الحل .. تقوية الشبكة التلفزيونية لكسر شوكة الاحتكارات

الحل .. تقوية الشبكة التلفزيونية لكسر شوكة الاحتكارات

مارشال ماهر يعيث الفساد في أعمال الإعلام. يعتبر المسؤول التنفيذي للتسويق في مانهاتن، البالغ من العمر 38 عاماً، مشاهداً متعطشاً للتلفزيون، فهو من معجبي المسلسل الدرامي السياسي الأصلي "هاوس أوف كاردز" على شبكة نيتفليكس، ويواكب سلسلة "ترو ديتيكتيف" على شبكة HBO، كما يدعو برنامج الأخبار الأسبوعي على شبكة CBS، صباح الأحد، "كأنه موعد مقدس بالنسبة لي".
ماهر لم يدفع مقابل اشتراك التلفزيون التقليدي منذ عامين، فبعد الاشتراك بحزمة خدمة الفيديو من "تايم وورنر كيبل" لعدة أعوام، ألغى الاشتراك، ما أدى إلى تخفيض فاتورته من نحو 140 دولاراً شهرياً إلى 45 دولاراً فقط، يدفعها لمشغل الكيبل مقابل خدمة إنترنت عالية السرعة. في حين كانت شركة الكيبل تزوده بقنوات مثل CNN، والشبكة الرياضية ESPN وعشرات القنوات الأخرى كجزء من الحزمة الشهرية، خصص ماهر قائمة ببرامجه الخاصة، حيث أصبح قادراً على مشاهدة البرامج التي يريد أن يُشاهدها في الوقت الذي يرغب فيه بمشاهدتها باستخدام وسيلة الإعلام الرقمية "جوجل كرومكاست"، مقابل ثمانية دولارات شهرياً لاشتراك شبكة نيتفليكس، وخدمة بث أمازون برايم، وكلمة سر والديه لتطبيق HBO GO TV، إضافة إلى هوائي رقمي مجاني، للبث والتحميل عبر نظام "أوفر ذا اير".
يقول ماهر: "إن انتشار الخيارات قد بدأ للتو الوصول إلى نقطة الانقلاب. ويبدو أن هناك العديد من الأدوات التي يمكنك استخدامها لتجميع تجربة مماثلة أو حتى أفضل بدون كل الأمور الإضافية، فأنا أنسحب من نظام واهن".
ماهر ليس الشخص الوحيد الذي فعل ذلك، فخلال العامين الماضيين، ألغى نحو 1.4 مليون زبون اشتراكهم في خدمة الفيديو مع "تايم وورنر كيبل"، التي تعتبر ثاني أكبر مشغل كيبل في الولايات المتحدة.
والمزيد من الملايين ألغوا اشتراكهم بخدمات الفيديو مع مزودين آخرين. إن ما يسمى "التحويل من تكنولوجيا سلكية إلى لاسلكية"، إضافة إلى تحوّل أوسع في طريقة مشاهدة الناس للتلفزيون، يشكل تهديداً متزايداً لأسس صناعة الإعلام، حيث إنه يخلّ بتوازن القوى بين موزعي التلفزيون، والمُعدّين والمبرمجين والمشاهدين.
في الأسبوع الماضي، اتخذت شركة كومكاست، الرائدة في صناعة الكيبل، خطوة لاستمالة هذه القوة من جديد، حيث أعلنت عن صفقة بقيمة 45 مليار دولار للحصول على "تايم وورنر كيبل". إن الدمج بين اثنين من أكبر مشغلي الكيبل في الولايات المتحدة، من شأنه أن يؤدي إلى السيطرة على نحو ثُلث عدد زبائن خدمة الفيديو والنطاق العريض في البلاد. ومن المتوقع أن تواجه تدقيقاً تنظيمياً قوياً.
قد تساعد عملية الدمج مجموعة الكيبل على استعادة نفوذها على مُعدّي برامج التلفزيون، الذين شهدوا قيمة محتواهم ترتفع مع انتشار وسائل جديدة مثل نيتفليكس. كما ستمنحها أيضاً منصة وطنية لخلق منافس أقوى لنيتفليكس وأمازون، إضافة إلى المزيد من السيطرة على شبكات النطاق العريض التي تحتاجها خدمات البث عبر الإنترنت.
جميع الشركات تحارب لضمان حصتها في سوق التلفزيون الأمريكي البالغة 143 مليار دولار، وسوق التلفزيون العالمي البالغة 387 مليار دولار للوقت الحاضر والمستقبل. وعلى الأرجح فهذه التداعيات ستكون لها عواقب على ابتكار التلفزيون والإنترنت في الولايات المتحدة، التي ربما ستنتشر في أنحاء العالم كافة.
قال برايان روبرتس، الرئيس التنفيذي لشركة كومكاست، الأسبوع الماضي: "إن العالم يتغيّر بسرعة مع التكنولوجيا. لقد شهدنا ذلك على مدى الأعوام الـ 25 الماضية، حيث تعمل الآن على تسريع وتيرة هذا التغيير. لذلك ترغب شركتنا بالتطوّر والمساعدة على قيادة هذا التغيير. وأعتقد أننا في موقع فريد من نوعه لعمل هذا وللتسارع كذلك".
يخشى المدافعون عن المستهلكين من أن عملية الدمج بين شركتي كومكاست وتايم وورنر كيبل ستضع قوة كبيرة جداً فوق الحد، تحت سيطرة شركة واحدة. (تملك شركة كومكاست أيضاً مجموعة الترفيه، NBCUniversal). حيث يخشون من أن الشركة المندمجة قد تعمل على رفع أسعار خدمات الفيديو والنطاق العريض، وممارسة المزيد من السيطرة على شبكات التلفزيون وسرعات الاتصال بالإنترنت.
يتساءل المحللون ما إذا كانت الهيئات التنظيمية ستعطي موافقتها على الصفقة بحسب هيكلتها الحالية. هناك منذ الآن بعض المشرّعين الذين أعربوا عن أخذ الحيطة.
يقول عضو مجلس الشيوخ الأمريكي جون روكفلر، رئيس لجنة التجارة: "بالطبع، إن السؤال الفاصل يجب أن يكون ما إذا كان إنشاء قوة فيديو ونطاق عريض طاغية أكبر من أي وقت مضى، قد تؤدي إلى خيارات أكبر وأسعار أقل بالنسبة للزبائن. لكن حسب خبرتي بعمليات دمج سابقة بهذا الحجم، لم يكن الأمر كذلك".
عندما أسّس والد روبرتس، رالف روبرتس، الشركة في توبيلو في ولاية ميسيسيبي، عام 1963، كانت صناعة الكيبل تضم عشرات الآلاف من الامتيازات المحلية التي لم تتداخل. وكانت البنية التحتية التقنية المطلوبة لوضع الكوابل تعني أن مشغلي الكيبل، هم الجهة الوحيدة الموجودة في البلدة بالنسبة للأشخاص الذين يريدون الدفع مقابل اشتراكات التلفزيون.
من ثم تم توحيد صناعة الكيبل تدريجياً، فقد برزت شركة كومكاست باعتبارها الأكبر في هذا المجال، بجمعها نحو 22 مليون مشترك في خدمة الفيديو. شركات الكيبل احتفظت بوضعها الاحتكاري في المناطق المحلية، لذلك بالكاد كانت شركة كومكاست تنافس في نفس البلدات والمدن. على سبيل المثال، فإن شركتي كومكاست وتايم وورنر كيبل لا يعملان في أي من نفس المناطق المحلية، في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
هذه الصورة الحركية قد تغيّرت. تواجه شركات الكيبل الآن منافسة من مزودي الفضائيات، مثل شركتي ديش ودايركت تي في، وشركات الاتصالات، مثل فيرايزون وايه تي أند تي، التي تقدم الآن خدمة الفيديو. وفي نفس الوقت، تعاني شركات الكيبل من ارتفاع عمليات التحويل من تكنولوجيا سلكية إلى لاسلكية.
لقد كان التنافس عبارة عن نعمة بالنسبة لمُعدّي برامج التلفزيون، فكل خدمة تلفزيون جديدة تسعى لجذب الزبائن من خلال مجموعة برامج مُختارة أقوى من أي وقت مضى، الأمر الذي يزيد الطلب على محتوى يكون بجودة عالية. لذلك يبلغ مُعدّو البرامج الموزعين بضرورة دفع المبالغ المطلوبة بالكامل.
