عودة الثقة تحفز دخول مزيد من الأفراد إلى سوق الأسهم

أكثر من ثمانية أعوامٍ مضت على ذكرى انهيار السوق المالية السعودية في 26 شباط (فبراير) 2006، واجه خلالها أكثر من 4.2 مليون مستثمر تقلّبات عاصفة، تم الحديث عنها كثيراً وتحليل تطوراتها المتعاقبة وفقاً للعديد من المتغيرات التي أثّرتْ في السوق المالية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط.
المؤكد في ضوء تلك الفترة الطويلة أن السوق المالية تضررتْ كثيراً أثناء الانهيار الكبير الذي تعرضت له نهاية الربع الأول من عام 2006، نتيجةً للصدمات السريعة التي سددتها الأجهزة المعنية آنذاك "هيئة السوق المالية، مؤسسة النقد العربي السعودي"، سرعان ما اكتوت بالصدمة الثانية مسببة لها انهياراً ثانياً مطلع عام 2008، ولكن هذه المرة لعبت مؤسسة النقد العربي السعودي الدور الأكبر في الإطاحة بمكاسب السوق المالية التي تحققت لها طوال النصف الثاني من عام 2007، وذلك عقب قراراتها المتشددة على السيولة المحلية عبر رفع أسعار الريبو والريفيرس ريبو، إضافة إلى رفعها لمعدلات الاحتياطيات النظامية على الودائع تحت الطلب والثابتة، كل ذلك بهدف الحد من التضخم الذي انفرطت أشواكه بصورة غير مسبوقة في الاقتصاد المحلي. ثم أتت الضربة الثالثة التي كان عنفها مقارباً لعنف الضربة الأولى، ولكن هذه المرة أتت من خارج الحدود، نتيجة اشتعال فتيل الأزمة المالية العالمية، خلال الربع الأخير من عام 2008.
عانتْ كثيراً السوق المالية المحلية طوال تلك الفترة من تلك التطورات السلبية، وانتقلت آثارها بصورة مضاعفة على ثقة المستثمرين في السوق، انسحبت بوقائعها المريرة على انسحاب عشرات الآلاف منهم من السوق، لتخرج عشرات المليارات من الريالات إما إلى السوق العقارية، لتنعش موجات من المضاربة في مجال المتاجرة بالأراضي، ترك آثاره السلبية على الاقتصاد الوطني ودخل الأفراد، وجزء من تلك السيولة الهاربة خرج خارج الحدود، وعلى الرغم من سلبية هذا الخروج، إلا أنه ينطبق عليها القول الدارج "رب ضارة نافعة"، ذلك أنها لو تبعت السيولة التي تسربت نحو المضاربات المحمومة في السوق العقارية، لكان الاقتصاد الوطني قد شهد موجاتٍ أعنف في السوق العقارية ممثلة في ارتفاعات أكبر وأخطر مما شهده.

