1.7 تريليون دولار خسائر أوروبا من التهرب الضريبي
تحتل قضية التهرب الضريبي أهمية خاصة لبلدان الاتحاد الأوروبي، إذ تقفز بعض التقديرات بالقيمة الإجمالية التي تخسرها بلدان الاتحاد من جراء الغش والتهرب الضريبي لنحو 1.7 تريليون دولار سنويا أي ما يمثل سبعة أضعاف ميزانية 28 دولة أوروبية أعضاء في التكتل الأوروبي. وأخيرا وبعد طول انتظار وجهود حثيثة من بريطانيا، تخلت كل من لوكسمبورج والنمسا على الاعتراضات المطروحة من قبلهما بشأن توقيع اتفاقية للاتحاد الأوروبي تعزز من قدرة الحكومات بشكل كبير وعلى نطاق واسع في التصدي للغش الضريبي.
الموافقة التي منحتها النمسا ولوكسمبورج لم تأت مجانا، فقد حصل البلدان على ضمانات كانا يسعيان إليها، وهي ألا يؤثر هذا القانون في الحسابات المصرفية لرجال الأعمال الدوليين والمحليين وودائعهم في مصارف البلدين.
يعتمد جوهر القانون المقترح على التبادل التلقائي للمعلومات الخاصة بالحسابات المصرفية بين البلدان الأوروبية، وقد ظل القانون حبيسا لأدراج الاتحاد الأوروبي لمدة ست سنوات من جراء الخلافات حول مدى تأثيره في سرية الحسابات المصرفية، وإمكانية أن يؤدي القانون إلى تحول أموال المودعين من مصارف الاتحاد إلى دول أوروبية أخرى مثل سويسرا.
لكن بروكسل مقر الاتحاد الأوروبي أكدت للدول المعترضة على القانون من داخل الاتحاد أنها ستوقع اتفاقا مماثلا مع سويسرا وأربعة بلدان أوروبية أخرى من خارج الاتحاد بنهاية العام الراهن، وهو ما سيمنع سويسرا وتلك الدول من التمتع بأي مزايا نسبية تضعف من قابلية وقدرة المصارف في بلدان مثل لوكسمبورج والنمسا من الاحتفاظ برؤوس الأموال الأجنبية.
ولـ "الاقتصادية" يعلق وليم نيل الخبير الضريبي في الهيئة الملكية للإيرادات والجمارك البريطانية قائلا إن الموافقة على هذا القانون ستقلص إمكانات الغش الضريبي في 28 دولة أوروبية، إذ سيكون متاحا الآن للهيئات الضريبية في بلدان الاتحاد وللمرة الأولى تبادل المعلومات المصرفية فيما يتعلق بالحسابات المالية.
وأشار نيل إلى أن الاتحاد الأوروبي يخسر سنويا نحو 850 مليار يورو من جراء الغش الضريبي، وهذه الاتفاقية لن تقضي عليه تماما ولكنها ستقلصه بمعدلات ضخمة للغاية، بحيث يمكن الاستفادة من تلك الأموال في تقديم المزيد من الخدمات للمواطنين أو تقديم مساعدات مالية للبلدان الفقيرة.
ترحيب المسؤولين والاقتصاديين في بريطانيا من تمرير الاتفاق الأوروبي على مكافحة الغش الضريبي لم يمنعهم من تنبيه مواطنيهم بأن هذا لن يؤدي بالضرورة إلى زيادة العائدات الضريبية للمملكة المتحدة، خاصة من قبل الشركات الدولية إذ يمكن لهذه الشركات أن تلتزم بدفع الضرائب في بلدها.
ويشير الدكتور ديفيد شنكر أستاذ مبادئ علم الاقتصاد في جامعة لندن لـ "الاقتصادية"، إلى أن الخطر لا يكمن فقط في المبالغ التي تخسرها بلدان الاتحاد من جراء التهرب أو الغش الضريبي، ولكن هناك زاويتين تمثلان مشكلة حقيقية وترتبط أكثر بما يسمي في علم الاقتصاد الحديث "النموذج"، فالعديد من بلدان الاتحاد وفي مقدمتها بريطانيا لها مناطق تسمى "ملاذات آمنة" والشركات الدولية تلجأ إليها لتجنب دفع الضرائب، ومن ثم فإن تلك تعد "نماذج اقتصادية" لا بد من التصدي لها.
والجانب الآخر للمشكلة بحسب ديفيد شنكر هو أن العديد أيضا من "النماذج" وأعني هنا شخصيات تؤثر في الرأي العام الأوروبي والعالمي تتهرب أو تغش ضريبيا، وهذا يعطي انطباعا بأن النظام القانوني والاقتصادي الأوروبي به العديد من الثغرات. وكان ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني قد حث كل حكومات الدول التابعة للتاج البريطاني، على إجراء إصلاحات سريعة لقوانين الضرائب لتتماشى مع المعايير الدولية.
ومن المتوقع ألا تقف دول الاتحاد الأوروبي عند حدود تلك الاتفاقية لمواجهة الغش الضريبي، إذ يرجح أن تطور سياسات جديدة للتعامل مع هذه الظاهرة، مثل تأسيس لائحة سوداء للمصارف والدول التي تساعد في التهرب من الضرائب، إضافة إلى تنظيم إجراءات قضائية ضد من يمارسون هذه الأفعال.
وصرح اليجرداز سيميتا مفوض الاتحاد الأوروبي لصحيفة "فاينانشيال تايمز" تعليقا على موافقة لوكسمبورغ والنمسا على الاتفاقية بالقول إن سويسرا وأربع دول أوروبية أخرى تقبل الآن بالتبادل التلقائي للمعلومات، باعتبار أن ذلك في صميم علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، ولم يكن من الممكن تصور هذا الاتفاق قبل عام، وهذا يظهر مدى ما وصلنا إليه من تغيير في العقليات عالميا لمكافحة التهرب الضريبي.
وحول تداعيات هذا الاتفاق على العالم العربي والأنظمة المصرفية العاملة به يعلق لـ "الاقتصادية" الدكتور أحمد منصور المستشار المالي في مجموعة PWC للاستثمار، بأنه يصعب وضع تصور نهائي للكيفية التي سينعكس فيها الاتفاق الأوروبي على الأنظمة المصرفية في العالم العربي، لكن من المرجح أن تتأثر المصارف الأوروبية العاملة في الشرق الأوسط ليس بالاتفاقية، وإنما بالاتجاه العام لفكرة تبادل المعلومات المصرفية، والجانب الأهم أنه على الأمد الطويل يمكن أن يتحول الأمر من اتفاقية بين بلدان الاتحاد الأوروبي إلى اتفاقية دولية، وهنا سيكون حتما على المصارف العاملة في العالم العربي الالتزام بها لأنها جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة العالمية.