ووفقاً لشركة نومورا، فإن تكلفة المحتوى بالنسبة للموزعين ترتفع، حيث زادت 8.9 في المائة في جميع أنحاء صناعة الكيبل في الربع الثالث. وهذا ما يضغط على هوامش الربح لمشغلي الكيبل، الأمر الذي يرفع أسعار الاشتراك ويُشدد على النطاق العريض للاستمرار في النمو.
قال ليزلي موفيز، الرئيس التنفيذي لمجموعة الإعلام CBS: "إن هذا هو العصر الذهبي بالنسبة لشركات المحتوى التي لديها أفضل البرامج"، وكان قد أعلن الأسبوع الماضي أن أرباح المجموعة زادت 8 في المائة في عام 2013. هذا النمو القياسي كان مدفوعاً بـ صفقات البث الرقمي والتعاقد مع شركات دولية، من بين مصادر أخرى.
يشاهد الناس التلفزيون الآن أكثر من ذي قبل، لكن ليس فقط بجلوسهم على كنبة وحمل جهاز التحكم عن بُعد في أيديهم، فوفقاً لمجموعة نيلسن للمقاييس، يقضي الأمريكي العادي ما مجموعه 37.9 ساعة أسبوعياً - أو أكثر من يوم ونصف اليوم - لمشاهدة الفيديوهات على شاشات التلفزيون التقليدية، والإنترنت والهواتف الخلوية.
قال مونفيز: "الخبر السار هو أننا بدأنا للتو العثور على مجموعة طرق جديدة بالكامل، لتحويل برامجنا إلى سلع تباع وتشترى على منصات جديدة" مثل أمازون، ونيتفليكس وهولو. مزايا منصات الإنترنت الجديدة بالنسبة لمُعدّي برامج التلفزيون التقليديين تم توضيحها من خلال القرار الذي اتخذته مجموعة CBS عام 2009، حيث صدمت الشركة عالم الإعلام عندما سحبت دراما الجريمة الناجحة "دون أثر" من مجموعتها المختارة في وقت الذروة.
كان البرنامج، الذي يدور حول وحدة الأشخاص المفقودين، يجذب المشاهدين ويجني المال، لكن كانت تكاليف البرنامج، الذي كان في عامه الثامن في ذلك الوقت، نحو مليوني دولار للحلقة. وكانت مجموعة CBS تملك نصف البرنامج فقط، ما يعني أنها كانت تجني أموالاً أقل من بيع المسلسل إلى الخارج.
لذلك قامت مجموعة CBS بسحب مسلسل "دون أثر" وأدخلت مسلسل الدراما القانونية والسياسة الجديدة، "الزوجة الصالحة"، الذي يُكلف مليوني دولار فقط للحلقة، كما أن المجموعة كانت تملك 100 في المائة من البرنامج.
إذا تمكّن مسلسل "الزوجة الصالحة" من جذب تصنيفات مماثلة، فستكون تحت سيطرة المسؤولين التنفيذيين أصول أكثر ربحية من شأنها الاستمرار بتقديم عائدات لأعوام مقبلة.
النتيجة كانت أن الرهان أعطى ثماره، لكن بطُرق أكثر من تلك التي تخيّلها معظم المسؤولين التنفيذيين في التلفزيون عام 2009. في ذلك الوقت، كانت سوق الفيديو الرقمي قد بدأت للتو في الانطلاق، فقد أطلقت شركة نيتفليكس خدمة البث الخاصة بها، لكنها كانت تعتبر بشكل كبير كامتياز إضافي بالنسبة لمشتركي خدمة الـ DVD لديها. وكان لا يزال على شركة أمازون إطلاق خدمة بث منافسة. كذلك لم يكن الجهاز اللوحي آيباد من شركة أبل قد انطلق إلى السوق. اليوم، تجني مجموعة CBS الأموال من البرنامج الذي يُعرض على شاشات التلفزيون التقليدية وشبكة من الوسائل الرقمية. حيث يجذب برنامج "الزوجة الصالحة" ملايين المشاهدين كل أسبوع من خلال بثه على شاشات التلفزيون التقليدية. كما تبث المجموعة أيضاً البرنامج بواسطة تطبيقها على الهاتف الخلوي، وتعمل على بيع الحقوق إلى خدمات اشتراك الفيديو وعند الطلب، من ضمنها أمازون وهولو بلاس (وهي شبكة كيبل أساسية)، ومحطات بث محلية وموزعين دوليين.
