المسرح النسائي السعودي .. حضور «الوعظ» وغياب «الصوت والصورة»

المسرح النسائي السعودي .. حضور «الوعظ» وغياب «الصوت والصورة»
المسرح النسائي السعودي .. حضور «الوعظ» وغياب «الصوت والصورة»
المسرح النسائي السعودي .. حضور «الوعظ» وغياب «الصوت والصورة»
المسرح النسائي السعودي .. حضور «الوعظ» وغياب «الصوت والصورة»

المتتبع تاريخيًا وجغرافيًا لمصطلح "المسرح النسائي" وعلاقته بالمسرح عموما والمسرح "الكلاسيكي" خصوصا يعلم أنه ليس مصطلحًا حديثًا، مختصًا بمنطقة دون الأخرى، أو بثقافة معينة أو بحقبة زمنية محددة.

فقد تم تداوله وممارسته تاريخيا، في الغرب وفي الشرق، لأسباب عديدة، منها ما كان بدافع من وضع المرأة الاجتماعي والثقافي، ومنها أيضًا ما كان لمناقشة قضايا محددة؛ نسوية صرفة، أو أُسرية اجتماعية.

كل هذه التباينات التاريخية تدعونا لاستجلاء الأمر محليًا، فكانت هذه التساؤلات التي تجمع بين ما هو ثقافي نقدي وما هو مؤسساتي إجرائي، لتسليط الضوء، بشكل أكبر، على هذا المسرح، تحديدًا، والقائمين عليه.

مسرح الاجتهادات الفردية

تقول روضة عبد رب النبي صاحبة فرقة قبس المسرحية، للأسف لا يوجد مسرح نسائي بالمنطقة الشرقية بدليل عدم الاعتراف به رسمياً من قبل وزارة الثقافة والإعلام، كما لا توجد حركة مسرحية نسائية قادرة على أن تفيد عجلة المسرح كمادة ثقافية.

وتضيف، الجهد الذي نبذله نحن كفريق ما هو إلا اجتهاد شخصي نابع من إيماننا أولا بأهمية المسرح كمادة ثقافية وترفيهية تخدم قضايا المجتمع، والشيء الثاني هو حبنا للفن والمسرح الذي يدفعنا إلى السعي وراء البحث والمعرفة والتطوير بكل ما نملكه من أدوات عملية وخبرات من شأنها أن تطور من موهبتنا وميولنا الفنية.

وتشير إلى أن أغلبية الأعمال المسرحية التي قدمتها فرقة "قبس" كانت قضايا اجتماعية تهتم بقضايا المراة والطفل وتقدم في محافل ومناسبات تختص في هذا الجانب.

وتنوّه عبد رب النبي التي بدأت مشوارها المسرحي من خلال مسرح الطفل في رياض الأطفال؛ حيث كانت مربية لأكثر من عشر سنوات، قدّمت مسرحيات تعليمية وعروضا خاصة بالطفل، إلى حين انضمامها إلى جمعية العطاء النسائية ثم استقرارها بتأسيس فرقة خاصة بها، وتذكر أنها ما زالت تتطلع لاحتضان المواهب والطاقات من الأطفال والشابات لتقديم كل ما لدى المنطقة من مواهب في هذا المجال ولنكسر حاجز الخوف من عدم الرفض لخوض التجارب الفنية في مجتمع ما زالت تحكمه الأعراف والتقاليد في أدق شؤون حياته العملية.

وتواصل: "لم تقتصر الأعمال التي قدمناها سابقاً مع فرقة "قبس" على شريحة الأطفال، بل كان طموحنا أن تحتضن كل الطاقات الموجودة من الشابات التي تكون لديهن موهبة التمثيل؛ لذا قدمنا الكثير من العروض النسائية باسم الفرقة ومن بينها مسرحية "عصوم المراخة" و"المعنفات"، و"قل للشامتين" والكثير من العروض الاستعراضية والمشاهد القصيرة. تمكنا من دخول مسابقة الطفل المسرحي في عام 2010 و 2011 التي أقيمت في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون فرع الدمام وكنا أبطالها عن فئة 7 و12 عاماً".

مسرح لكل القضايا

أما المُخرجة صابحة الحسن فتقول عن تجربتها: بدأت أولى خطواتي نحو المسرح في الملتقى النسائي الأول بلجنة التنمية الاجتماعية في سنابس، وكانت عبارة عن فكرة تحولت بعدها إلى واقعٍ سعيتُ من خلاله لتأسيس فرقة مسرحية نسائية بحته.

وتتابع الحسن، كانت مسرحية "أصحاب كوول 2008" دراما كوميديا، ناقشت مشاكل الفتيات، بعيدة عن الوعظ؛ حيث اعتمدت في كتابة النص على طريقة تفكيرهن لا تفكيري، وما يجول في أذهانهن لتصل الفكرة بشكلٍ سريع وصحيح.

وعن المعوقات الذاتية التي واجهت الحسن وجعلتها تتراجع في السنوات الأخيرة من تقديم العروض المسرحية، هو صعوبة تشكيل فرقة والمحافظة عليها كلما لزم الأمر، نظراً لعدم توافر المكان المناسب لتدرّيب الممثلات، إلى جانب التكلفة الباهظة للأعمال ومايرافقها من مستلزمات كالملابس، والديكور، والصوتيات، والإضاءة، والمكياج، وبالمقابل فإن المسرح لا يدر مالاً وربحاً يغطي على الأقل التكلفة الأساسية.

وتضيف، ما يزال المجتمع والدولة متحفظة بخصوص فكرة وجود مسرح نسائي خاص، وأكثر ما يؤلم للأسف أنك لا تستطيع توثيق أعمالك بالصوت والصورة، بحكم العادات والتقاليد، وهذا ما يبخص العمل حقه، وفي كل مرة تحتاجين للعرض لا بد من تجميع الفرقة من جديد لإعادة العرض، وهذا مالا أستطيع عمله، وذلك يعني أن العمل يُعرض لمرة واحدة أو مرتين، لاختلاف ظروف الكثيرات في كل مرة، كما لا يوجد إغراءات أو تحفيز لإعادة العمل من جديد.

وتؤكد الحسن، أن غياب الدعم المادي الرسمي للمسرح النسائي وتمويله، من أكبر العوائق التي تواجههن، مضيقةً: لا يوجد مكان خاص للعرض المسرحي النسائي في المنطقة. أيضاً لا يوجد دعم مادي أو تمويل معين لمثل هذه المشاريع وإن كان المسرح النسائي يعدُّ مشروعاً فعلاً.

#3#

وعن الشريحة المستهدفة في أعمالها المسرحية، تبين أن كل شرائح المجتمع مستهدفة ومعنية، مُنوّهة إلى أنها تتطلع إلى أن يكون هناك مسرح راقٍ جداً يقدم الكوميديا الهادفة لا كوميديا النقد الهازل؛ والمفردات النظيفة بعيداً عن الهزل لمجرد إضحاك الجمهور دون الوصول إلى لب القضية المطروحة.

وفي الوقت نفسه تشير إلى أنها لم ترَ حتى الآن من أعمال مسرحية ما يرقى إلى كلمة "مسرح نسائي"، بالطبع ليس انتقاصًا لأعمال زميلاتي على خشبة المسرح، ولكن مقارنة مع المسرح الرجالي، والسبب يعود في ذلك إلى أنهن لم يعطين الفرصة والإمكانات ذاتها التي تعطى في المسرح الرجالي.

وتواصل: أنا متأكدة وكلي ثقة في المرأة أنها لو أعطيت زمام هذا الموضوع لأبدعت ولا غرابة في ذلك؛ فالمرأة السعودية أبدعت في جميع المجالات، ورغم الإمكانات القليلة فهي ما زالت مبدعة في هذا المجال؛ فهي من يكتب النص، ومن يشرف على عملية الإخراج وما يرافقها من إضاءة وديكور.

فيما نرى في كل مكان في العالم أن كاتب النص شخص والمخرج شخص آخر أيضاً، وقليل جداً أن يقوم شخص بأكثر من عمل، وهذا من واقع تجربتي الشخصية طبعا وتجربة زميلاتي في المجال نفسه؛ وهذا يتطلب جهداً كبيراً.

وتشدّد على أن المسرح النسائي في الشرقية، لم يكن لخدمة قضايا المرأة فحسب؛ بل هو لكل قضايا المجتمع، ومن أبرز القضايا التي تناولناها، القضية الاجتماعية التي كانت تؤرقني كثيراً في ذلك الوقت، وأحببت طرحها بتعزيز جانب الفضيلة بعيداً عن الوعظ، مسرحية "أصحاب كوول" التي ناقشت العلاقة التي تنشأ بين الفتاة والشاب عن طريق "الشبكة العنكبوتية" الإنترنت وخطر أصحاب السوء على الفرد، كما ركزتُ على العلاقة الأسرية والفتاة، وأهمية تعزيز الثقة بين الطرفين، كما ناقشت غلاء المهور والتصرفات الخاطئة من الطرفين فترة الخطوبة.

وتزيد، أما مسرحية "كوتشينة" في مهرجان الدوخلة ناقشت عدة قضايا منها الدجل والشعوذة وما يترتب عليهما من مخاطر وعن العائلة بشكل كبير وغياب الأب والأم.

