الشركات العائلية وسوسة النخيل الحمراء

أُقيم قبل أيام ملتقيان حول حوكمة الشركات العائلية، الأول بمدينة الرياض في يوم الأربعاء 30 نيسان (أبريل)، والثاني بمدينة الدمام في يوم الخميس 1 أيار (مايو) 2014م، فمن فوائد تلك الملتقيات الوقوف على آخر المستجدات وكذلك التعرف على طموحات وهموم المهتمين بهذا الموضوع، وسيقدم هذا المقال بتعريف بسيط للحوكمة مع بيان أهميتها والوضع الراهن للشركات العائلية بالمملكة، ومن ثم سيلخص أهم ما طُرح في ملتقى الرياض والدمام، وأخيراً سينوه بالخطوات التي ينبغي اتخاذها في المرحلة القادمة.

التعريف:
حوكمة الشركة العائلية هي عبارة عن منظومة شاملة ثقافية وإدارية يتم بناؤها ضمن حدود الشركة العائلية، وتهدف إلى حفظ أصول ومنجزات الشركة العائلية من سوسة الفساد الإداري والمالي التي قد تضر بكيانها الاقتصادي "الشركة" وكيانها الاجتماعي "العائلة".

الأهمية:
يمكن تشبيه الشركة العائلية بالنخلة التي يستنفع منها صاحبها وعائلته ومجتمعه، فمتى أُصيبت النخلة بداء سوسة النخيل الحمراء، فإن تلك السوسة تنخر جوف النخلة بهدوء ودون أن يشعر بها أحد، وفجأة تتهاوى النخلة مهما علت وطاب ثمرها، ولا تقف الخسارة حينئذٍ على صاحب النخلة وعائلته والمجتمع المنتفع بتلك النخلة، ولكن الخسارة قد تتعدى إلى النخل المجاور حيث ستكون تلك النخلة مركزا موبوءا لنشر السوس والإضرار بالمجتمع، وبالمثل فإن الشركة العائلية معرضة للإصابة بسوسة بمثل خطورة سوسة النخيل الحمراء وهي سوسة الفساد الإداري والمالي، وإنّ أنجع علاج حالي لمحاربتها والوقاية منها هو في تطبيق منظومة الحوكمة للشركات العائلية.

الوضع الراهن:
ونحن الآن في المملكة العربية السعودية قد تعدينا مرحلة الجدل فيما إذا كانت بعض الشركات العائلية قد أُصيبت بسوسة الفساد أم لم تُصب، فالسوسة فعلاً قد دخلت المجتمع السعودي، ومسلسل التهاوي بين الشركات العائلية قد بدأ، وما بعض الاختلافات التي تظهر بين مُلاك الشركات العائلية من الجيل الثاني أو الثالث سواءً وصلت أو لم تصل إلى المحاكم السعودية إلا إحدى نتائج الفساد الإداري الذي ينبثق عادةً من رحم سلطة مطلقة ومحاباة في بعض الشركات العائلية في ظل نقص المعرفة وغياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة، ما حدا بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ـــ حفظه الله ـــ إلى إصدار أمر سام في منتصف شهر ذي القعدة من عام 1433 هـ بإعادة افتتاح المركز الوطني للمنشآت العائلية بمجلس الغرف السعودية بالرياض وبالعمل على فتح مركز للمنشآت العائلية في كل غرفة تجارية صناعية بالمملكة لوقف انهيارات الشركات العائلية التي تضر بُملاكها وبالاقتصاد الوطني، وكذلك لمساعدتها على تحقيق تنمية مستدامة لها وللاقتصاد الوطني في الوقت نفسه.