ماذا يجري في السوق المالية الآن؟
الإجابة عن هذا السؤال تتطلّب دراسة تفصيلية مستقلة، ولكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى أهم ما يمكن قوله في هذا التقرير المعد على وجه العجلة.
نعلم أن اقتصادنا يعاني ضيق قنوات الاستثمار المحلية، على الرغم من العدد اللا محدود من الفرص الاستثمارية المجدية، ولهذا تفسيره قياساً على السمات الأساسية التي يتسم بها اقتصادنا المحلي، ويمكنك القول عنها أنّها مشكلات أو تحديات أكثر من كونها مجرّد سمات فقط! أولاً: تواجه بيئة الاستثمار المحلية، وتحديداً قضايا تأسيس وإنشاء المشروعات التجارية والصناعية والخدماتية، الكثير من المعوقات التي لم يطرأ على التخفيف من حدّتها الكثير من الإنجاز أو التسهيل، فلا تزال تواجه تلك المشروعات خاصة الصغرى والمتوسطة منها الكثير من التحديات، لعل من أهمّها جانب التمويل، الذي يشكّل بالنسبة لها العنصر الأهم. أما بالنسبة للمنشآت الأكبر والعملاقة، فلا بد من الإشارة هنا إلى ما تقوم به من دور مثبط في المجمل من جانب السياسات الاقتصادية والمالية والتجارية وسوق العمل، إضافة إلى عدم الانسجام بينها، الذي ترك بدوره آثاراً غير مشجعة على بيئة الاستثمار المحلية أمام رؤوس الأموال الوطنية.
ولا يجدر هنا المقارنة مع الاستثمار الأجنبي، الذي تدفقت خزائنه حتى فاقت الـ 800 مليار ريال بنهاية العام الماضي، كون تلك الاستثمارات من خارج الحدود رأت في الدعم المقدم على مصادر الطاقة عاملاً إيجابياً بالنسبة لها يفوق أي عوامل سلبية أخرى، هذا عدا ما وجدته من دعمٍ استثنائي قدمته الهيئة العامة للاستثمار الأجنبي، دفع في وقت مضى إلى إلغاء حتى المنافسة مع رأس المال الوطني، وهو ما تقوم الآن الهيئة بمعالجته بعد أن اكتشفتْ فداحة أخطائه الجسيمة.
ثانياً: أمام ما تقدم، لم يعد أمام رؤوس الأموال الوطنية إلا خياران؛ إما الخروج إلى خارج الحدود، أو التوغل في حمى المضاربات "السوق المالية، السوق العقارية" التي لا عائد اقتصادي منها على الإطلاق، بل على العكس قد تراها تلحق أشد الأضرار بالاقتصاد والمجتمع على حدّ سواء، كما شهدناه في الفقاعة الكبرى للسوق المالية 2003-2006، أو ما نشهده في الوقت الراهن من فقاعة أشد ضرراً في السوق العقارية.
أمام التحركات الجادة التي أعلنت عنها الحكومة منذ منتصف 2011، وبدأت تظهر بقوة أكبر من بعد منتصف العام الماضي، التي استهدفت معالجة أوجه الخلل والقصور الذي تعانيه السوق العقارية، وما تركته من آثار سلبية ومؤلمة على دخل الفرد، بدأتْ السيولة المضاربية تنسحب تدريجياً من أروقة السوق العقارية، ومن ثم بدأت في البحث عن بدائل إما محلية أو خارجية! وهو ما بدا جلياً من مراقبة تحركات السيولة المحلية ضمن النشرات الشهرية التي تصدر بانتظامٍ من مؤسسة النقد العربي السعودي، فعدا النمو القوي للسيولة الذي عاد ليطفو فوق 13 في المائة منذ ثلاثة أعوام، فقد عاد صافي الأصول الأجنبية لدى المصارف المحلية إلى الارتفاع الكبير طوال العامين الماضيين، حتى بلغ بنهاية كانون الثاني (يناير) الماضي من هذا العام أكثر من 141.7 مليار ريال، مؤكداً خروج جزءٍ ملموس من السيولة للخارج، وفي الوقت ذاته فضّلتْ السيولة المتبقية محلياً خوض التجربة مرةً أخرى في السوق المالية، شجعها على ذلك الانخفاض الكبير في مستويات أسعار الأصول المدرجة، زاد من قناعاتها بجدوى الاستثمار فيها عدد كبير من العوامل والمؤشرات الأساسية سآتي على ذكرها بعد قليل، وهو ما يفسّر زيادة حجم وقيم التداول في السوق طوال الأشهر القليلة الماضية.
نضج كل من مؤشرات السوق المالية وخبرة المستثمرين زيادة في إيضاح ما انتهى إليه الجزء السابق، أقول إن السوق المالية المحلية أظهرتْ تحسناً ملموساً على مستوى مؤشراتها الأساسية كافة، فها هي تنهي عامها الخامس على التوالي من نمو أرباح الشركات المساهمة المدرجة، أسهم بدوره في رفع جاذبية الأصول المحققة لها، سواء على عبر انخفاض مكررات الأرباح، أو عبر انخفاض مضاعف القيم السوقية للأصول نسبة إلى القيم الدفترية، بل إنّها بالمقارنة مع العديد من الأسواق الإقليمية والناشئة والعالمية، تعتبر ضمن أدنى المستويات، وهو ما يعيدها كفرصة استثمارية تجتذب شهية المستثمرين محلياً وخارجياً.
لهذا؛ طالما أن الارتفاعات في قيم الأصول المتداولة محكومة بمعايير ومؤشرات الربحية، وعدم تضخمها كما سبق أن حدث قبل نحو ثمانية أعوام، فإنّ شهية المستثمر الفطن والخبير ستظل مهتمة جداً بالاستفادة من تلك الفرص، وكما يتبين فمكرر أرباح السوق في الوقت الراهن يقع فوق الـ 16 مكررا، الذي يعد ضمن أدنى مكررات الأسواق المالية حول العالم، كما يدعم توقعات المستثمرين للفترة المقبلة؛ إذ إن السوق المالية لديها فرصتين لتعظيم أرباحها والنمو بها، الأولى: النمو المستمر في أرباح الشركات المدرجة، إضافةً إلى بدء تحقيق العديد من الشركات التي أدرجت في وقتٍ سابق وكانت تحت التأسيس، أقول إنّها بدأت في تحقيق أرباحٍ تشغيلية، يتوقع أن تنمو بدورها بصورةٍ أسرع من الشركات الأقدم، وكل هذا يصب في مصلحة ربحية السوق على مستوى أكبر.
الفرصة الثانية: أن السوق المالية المحلية موعودة بإدراج عدد من الشركات العملاقة العاملة أصلاً، لعل من أهمها البنك الأهلي التجاري، الذي يتوقع أن يضيف وحده فقط أكثر من سبعة مليارات ريال سنوياً "أرباح السوق في الوقت الراهن 103.3 مليار ريال"، وهذا بدوره يفتح المجال أمام السوق المالية لمزيدٍ من الارتفاع المبرر والمقبول، كونه يستند إلى نمو ربحية فعلية مصدرها الشركات، وهو ما يقنع المستثمرين المجربين بجدوى الاستثمار في أصولٍ لديها أرباح تتحقق، وتنمو عاماً بعد عام.

#2#

#3#

#4#

#5#

إذاً حتى الآن؛ يمكن القول إن الصعود والمكاسب التي تحققت للسوق خلال الفترة الأخيرة لها ما يبررها على المستوى الأساسي اقتصادياً ومالياً، وإنّ أي تراجعاتٍ تصحيحية قد تطرأ على أداء المؤشر؛ وهو أمر وارد ومحتمل بصورة قريبة، قياساً على تشبع السوق بعمليات الشراء القوية، أؤكد أنه سيكون أمراً صحياً للسوق المالية، سيتيح الفرصة مجدداً لدخول مزيد من السيولة الاستثمارية التي فاتها رحلة الصعود القصيرة الماضية، وهذا الأمر تحديداً قد يهم المضاربين أكثر من المستثمرين طويلي الأجل، كون الفئة الأخيرة تستند إلى أرضٍ صلبة تقوم على مراقبتها للمؤشرات الاقتصادية عموماً والمالية الأساسية حسب كل شركة مستهدفة، وطالما أنّها تتركّز في المنطقة الإيجابية وفق منظوره كما هو قائم الآن ومتوقع مستقبلاً، فلن يطرأ على قراراته الاستراتيجية أي شيء يذكر في الأجل المنظور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي