«الصحة العالمية»: ارتفاع الإصابة بـ «كورونا» في السعودية نتيجة إهمال
قال الدكتور كيجي فوكودا الأمين العام المساعد للأمن الصحي في منظمة الصحة العالمية، إن فريقا من المنظمة لا يزال يراجع ويدقق في البيانات التي حصل عليها من وزارة الصحة السعودية. لكن يبدو من الواضح أن التغير الحديث في السياسة بخصوص من الذي يجب أن يخضع لاختبار فيروس كورونا -وليس فقط الناس المرضى، وإنما حتى الأشخاص الذين يبدو أنهم من الأصحاء من الذين كانوا على اتصال بأشخاص آخرين يحتمل إصابتهم- هذا التغير يعمل أيضاً على تضخيم عدد الإصابات في المملكة. هذا التغير في الاختبار يؤدي إلى التعرف على أعداد كبيرة من الناس المصابين ولكن الذين لديهم أعراض خفيفة أو لا توجد لديهم أعراض.
وأوضح الدكتور كيجي في مقابلة أمس نشرها عدد من الصحف الأوروبية، أن فريقا من مختصي المنظمة عاد في الفترة الأخيرة من المملكة، قام بجولة في عدد من المستشفيات في مدينة جدة، وهي من المدن التي يوجد فيها الفيروس بصورة خاصة في الفترة الحالية. وما شاهده الفريق يشير إلى حالات من الإهمال، وهو ما سمح للفيروس بالانتشار بين المرضى وبين العاملين في الرعاية الصحية. مشددا على أن الارتفاع الكبير في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا خلال الأسابيع الخمسة الماضية يبدو أن سببه إلى حد كبير هو المشكلات في ممارسات السيطرة على العدوى في بعض المستشفيات السعودية.
واعترف فوكودا بأن فريق المنظمة لقي تعاوناً طيباً من المسؤولين السعوديين، الذين ألقي عليهم اللوم في السابق لرفضهم مشاركة ما لديهم من معلومات من أجل متابعة أنواع الدراسات اللازمة لمعرفة كيف يصاب الناس بالعدوى من الفيروس الجديد.
وقال كيجي فوكودا الذي يعمل منذ أيلول (سبتمبر) 2010 في منظمة الصحة العالمية في المقابلة، إنه بعد جولة في عدد من المستشفيات في جدة: "من الأشياء التي نستطيع أن نستنتجها هو أن ممارسات السيطرة على العدوى لم تكن على خير ما يرام وهي بحاجة إلى التحسين". وأضاف فوكودا أن الأمر الذي يبعث على التشجيع في هذا المقام هو أنه إذا تحسنت ممارسات ضبط العدوى فإن ذلك سيساعد النظام الصحي السعودي على ضبط انتشار الفيروس في المستشفيات.
يشار إلى أن الإجراءات الصارمة التي اتخذت للتصدي لفيروس سارس في عام 2003، وهو فيروس للتناذر التنفسي يأتي من نفس عائلة الفيروس الشرق أوسطي، كانت حاسمة في إيقاف انتشار الفيروس. وقال إن إجراءات الضبط الجيدة استطاعت الحؤول دون انتشار فيروس كورونا في المستشفيات في الأحساء عام 2013.
يذكر أن الزيادة الحادة في عدد الإصابات في السعودية منذ بداية نيسان (أبريل) أثارت من جديد المخاوف من أن فيروس كورونا "ميرس" MERS يمكن أن يكون في مسار مماثل لفيروس سارس، الذي ينتشر أيضاً بقوة في المستشفيات. وفي حالة الفيروس سارس، الذين أصيب به تقريباً 8500 شخص، كان نحو 20 في المائة منهم من العاملين في الرعاية الصحية، وكان الأشخاص الموجودون في المستشفى نتيجة أمراض أخرى يشكلون أيضاً نسبة لا يستهان بها من مرضى سارس. وإن كثيرا من حالات الإصابة في الفترة الأخيرة في السعودية تعرض لها أناس دخلوا المستشفى للعلاج من مشكلة أخرى ثم أصابتهم العدوى أثناء إقامتهم في المستشفى.
وأقر فوكودا بأن "كثيراً من الناس يشعرون بالقلق والتخوف من أنه من الممكن أننا نمر بسيناريو شبيه بمسار الفيروس سارس".
وأضاف: "أعتقد أن الأمر الجيد بالنسبة لفيروس سارس وفيروس كورونا ميرس هو أن هناك أدلة كبيرة للغاية بأن السيطرة على العدوى عند المستوى السليم تستطيع فعلاً أن توقف انتشار المرض في المستشفيات".
ويتصاعد عدد الإصابات يوميا، وأحياناً عدة مرات في اليوم الواحد. حيث ذكرت وزارة الصحة السعودية على موقعها الإلكتروني الأربعاء الماضي أن هناك 28 إصابة جديدة وست وفيات. وبنهاية اليوم، ارتفع عدد الحالات في المملكة من الإصابات ليصل إلى 449 إصابة و121 حالة وفاة، أي نحو 80 في المائة من الإجمالي. لكن من المرجح أن هذه الأرقام أصبحت قديمة الآن. رغم هذه التفسيرات التي تبين أسباب الارتفاع في عدد الحالات، يقول فوكودا إنه يبدو من الصحيح أيضاً أنه كانت هناك زيادة في حالات الإصابة بالفيروس في المجتمع المحلي، بين أناس لا يعتقد أنهم أصيبوا في المستشفيات. ولا يزال من غير المعروف حالياً السبب وراء هذا الارتفاع، الذي ربما يكون موسمياً.
وتراقب منظمة الصحية العالمية عن كثب أنماط الإصابة في المجتمع المحلي، حيث تريد أن تعلم ما إذا كان هناك أي دليل على أن فيروس كورونا ميرس أصبح أقدر على الانتقال من شخص إلى شخص. يقول فوكودا إنه حتى الآن "ليس هناك دليل على ذلك".
حين بدأت أرقام الإصابات ترتفع في نيسان (أبريل)، أُعفي وزير الصحة من منصبه وحل محله وزير العمل. وهذا التغيير في القيادة في وزارة الصحة أدى كما يبدو إلى تغيير في الموقف من تبادل المعلومات واستعداد المملكة لطلب المساعدة من منظمة الصحة العالمية.
ويقول فوكودا: "أعتقد أن هذا الارتفاع الكبير جعل فعلاً وزارة الصحة والمسؤولين السعوديين مدركين تماماً أنهم لا يسيطرون على الموقف سيطرة تامة، وأنه لا بد لهم من تحسين إجراءات ضبط العدوى، وأن عليهم بذل المزيد من الجهود في التحقيقات التي تجري هناك".
وأضاف: "وأعتقد أنهم مدركون تماماً مدى القلق الذي تشعر به البلدان الأخرى، وهم يعلمون مقدار القلق الذي يشعر به الجميع، وأعتقد أنهم يبذلون جهوداً قوية من أجل تحسين جميع هذه المجالات".
وكان مجرد الارتفاع الحاد في عدد الحالات وحده كافياً للفت انتباه مسؤولي الصحة العامة في البلدان الأخرى عالمياً. لكن يضاف إلى ذلك حقيقة أن السعودية والإمارات -التي تعاني أيضاً قفزة لا يستهان بها في الإصابات، وإن لم تكن بالدرجة نفسها- كانتا تصدران حالات الإصابة بفيروس كورونا.
وفي الفترة الأخيرة ذكرت كل من الفلبين والأردن ومصر واليونان أنه تم تشخيص بعض الإصابات من فيروس كورونا لدى أشخاص قدموا من السعودية أو الإمارات. الجمعة الماضي أعلنت الإمارات أنها وجدت أول حالة للإصابة بفيروس كورونا، وكانت لمواطن أمريكي يعيش ويعمل في قطاع الرعاية الصحية في الرياض. وحيث إن رمضان سيحل بعد سبعة أسابيع فقط، فإن هذا التذكير باحتمالات الإصابة جاء في وقته. وحيث إن شهر الصيام يعتبر موسماً يكثر فيه أداء العمرة، فإن هناك مخاوف من الأعداد الكبيرة. وقال فوكودا إن منظمة الصحة العالمية ناقشت الاحتمال المهم في العدد الكبير من المعتمرين الذين سيزورون المملكة في رمضان. وأضاف: "إن السعوديين مدركون تماماً أهمية هذه المواضيع".
"وعليه فإنهم مدركون تماماً أن عليهم أن يضمنوا أن الآتين لأداء المناسك والمغادرين لا يشكلون أي خطر للمعتمرين الآخرين، أو يعملون على نشر العدوى في بقية العالم. وأعتقد أنهم على وعي تام بهذا الأمر، وهم يتعاملون معه بمنتهى الإحساس بالمسؤولية".
وأضاف: "لكنه وضع صعب، لأن الناس تريد أداء المناسك والتعبد. وهذه الأمور مهمة للغاية لعدد كبير جداً من الناس. بالتالي الموازنة بين العوامل المختلفة تتطلب تفكيراً جادا ونقاشاً قويا حول كيفية تحقيق التوازن المطلوب. وأنا متأكد من أن السعوديين يبذلون أقصى ما في وسعهم ولا يألون جهداً في محاولة التوصل إلى التوازن المطلوب".