ملخص ملتقى الرياض وملتقى الدمام:
الواقع أن هناك جهودا مشكورة بُذلت وتُبذل من جهات عدة مثل وزارة التجارة والغرف السعودية وهيئة سوق المال لدعم تطبيق حوكمة الشركات العائلية مثل تسهيل القانون المتعلق بتحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة مقفلة وعامة، وكذلك تنفيذ الأمر السامي بفتح مراكز للمنشآت العائلية بالغرف التجارية الصناعية، ووضع ميثاق استرشادي للشركات العائلية، وكذلك إقامة ندوات توعوية بهذا الخصوص مثل ملتقيي الرياض والدمام واللذين أقيما قبل أيام، ونتيجة لتلك الجهود المباركة فقد زاد الوعي بأهمية حوكمة الشركات العائلية ومفهومها بين شرائح المجتمع وخصوصا بين مُلاك الشركات العائلية، ولكن من خلال الملتقيين اتضح أن تطبيق الحوكمة كواقع ملموس يبقى ضعيفاً لدى الشركات العائلية السعودية لعدة أسباب يمكن تلخيصها من أقوال متحدثي الملتقيين ونقاشات الحضور في عشر نقاط رئيسة:
1. الاعتقاد أن الشركات العائلية الكبيرة هي التي بحاجة إلى تطبيق الحوكمة بينما تنتفي تلك الحاجة لدى الشركات العائلية المتوسطة والصغيرة، بمعنى أن هناك اعتقادا بأن المزارع الكبيرة هي من تصاب بسوسة النخيل الحمراء وأن المزارع المتوسطة والصغيرة محمية من هذه السوسة.
2. المطالبة بعمل دراسة على الشركات الأجنبية والمستحوذة على قرابة 80 في المائة من المشاريع العملاقة بالمملكة للتأكد من ممارساتها داخل المملكة، وأنها تطبق السياسات التي تحارب الفساد حتى لا تتضرر الشركات العائلية الوطنية ومن ثم يتضرر الاقتصاد السعودي، بمعنى التأكد من خلو النخيل المستورد من سوسة النخيل الحمراء حتى لا ينقل الداء ويضر بالنخيل المحلي.
3. التأكيد أن الحوكمة لا يمكن النظر إليها كثوب مستورد ذي مقاس واحد يناسب الجميع، ولكن يجب أن تُفصّل الحوكمة بما يناسب البيئة السعودية والعائلة التي ستطبقها، فمن المعلوم مثلاً أن الشعب السعودي أكثر عاطفة من الشعوب الغربية، وهذا لا يعتبر نقطة سلبية، ولكن يجب أن تُأخذ بعين الاعتبار عند تطبيق الحوكمة.
4. سيطرة الشركات الاستشارية الأجنبية على سوق تطبيق حوكمة الشركات العائلية، وقلة عدد المكاتب الوطنية المتخصصة في ذلك.
5. التنويه بأن المشكلة الأساسية في المملكة ليست في وضع الأنظمة والقوانين بل في كيفية تحويل تلك الأنظمة إلى واقع ملموس، بمعنى كيف يمكن تحويل الحوكمة من نظام أو ميثاق إلى ممارسة مقبولة وتلقائية.
6. الدعوة إلى مساعدة الشركات والمؤسسات الصغيرة والحديثة على أن تتبنى وتزرع ثقافة الحوكمة من البداية حتى تسهل عليها ممارستها بشكل طبيعي وتلقائي، لأن بناء الحوكمة في الصغر أسهل وأرجى من الكبر.
7. التوجس من أن التكاليف المالية المتعلقة بتطبيق مبادئ الحوكمة وتدريب أفراد العائلة والموظفين على أفضل ممارسات الحوكمة قد لا تشجع عائلات الأعمال على الإقدام على هذه الخطوة، ولذلك تتطلع الشركات العائلية إلى دعم حكومي في هذا الشأن.
8. وجود عدة صور ذهنية متعلقة بالمرأة، والأصغر سناً، وأزواج الأخوات، والإخوان من أب، وزوجات الأب قد توجد عوائق ثقافية نحو تطبيق الحوكمة، وعلى النقيض من هذا فإن بعض الشركات العائلية المحلية التي طبقت الحوكمة شعرت بتحسن في العلاقات الأسرية والزوجية لأنها تخلصت من بعض تلك الصور الذهنية.
9. وجود صور ذهنية لدى من يتحكمون الآن بالشركات العائلية بعدم جاهزية الجيل القادم لإدارة وملكية تلك الشركات من حيث القدرات والشغف والصبر.
10. تخوف عائلات الأعمال من أن الحوكمة قد تفتح أبواب الخلافات بين أفراد العائلة لأن هناك شعورا بأن الجيل الحالي والجيل القادم يحملان وجهات نظر مختلفة.

خطوات المرحلة القادمة:
بلا شك أن الشركات العائلية السعودية سواء كانت كبيرة أم صغيرة في حاجة ماسة للحوكمة لسببين أساسيين، الأول أنها لقاح ضد سوسة الفساد الإداري والمالي التي قد تلحق الضرر الكبير بالشركة العائلية من الداخل وتجعلها عرضة للانهيار السريع، والثاني تطبيق الحوكمة هو عبارة عن شهادة صحية بخلو الشركة العائلية من الأمراض المُعدية والتي عاجلاً أم آجلاً ستكون متطلب أساسي للتعامل معها سواءً كان في السوق المحلي أو العالمي، لأن هناك أصواتا محلية ودولية متصاعدة من قبل المستثمرين والمقرضين والعملاء والموردين والموظفين والهيئات الحكومية وغير الحكومية بعدم التعامل مع الشركات التي لا تطبق مبادئ الحوكمة بسبب الأضرار التي قد تلحقها بالمتعاملين معها، وكذلك بالاقتصاد سواء كان محلياً أو عالمياً، وعليه فإن المرحلة القادمة تتطلب خطوتين أساسيتين للتقدم في عملية تطبيق حوكمة الشركات العائلية بالمملكة العربية السعودية:
• الخطوة الأولى: عمل دراسة معمقة لتحليل مشاكل وتحديات تطبيق حوكمة الشركات العائلية في مجتمع الأعمال السعودي، ووضع حلول وبرامج عملية لتفعيل تطبيق الحوكمة، لأنه دون تحليل منظم وشامل يشخص واقع واحتياجات الأعمال العائلية السعودية بدقة ويرسم صورة واضحة للمشهد، فإن التقدم سيكون عشوائياً وبطيئاً، وستقل حينئذٍ احتمالية فرص نجاح تطبيق الحوكمة.
• الخطوة الثانية: بناء كوادر وطنية من مختلف التخصصات ومن الجنسين لمراعاة احتياجات رجال وسيدات وشباب وشابات الأعمال في مجال إدارة الأعمال العائلية، لأن النهضة الحقيقية للشركات العائلية وقدرتها على المنافسة هي عملية مستدامة وليست مشروعا يحتاج إلى مقاول أجنبي مؤقت، ولذلك لا يمكن الوصول إلى تلك التنمية الحقيقية والمحافظة عليها في المدى البعيد إلا من خلال أن تُستنبت وتُرعى بأيادٍ وطنية مستقرة.

* أكاديمي ومتخصص في الإدارة
الاستراتيجية والأعمال العائلية
[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي