أسباب أزمة الرواتب
لم يفاجئني تقديم 700 موظف في المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة استقالاتهم خلال عام واحد. هذه الاستقالات هي النتيجة الحتمية لعدم مرونة أنظمة الرواتب والبدلات التي تعتمدها وزارة الخدمة المدنية والتأمينات الاجتماعية وبرامج التشغيل المختلفة التي تديرها القطاعات الحكومية وتسيطر على مفاصلها وزارة المالية.
لعل أوضح الأمثلة على تدني الأجور مقارنة بالخدمات المقدمة هو حال برامج التشغيل التي تنفذها القطاعات الطبية سواء في وزارة الصحة أو الوزارات الأخرى. أعرف طبيباً استشارياً حصل على زمالات من كندا والولايات المتحدة، واجه إشكالية قبول مستواه المهني الذي حصل عليه من أعرق الجامعات ومارسه في مستشفياتها. اشترط البرنامج أن يبقى الطبيب على وظيفة إخصائي لفترة ومن ثم يمكن ترقيته.
ترك الطبيب البرنامج الذي منحه راتباً لا يتجاوز 25 ألف ريال، ورفض عرض أحد المستشفيات الخاصة الذي وصل إلى 55 ألف ريال، وذهب بشهاداته وخبرته إلى كندا، حيث يعمل براتب يتجاوز 120 ألف ريال، بعد خصم الضرائب. هنا تتضح الرؤية حول تأثير هذا الجمود في مستقبل الخدمات المقدمة للمواطن.
لا بد أن تراقب وزارات المالية والخدمة المدنية والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية حال السوق والتغيرات التي تؤدي إلى تسرب الموظفين من القطاع العام، لأن في ذلك خسارة لكفاءات ومهارات، بذلت الجهات الحكومية أموالاً وسنين في تكوينها. رواتب الأطباء والمهندسين والقانونيين والمحاسبين والإداريين هي قمة الجبل الجليدي.
تحديد الأجور منظومة متكاملة تعتمد على التأهيل والخبرات والمجال والندرة، ولا بد أن تتفاعل مع نسبة التضخم، وهو أمر لا تهتم له هذه الجهات على الأقل حسبما يبدو من تجميد للرواتب والبدلات والعلاوات والترقيات المستحقة.
أضيف هنا أنه ليس من المجدي تبني تصريحات صحفية تخالف الواقع، وتؤثر في مصداقية الجهة. أعلنت وزارة الخدمة المدنية عن علاوات سنوية لموظفي المراتب من التاسعة فما دون والعاشرة فما فوق.
الواقع أنه ليس هناك تغيير على السياسة العامة والأنظمة التي اعتمدتها الوزارة، علمت ذلك قبل أن أقرأ الخبر. تأكدت بعد قراءة الخبر أنه من النوع الذي يذهب بك إلى الماء لتعود عطشان. ليس هناك أي تغيير، وإنما تأكيد للتعليمات السابقة التي عفا عليها الدهر، وتسهم في تسرب الكفاءات من كل قطاعات الدولة.