2.4 تريليون دولار قيمة الأصول «الرديئة» لمصارف أوروبا

2.4 تريليون دولار قيمة الأصول «الرديئة» لمصارف أوروبا

بإعلان بنك باركليز البريطاني قبل أيام عن إنشاء "بنك سيئ" لإدارة ما قيمته نحو 115 مليار جنيه استرليني من "الأصول الرديئة"، سلط الضوء من جديد على ملف أوروبي لم يغلق.
الملف يرتبط بالأصول الرديئة والديون المتعثرة للبنوك الأوروبية. فالقضية التي اعتبرت أبرز أسباب الأزمة المالية التي انفجرت عام 2008، لا تزال حتى الآن بلا حل جذري، بل في عرف العديد من رجال البنوك والاقتصاديين تتصاعد حدتها.
لا توجد حتى الآن بيانات رسمية قاطعة حول القيمة الإجمالية للأصول الرديئة للبنوك الأوروبية، إلا أن التقديرات المتاحة لمراكز الأبحاث المعنية بهذه القضية تشير إلى أن الأصول الرديئة المتراكمة تتزايد منذ انفجار الأزمة المالية العالمية. وتدنت قيمة هذه الأصول بشكل هائل عقب أواخر عام 2008 نظرا لعدم رغبة أحد في شرائها.
ففي عام 2008 وقبل اندلاع الأزمة المالية بشهور، بلغت قيمة الديون المتعثرة للبنوك الأوروبية قرابة 500 مليار دولار، ومنذ هذا الوقت وحتى الآن قفز الرقم إلى 2.4 تريليون دولار أمريكي، بينما تقيمها بعض المصادر الصحفية المعنية بهذا الملف بـ2.5 تريليون دولار.
وترجع هذه الزيادة الضخمة إلى بلوغ بلدان مثل إسبانيا وإيرلندا وإيطاليا واليونان حافة الانهيار الاقتصادي، وتحديداً القطاع المصرفي لديها. ودفع ذلك بالعديد من مؤسسات الإقراض المالي الأوروبية بل والحكومات (إسبانيا وإيرلندا) إلى التوجه لإنشاء ما بات يعرف بـ"البنوك السيئة" وتنحصر مسؤوليتها في إدارة تلك الأصول الرديئة بالتخلص منها بأعلى عائد ممكن تحقيقه.
ولـ"الاقتصادية" يعلق الدكتور نيك توم الاستشاري في رويال بنك أوف سكوتلاند قائلاً: " الأصول الرديئة أو السامة تمثل عائقاً يجذب البنوك إلى أسفل، ويمنعها من تحقيق معدلات نمو مرتفعة، ولذلك لا بد من التخلص منها، ولدينا تجربة ناجحة في بريطانيا بهذا الشأن، فبنك لويدز ورويال بنك أوف سكوتلاند حققا معدلات نمو إيجابية خلال الربع الأول من العام الراهن بمجرد النجاح في تخفيف الديون المتعثرة عبر التخلص من الأصول الرديئة." ويضيف: "إجمالي الأصول البنكية لدى المصارف الأوروبية يبلغ 45 ترليون دولار، والديون المتعثرة تصل إلى نحو ترليوني دولار، ولهذا أعتقد أنها مشكلة ولكن يمكن السيطرة عليها."
وتمتد أزمة الأصول الرديئة إلى جميع الدول الأوروبية بصرف النظر عن معدلات النمو فيها، بل قد تبدو المفاجأة الكبرى أن أكبر الاقتصادات الأوروبية هي ألمانيا وهي الأكثر أيضاً التصاقاً بهذه المشكلة إذ تجاوزت قيمة الديون المتعثرة لديها 500 مليار دولار. بينما وصلت في إيطاليا إلى 160 مليار يورو وسط توقعات بأن ترتفع خلال العامين المقبلين إلى 200 مليار يورو.
ويعتبر الدكتور فيرليفيرمنتل أستاذ مادة النقود والبنوك في جامعة دارهام أنه كلما زاد معدل النمو والانتعاش الاقتصادي كان النظام المصرفي معرضاً أكثر للوقوع في فخ الديون المتعثرة. ولـ"الاقتصادية" يقول: "معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة تخلق شعوراً عاماً لدى المستثمرين بأن الوقت ملائم للاستثمار، ويتواكب ذلك غالباً مع قناعات بنكية مرحبة بالإفراط في سياسة الإقراض لدعم الاستثمار، ومن ثم ترتفع معدلات الإقراض البنكي، وينسى الجميع طبيعة الدورة الاقتصادية للنظام الرأسمالي، فمعدلات النمو المرتفعة لا يمكن أن تستمر للأبد، وبمجرد الدخول في مرحلة الركود، فإن المستثمرين يعجزون عن سداد ديونهم، وبدلاً من أن تكون الأنظمة المصرفية جاهزة لضخ الأموال في النظام الاقتصادي لوقف التدهور، تقع في مشكلة افتقاد القدرة المالية والسيولة اللازمة بسبب عجز المستثمرين عن سداد ما عليهم من ديون، وهنا تظهر مشكلة الديون المتعثرة أو "الأصول الرديئة".
ويضيف: "المخرج الوحيد هو تدخل الدولة لدعم المصارف التي تبلغ فيها الديون الرديئة مستويات تهدد بإفلاسها، والحل الثاني التخلص السريع من الديون المتعثرة حتى يستطيع النظام المصرفي امتلاك سيولة مالية".