قال جو لانيلو، كبير الإداريين التشغيليين في مجموعة CBS: "إن البرنامج الناجح بالنسبة لنا يستمر للأبد ويستمر بدفع الأرباح. إنه مثل كرة ثلج تتدحرج على التل".
الآن تحاول شركات الكيبل وموزعون آخرين منع كرة الثلج هذه من أن تتحول إلى انهيار ثلجي.
قال جون مالون من ليبرتي ميديا، الذي قاد موجة من الاندماجات في الثمانينيات والتسعينيات: "إن تاريخ تلك الأعمال مليء بحل الصناعة مشكلتها الخاصة بالبلقنة والحجم من خلال الجهود المشتركة. وأعتقد أنه يمكن ذلك الآن مرة أخرى". (علماً بأن شركة ليبرتي قد دعمت عرضاً من شركة تشارتر للاتصالات للحصول على شركة تايم وورنر كيبل، حتى تفوقت شركة كومكاست بالتفوق عليها في الأسبوع الماضي).
تاريخياً كان المُوزعون والمُعدّون لبرامج التلفزيون يعملون معاً لتعزيز نمو الصناعة، لكن مجموعات الكيبل ومُعدّي البرامج كانوا يخوضون معارك عامة متكررة على نحو متزايد بشأن ارتفاع أسعار المحتوى.
في الصيف الماضي، كانت نتيجة معركة بين شركتي تايم وورنر كيبل ومجموعة CBS هي إغلاق القناة لمدة شهر تقريباً عن ملايين الزبائن في نيويورك ولوس أنجلوس ودالاس، حيث خسرت شركة تايم وورنر كيبل 306 آلاف من زبائنها المنزليين لخدمة الفيديو البالغ عددهم 11.7 مليون. وقد كان ذلك واحداً من أكثر من 80 انقطاعاً للبث في العامين الماضيين. يقول تود جوينجر، وهو محلل لوسائل الإعلام في شركة بيرنستين للبحوث: "لقد وصل الأمر لذروته الآن". يقول التنفيذيون في الصناعة: إنه بإمكان شركات الكيبل الحصول على قوة مساومة أكبر بكثير مع مُعدّي برامج التلفزيون، إذا كانت لديهم بصمة شبه وطنية في الولايات المتحدة، مثلما يمكن أن يحدث في عملية دمج شركتي كومكاست وتايم وورنر كيبل، لكن التنفيذيين في شركة كومكاست قللوا من أهمية ذلك، عندما قالوا: إن "أقلية مميزة" فقط من مبالغ التوفير المتوقعة البالغة 1.5 مليار دولار ستنبُع من تكاليف البرامج.
أما بالنسبة للحجم، فقد يساعد الشركة أيضاً على تطوير تكنولوجيات تُنافس الرقمية، والفضائيات وشركات الهاتف - بالتالي وقف الزيادة في عمليات التحويل من تكنولوجيا سلكية إلى لاسلكية. تقدم شركة كومكاست الآن خدمة بث ستريمبيكس بسعر 4.99 دولار شهرياً، التي توفر وصولاً غير محدود لبرامج وأفلام تلفزيونية من خلال التلفزيون، والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية.
قال ريتش جرينفيلد من شركة BTIG للبحوث: "إنه ينبغي عليهم أن يكونوا قادرين على إنشاء منافس أكثر خطورة بكثير" لكن جرينفيلد يحذر من أن الهيئات التنظيمية قد تسعى للحد من قدرة شركة كومكاست على التنافس مع منافسين مثل شركات نيتفليكس وأمازون برايم. يشعر الذين تحولوا من التكنولوجيا السلكية إلى اللاسلكية بالقلق من أن صفقة شركتي كومكاست وتايم وورنر كيبل ستؤدي إلى أسعار أعلى، وخيارات أقل وخدمة زبائن سيئة، لأن شركتي كومكاست وتايم وارنر كيبل تتمتعان بسمعة تقديم خدمات ضعيفة، فكلتاهما تحتل أدنى مرتبات التصنيف في دراسات رضا الزبائن.
ويضيف ماهر: "عندما تندمج شركتان عملاقتان، لا سيما هاتين، لا أعتقد أن الأمر له علاقة بتقديم برامج أفضل وأكثر كفاءة للزبائن".

الأكثر قراءة