراتيجية لتنويع مصادر توليد الطاقة. ما دور الشركات الصينية في استغلال هذا الأمر، وفي التعريف بقدراتها وتقنياتها في مجالات الطاقة الشمسية وتوليد الطاقة بالرياح، والتوليد الحراري من باطن الأرض وغيرها؟
النفط ليس طاقة ينالها البشرية بلا نهاية. تشير بعض التحليلات إلى أنه إذا ازداد استهلاك السعودية للنفط بنفس نسبة الزيادة حاليا، فإن كل ما تنتجه السعودية من النفط قد لا يغطى إلا احتياجاتها الداخلية بحلول عام 2032م.
لذا، تدل سياسة السعودية لتنويع مصادر توليد الطاقة على نظرتها البعيدة المدى للسعودية، وهذا يخدم تنمية الوطن المستدامة، وازدهار المنطقة الواعد، واستقرار سوق الطاقة الدولية.
وكما ذكرت، تسعى الصين إلى تنمية قطاع الطاقة المتجددة، حيث تصل قدراتها وتقنياتها إلى المستوى المتقدم الدولي. إن القدرة الإنتاجية للخلايا الكهروضوئية تبلغ 80 في المائة في العالم، وسترتفع في 2015م إلى ما فوق 35 GW ، لتحتل المركز الأول في العالم.
وأصبحت الصين أكبر دولة من حيث قدرة توليد الطاقة بالرياح، التي تبلغ 75.38 GW في نهاية عام 2012م. الصين لديها الآن 18 مفاعلا نوويا تجاريا، و33 مفاعلا في حيز الإنشاء أو التخطيط، ويُتوقع أن تصل قدرة توليد طاقة النووية إلى 200 GW بحلول عام 2030، لتحتل بذلك المركز الأول في العالم.
لاحظنا أن السعودية وضعت خطة تنمية للطاقة المتجددة، بما فيه تطوير واستخدام الطاقة الشمسية بـ 41 GW ، والطاقة النووية بـ 18 GW ، والطاقة الرياحية 9 GW ، خلال الـ 20 عاما المقبلة.
ويمكن للصين والسعودية تحقيق التكامل من بعضهما في المميزات، ولديهما آفاق واسعة للتعاون في مجالات الطاقة المتجددة. نحن على استعداد لتوسيع التعاون مع الأصدقاء السعوديين، في طريق توليد الطاقة مع توفير الموارد وحماية البيئة.

ألا ترى أن التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين السعودية والصين متواضع، باعتبار أن البلدين قوتين اقتصاديتين عالميا؟
في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقة الاقتصادية والتجارية بين الصين والسعودية تطورا مستقرا، ويتوسع نطاق التعاون باستمرار.
ووفقا لإحصاءات "الجمارك الصينية"، بلغ حجم التبادل التجاري إلى 60.435 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من 2013م، وشهد أيضا زيادة كبيرة في مبالغ العقود الجديدة في مشاريع المقاولات للشركات الصينية في المملكة.
مقارنة بنمو التجارة العالمية؛ لا شك أن حجم التبادل التجاري الصيني السعودي يرتفع بسرعة فائقة.
طبعا، كما ذكرتم، نظرا لأن كلاً من الصين والسعودية من أكثر الدول نموا اقتصاديا، لا تزال علاقاتهما الاقتصادية والتجارية تتمتع بالإمكانات الضخمة، التي تولي الحكومة الصينية اهتماما بالغا لها.
السعودية أحرزت إنجازات ملحوظة في اتخاذ استراتيجية للتنوع الاقتصادي في السنوات الأخيرة، وتجاوزت نسبة المساهمة في القطاعات غير النفطية للنمو الاقتصادي عما هو في القطاع النفطي.
ويمكن للبلدين التعاون في التنوع الاقتصادي بشكل أوسع وأعمق. على سبيل المثال في سلسلة صناعية لقطاع النفط والغاز: إن استثمار عشرة ملايين دولار يأتي بنتائج مختلفة في حلقات مختلفة، فيقدم فرصة عمل واحدة في حلقة التنقيب، وعشر فرص عمل في حلقة التكرير والتصفية وإنتاج المواد الكيمياوية، أما في الحلقة الأخيرة لصنع المنتجات البلاستيكية والمطاطية، فتوفر 200 فرصة عمل.
لذلك، على الطرفين مواصلة تعميق التعاون في المستقبل، على أساس الاستثمارات المشتركة الصينية السعودية في شركات التكرير. وفي مجال البنية التحتية السعودية، تشارك الشركات الصينية في المقاولات بعقد مشاريع كبيرة في كل نشاط، وتأتي بالتقنيات والخبرات الناجحة من الصين، بينما تلتزم بسياسة السعودة لتقديم فرص عمل أكثر محليا. الصين بَنَت عشرة آلاف كيلو مترات من خطوط سكك الحديدية عالية السرعة، وستبلغ خطوطها قبل نهاية العام الجاري 12 ألف كيلو متر، وهي الأطول في العالم.
كما تحتل الصين مقاما متقدما من حيث التقنيات وسرعة البناء في هذا الصدد. علما بأن السعودية وضعت الخطة الضخمة لبناء شبكة السكك الحديدية وترقيتها، ويمكن للطرفين تعزيز التعاون في هذا المجال.
ودخلت بعض الشركات الصينية الكبرى في قطاعات الاتصالات والسيارات والأجهزة المنزلية في سوق الشرق الأوسط. وسمعت أن كثيرا من حافلات "التنين الذهبي" التي صُنِعت في الصين تنقل الحجاج في المدينة المنورة، عندما زرتُ شركة للنقل العام السعودية في الشهر الماضي. إن الصين على استعداد لتبادل تجارب التنمية مع السعودية، وتشجيع شركات صينية ذات قدرة عالية وسمعة جيدة على الاستثمار والمشاركة في بناء المملكة، وتقديم المنتجات والخدمات ذات الجودة والتقنية العالية، بما يعزز ويعمق التعاون الثنائي.
ونحن ندفع بقوة من أجل إنشاء منطقة التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، وإنه لأمر مهم يسهم في التنمية الطويلة الأجل للعلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها السعودية. وهذا لا يدفع نمو تجارة السلع فحسب، بل يعزز الاستثمار المتبادل، ويدعم الاستفادة المتبادلة في التقنيات والإدارة، الأمر الذي سيدفع التعاون العملي بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين إلى مستوى جديد.
وفي هذا الصدد، أعجبني أن الحوار الاستراتيجي بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، المنعقد قبل فترة وجيزة في بكين، أكد ضرورة الإسراع باستئناف عملية المفاوضات حول إنشاء منطقة التجارة الحرة.
نحن على يقين أن مشاوراتنا يمكن تمديدها إلى مجالات الخدمات والمالية وغيرها في المستقبل، ما يقدم أكبر المنافع الملموسة لشعوب دول مجلس التعاون الخليجي والصين.

الأكثر قراءة