بعودة «نيوزويك» للصدور .. الصحافة الورقية لا تتوقف
عندما بثت وكالات الأنباء قرار مجلة "نيوزويك" الأمريكية بالعودة مجددا إلى نسختها الورقية، علق موقع بست دايلي الإخباري على الشبكة العنكبوتية على تلك الخطوة بعنوان رئيسي "العائدون من الموت"، بينما كتب عدد من الصحفيين البريطانيين تعليقا تحت "عدنا منتصرين".
وبين من يعتبرون أن عصر الصحافة الورقية ولى لصالح الصحافة الرقمية، وبين من يعتقدون أن الأصل لا يذهب أبدا، صراع محتدم في عالم الإعلام في السنوات الأخيرة، وقد أسفر الصراع والمنافسة المحتدمة عن انسحاب العديد من المطبوعات الورقية الدولية والإقليمية من عالم الأوراق لعالم "الديجيتال"، والسبب باختصار قناعتها بأن المستقبل "للإلكتروني" وأن عوائد الإعلانات المتراجعة في الصحافة المكتوبة تدفع لهذا التحول.
ومجلة نيوزويك واحدة من تلك المطبوعات الدولية التي قررت في كانون الأول (ديسمبر) 2012 القطع مع تاريخ مديد من الصحافة الورقية يبلغ 80 عاما، ونقل نشاطها كليا إلى عالم الإنترنت بعد أن بيعت لشركة IBT Media الإخبارية للنشر الإلكتروني، وكان المبرر الذي ساقته الشركة في ذلك الوقت انخفاض عوائد الإعلانات وسعي القراء للحصول على الأخبار من الإنترنت.
فيما تبرر شركة IBT التغيير الجديد الذي طرأ على موقفها بالقول إنها لن تعتمد بشكل كبير على مداخيل وعوائد الإعلانات، وإنما على الاشتراكات حيث سيبلغ سعر النسخة الجديدة 8 دولارات أمريكية.
ويعلق لـ "الاقتصادية" الصحفي البريطاني في صحيفة الفاينانشال تايمز توماس كريج قائلا، إن الصراع بين الصحافة الرقمية والمطبوعة صراع اقتصادي في الأساس، والرهان السابق وخاصة في أمريكا أن الصحافة الرقمية في طريقها لسحق الصحف والمجلات الورقية، وأن مداخيل الإعلانات ستتحول لصالح مواقع الإنترنت الإخبارية، مضيفاً أننا الآن ربما نقف على أعتاب تحول معاكس، تتعزز فيه الصحافة المكتوبة، وهذا لا يعود بالطبع لأي أسباب عاطفية، وإنما لواقع ملموس وعوامل اقتصادية بشكل صرف، فقبل يومين أعلنت رابطة الصحف الأمريكية أن الاستقصاء الذي أجرته في 150 سوقا إعلاميا في أمريكا كشف عن أن نصف المتابعين للأخبار لا يزالون يحصلون على وجبتهم الإخبارية من الصحافة الورقية فقط وليس من المواقع الإخبارية، و7 في المائة من العينة فقط أشاروا إلى أنهم يقرأون صحيفتهم اليومية عبر الإنترنت، و3 في المائة يقومون بذلك عبر هاتفهم المحمول، و15 في المائة فقط من متابعي الصحف المحلية يقومون بذلك عبر عالم "الديجيتال".
وكانت مجلة نيوزويك قد ظهرت في الأسواق للمرة الأولى في السابع من شباط (فبراير) عام 1933، ووزعت في أوج عنفوانها 3.3 مليون نسخة أسبوعيا، لكنها وكالعديد من المطبوعات الورقية منيت بخسائر كبيرة في السنوات الأخيرة نتيجة انحسار عدد القراء ومن ثم الإعلانات.
وباعت مجلة واشنطن بوست التي كانت تمتلك مجلة النيوزويك لرجل الأعمال سيدني هارمان عام 2010، وقد أدمجها هارمان مع مجلته الإلكترونية ديلي بيست قبل بيعها إلى IBT العام الماضي.
وتقول لـ "الاقتصادية" الدكتورة ماري ديفيد أستاذة الإعلام في جامعة ساوس، أنه ربما يكون أكبر انتصار حققته الصحافة الورقية بعودة النيوزويك، هو أن قرار العودة اتخذ من قبل شركة IBT التي تعمل في مجال الإعلام الرقمي، وهذا نصر معنوي كبير للصحافة المكتوبة لأنه إقرار مباشر بأنها لا تزال تحظى بشعبية كبيرة على عكس ما يروج له، والأهم أن القيمين على IBT هم في الثلاثينات من العمر، أي الجيل الذي تأثر بعالم الإنترنت والصحافة الرقمية أكثر من الصحافة المطبوعة وعلى الرغم من ذلك اتخذوا هذا القرار.
وأضافت أن واقع سوق الإعلانات يشير إلى أن الإعلانات في المواقع الإخبارية الرقمية قد ارتفعت ولكنها لم تنم بالسرعة التي كانت تتوقعها الشركات المسؤولة عن تلك المواقع الإخبارية على الشبكة العنكبوتية، والنتيجة أن العديد من تلك الشركات تفكر جديا في العودة من جديد للصحافة المطبوعة لجذب الإعلانات.
وإذ تعلم نيوزويك أن الانفراد الصحفي هو سر وجوهر نجاح أي مطبوعة في العالم سواء كانت ورقية أو رقمية، فإنها قررت أن تعود إلى عالم الورق "بخبطة صحفية" من الطراز الرفيع ألا وهي الكشف عن مؤسس عملة بيتكوين، فالغلاف الخارجي للمجلة يحمل رسما لقناع أبيض على خلفية سوداء وكتب تحته "وجه بيتكوين"، وفي الداخل تقرير مدعوم بالصور لـ" ساتوشي ناكاماتو" الذي تقول المجلة إنه مؤسس العملة الإلكترونية المشفرة الأوسع انتشارا في العالم والذي تبلغ ثروته المليارات.
وكانت بيتكوين العملة الإلكترونية بلغت قيمتها 17 دولارا أمريكي قبل انهيارها إثر قيام مجموعة من القراصنة الإلكترونيين باختراق موقع متخصص بتبادل العملة وإغراق الشبكة العنكبوتية بوحدات مسروقة منها جعل قيمتها تساوي الصفر تقريبا.
ويعتقد البعض أن هذه البداية المثيرة صحفيا للمجلة تؤكد أن حجر الأساس الذي ميز نيوزويك عن غيرها من المجلات وهو قصة الغلاف المثيرة للجدل تظل كما هي، ففي مقابلة صحفية على مدار ساعتين مع وكالة أسوشييتد برس نفى "ساتوشي ناكوماتو" أي علاقة له بعملة الـ "بيتكوين" مؤكدا أنه لم يسمع عنها إلا أخيرا.
ومع هذا فإن المجلة ستواجه تحديات كبيرة في عالم اليوم، فالعصر الذهبي لها ارتبط بشبكة دولية من المكاتب والمراسلين في جميع أنحاء العالم، ولكنها في السنوات الأخيرة قامت بإغلاق معظم هذه المكاتب، وإذا لم تستعد لذلك فإنه ليس بالضرورة أن تفشل ولكنها ستفقد سمة التميز التي طبعتها.
ومع هذا فإن مجلة نيوزويك ستعود بطبعتين إحداهما لأمريكا والأخرى لأوروبا ولن يزيد عدد النسخ المطبوعة على 70 ألف نسخة، ويعلق ريتشارد اديس رئيس تحرير الطبعة الأوروبية على الشكل الصحفي للنيوزويك في حلتها الجديدة بالقول " لن يكون هدفنا جمع أخبار العالم، بالطريقة ذاتها التي يعمل بها منافستنا التاريخية مجلة TIME ولن نكون مثل الإيكونوميست، باختصار سيكون لدينا كتاب جيدون يقومون بإعداد تقارير جيدة بصور جيدة".