وكانت بعض الحكومات الأوروبية وفي إطار جهودها للتصدي لتلك المشكلة، قد وضعت سقفاً للبنوك فيما يتعلق بالديون المتعثرة، بحيث يتم إنشاء (بنك سيئ) بمجرد ملامسة هذا السقف للتعامل مع الأصول الرديئة، وأعلنت مدريد أن الحد الأقصى للديون المتعثرة لأي بنك إسباني 118 مليار دولار أمريكي.
بينما سعت بنوك أخرى إلى مواجهة المشكلة عبر الاندماج مع بعضها إضافة إلى شركاء دوليين كما فعل كل من يونيكريديت وانتيسا سان باولو، وهما أكبر مقرضين في إيطاليا، إذ اندمج مع شركة الأسهم الخاصة الأمريكية كولبرجكرافيس روبرتس، في مسعى للتصدي لمشكلة الأصول الرديئة، ومحاولة التخلص منها بطريقة مربحة تمكنهم من زيادة السيولة المالية للأطراف المشاركة في الاندماج.
إلا أن الخطوة الإيطالية وهي نموذج غير مسبوق في إدارة الديون المتعثرة انتقدت من قبل بعض الاقتصاديين البريطانيين. ففي تصريحات لصحيفة الفاينانشيال تايمز اعتبرها ديفيد باربر المدير التنفيذي في شركة إيه بي إس للأسهم بأنها تخلق حلولاً زائفة، "هذه الطريقة تؤدي إلى تحرك الديون المتعثرة بعيداً عن الميزانية العامة للبنك، ولكنها لا تعني التخلص منها. ومن ثم تخلق نوعاً من الحافز للبنك لإعادة الكرة وتقديم قروض محفوفة بالمخاطر"، ويستدرك قائلاً: "إنها مثل عملية تنظيف المنزل من الأشياء الزائدة بوضعها أمام الباب أو تحت السرير، أنت تجعل منزلك أنيق ولكنك لم تحل المشكلة."
بيد أن ارتفاع القروض المعدومة لدى البنوك الأوروبية تزامن مع انخفاض تكلفة التمويل لتلك البنوك بنسبة 38 في المائة العام الماضي، إذ استغلت البنوك انخفاض معدلات الفائدة الراهن في أوروبا، واستفادت من إقبال المستثمرين على الأصول ذات العوائد المرتفعة ،وأصدرت عدداً كبيراً من السندات، وهو ما قلص إلى حد كبير من الضغوط الناجمة عن الأصول الرديئة.
ولـ"الاقتصادية" يعلق هنري جوسي المستشار المالي لبنك نيت وست والمسؤول عن ملف الأصول الرديئة للبنك قائلاً: "عند الحديث عن الأصول الرديئة يبدو الأمر مبهماً للعديد من الأشخاص، فعلى الرغم من ضخامة التقديرات الخاصة بالديون المتعثرة لدى البنوك الأوروبية، إلا أن علينا أن نفهم أن الرقم الإجمالي غير ثابت، وإنما متغير بناء على معدلات النمو الاقتصادي".
ويضيف:"كلما انخفضت معدلات النمو زادت القيمة الإجمالية للأصول الرديئة، والعكس صحيح، فالعديد من الأصول التي تمتلكها البنوك حالياً في بلد مثل اليونان سواء كانت عقارات أو أراضي تعتبر وفقاً للعرف الاقتصادي أصول رديئة، فاليونان بلد مفلس تقريباً وهذه العقارات أو الأراضي تبدو قيمتها منخفضة وأقل كثيراً من قيمتها عند الشراء، ولكن إذا تحسن الوضع الاقتصادي في اليونان وارتفعت قيمة تلك الأصول فإنها لا تعد رديئة بل يمكن أن تدخل في إطار الأرباح".
ويفتح هذا الطرح آفاقاً أوسع للخروج من المشكلة عبر التخلص من الأصول الرديئة بالبيع، وبالفعل هناك زيادة ملحوظة من قبل العديد من المستثمرين، وخاصة الأمريكيين وكذلك من صناديق الاستثمار السيادية لشراء تلك الأصول الرديئة بأسعار منخفضة على أمل إعادة تدويرها لتحقيق أرباح. وكانت الخطة التي كشف عنها البنك المركزي الأوروبي لتقييم شامل للوضع الراهن للنظام المصرفي في منطقة اليورو، قد دفعت بنوك منطقة اليورو إلى تسريع جهودها للتخلص من ديونها المتعثرة، فالخطة تشمل مجموعة واسعة من تقييم الأصول المصرفية وستخضع الميزانيات العامة للبنوك لما يعرف بـ"اختبار الإجهاد" وهو ما يهدف لتقييم مرونة المقرضين للصدمات. كما سيتم التعرف على جودة الأصول البنكية، عبر استخدام تعريفات موحدة ومنسقة للقروض المتعثرة والأصول الرديئة. ويهدف البنك المركزي الأوروبي من ذلك إلى تقديم قدر أكبر من الوضوح بشأن النظام المصرفي في منطقة اليورو، إذ إن عدم اليقين السائد حول وضع الديون المتعثرة في أوروبا نظراً لاستخدام المصارف الأوروبية منهاج مختلفة لتقييم، يجعل القضية محل جدل بين الاقتصاديين ورجال الأعمال الأوروبيين، وهو ما يمثل ضغطا على جهود النقاهة الحالية للخروج من الأزمة الاقتصادية، ويخلق حالة من الارتباك حول مدى نجاعة سياسة التقشف كوسيلة للخروج من الأزمة الاقتصادية.

الأكثر قراءة