وعلاقة الجيران ببعضهم البعض وتأثيرهم سواء كان بالإيجاب أو السلب، إلى جانب المسرحية التأريخية "شاطئ الأحرار"، التي عُرضت على مسرح فجر الإسلام، بجزيرة تاروت، وهي مسرحية اعتمدت على القصائد من تأليف الشاعر والكاتب جميل الحبيب، وناقشت دور المرأة في صدر الإسلام.

وصابحة الحسن- ممرضة - دخلت عالم المسرح والمشاهد التمثيلية لغرض التثقيف الصحي عن العدوى والتدخين والإسعافات الأولية، تحزن أشد الحزن عندما تتذكر أعمالها المسرحية غير الموثقة بالصورة والصوت.

مسرحان .. وعظي ورسمي

#2#

أما الناقد المسرحي عباس الحايك، فقسّم المسرح النسائي في محافظة القطيف إلى قسمين، قائلاً: هناك شكلان من أشكال المسرح النسائي أولهما الديني، وأعتقد رصده صعباً كونه غير موثق، أما الآخر المسرح الرسمي، وأيضاً للأسف فهو غير موجود، لندرة الأعمال المسرحية، ومنها مسرحية "حريمكو" التي عُرضت على مسرح مركز التنمية الاجتماعية بمحافظة القطيف من تأليف خديجة عجاج، وإخراج ماهر الغانم، إلى جانب أن حركة المسرح النسائي غير واضحة بل هي تجارب فردية، ويحتاج الدعم والإيمان بقدراتهم.

ويؤكد الحايك أن المسرح النسائي في محافظة القطيف تجاوز العادات والتقاليد؛ ولكنه ظل مقيداً بقيود المنبر، مشيراً إلى أن المسرح الديني في المحافظة بدأ من تسعينيات القرن الماضي، وهو تكرار وفقاً لما جاءت به كُتب التاريخ.

ويقول الحايك، اطلعت على بعض النصوص، ولاحظت أنها ملتزمة تاريخياً، وميل شديد إلى الوعظ أكثر من كونها نصوصاً تعالج قضايا مختلفة، للأسف تحول إلى منبر آخر، وأعتقد أن "المسرح الديني" موجود فقط في القطيف والأحساء وغائب عن المجتمعات الأخرى.

ويؤكد أن المسرح لديه قيم جمالية تفوق الوعظ المباشر؛ فـ"المسرح بطبيعته يقدم رسالة معينة بعضها يختارها مباشرة، ولكن الأفضل أن تكون رسالة تقدم في إطار جمالي فني".

#4#

ويشير إلى أن المسرح يمكنه أن يقدم للمرأة وحتى للرجل وعياً بحقوقه وواجباته يمكنه أن يضيء للناس طريقاً جديدة فقط إذا آمن المسرحيون والدولة والمجتمع بأهمية المسرح.

ونوّه إلى أن محافظة القطيف والمنطقة الشرقية بشكلٍ عام تفتقر إلى وجود مسرح حقيقي على عكس مدينة الرياض؛ فهو نشط جداً؛ وحسب ما قرأت عن طريق الإعلام؛ فهو جيد، كما قدمتُ ثلاث نصوص مسرحية نسائية هناك، في الوقت الذي كنتُ أدعو إلى حركة مسرحية نسائية في القطيف.

وبيَّن أن المسرح النسائي ركز على القضايا النسائية مع بعض القضايا الاجتماعية العامة؛ كقضية ذوي الاحتياجات الخاصة، أما الديني فهو تناول قضايا دينية بحتة وهي عامة لا تخص قضايا النساء؛ لكن المسرحيات النسائية الاجتماعية تطرح القضايا النسائية على الأغلب وتطعمها بقضايا عامة.

ويشدد على أن غياب المرأة عن المسرح نابع من العادات والتقاليد؛ فلا يوجد نظام يمنع، ولكن هناك عادات تضغط ضد وجودها، كما كانت تضغط ضد دراستها وعملها وقيادتها للسيارة.

ويرى الحايك أن الأمر يحتاج للوقت والشجاعة من المسرحيين لرفع الصوت ضد هذه العادات التي تحولت لقانون عرفي، وأنا لا أجد فرقاً بين وجودها في العمل كونها ممثلة تلفزيون وصحافية ومذيعة، وكاشيرة؛ فلِمَ لا تكون مسرحية..؟

كما رأى أن الخروج من هذا المأزق هو قرار رسمي يفتح المجال للمرأة للمشاركة مع الرجل لتمارس دورها؛ ككاتبة ومخرجة وممثلة ولا بأس في وجود مسرح نسائي يمكن للجميع مشاهدته للتعرف والوقوف على قضايا المرأة، كل هذا ضمن إطار المسموح به شرعاً في السعودية.

الأكثر قراءة