المصارف الأجنبية في سويسرا تتعهد بتسوية الأوضاع الضريبية لعملائها
"المستقبل يُعذبنا"، تلك الجملة الشهيرة لـ "فلوبير"، هي العبارة الأولى التي كتبتها جمعية المصارف الأجنبية في سويسرا (أبيس) في صدر تقريرها المكرَّس لبحث مستقبل الوضع المصرفي السويسري عقب الهزّة التي طالت المصارف السويسرية أخيراً ولم تزل ذيولها قائمة حتى الآن.
وأعلن، فرانكو مورا، رئيس جمعية المصارف الأجنبية أنَّه ينبغي للمصارف الأجنبية في سويسرا ألَّا توفر بعد الآن المأوى للأموال غير المعلن عنها، حتى إذا كان العميل غير راغب في تسوية وضعه الضريبي في بلاده، حسب تعبيره.
وقال، مورا، وهو الرئيس التنفيذي لمصرف "أج إس بي سي برايفت بانكنك"، إن مثل هؤلاء العملاء لن يكونوا قادرين على مواصلة علاقاتهم المصرفية مع مصارفنا في سويسرا من دون تسلّحهم بشهادات ضريبية تُبيِّض صفحاتهم.
وأضاف أنه في نهاية آذار (مارس) الماضي، بعثنا رسائل للمصارف الأجنبية كافة في سويسرا، طالبين منهم عدم تقديم مأوى للعملاء الذين يرفضون الامتثال للضرائب في بلادهم، ورسائل مماثلة إلى "تاركي" المصارف التي بدأت تتشدد في مسألة التسوية الضريبية معتقدين أنَّهم سيعثرون على ملجأ لدى المصارف الأجنبية في سويسرا.
وأضاف مورا أنه سيكون من السذاجة وقصر النظر اتباع هذا النموذج التجاري في المصارف، بمعنى الاستمرار في استيعاب الأموال غير المعلن عنها، مضيفاً أن المخاطر التي يتعرض لها المصرف والموظفين من جراء استقبال أموال غير معلنة للضرائب لا تحصى، بل إن واحدا من أكبر مخاطر هذه السياسة إمكانية إلحاقه ضرراً بالمركز المالي السويسري برمته.
وأشار إلى أن الالتزام الضريبي هو المستقبل،، وأن طريق التسوية الضريبية لأصول العملاء أخذت نهجا يمتد لتسوية الماضي أيضاً، وينبغي للمصارف أن تنفتح جيداً على مبادئ تسوية أوضاع العملاء وحتى الذهاب إلى تسوية أوضاع الماضي.
وقال إنَّ المقيمين في سويسرا الذين يقدمون كشوفا ضريبية كاملة سيواصلون الحفاظ على عضويتهم في المصارف، أما العملاء من بلدان أخرى، فعليهم تقديم كشوف ضريبية جديدة تبيَّض صفحتهم، وإذا أردنا معرفة تفاصيل طريقة العمل التي ستتبع لتسوية أوضاع المصارف الأجنبية، يمكنكم قراءتها في تقرير لجنة (أبيس) وبعد عبارة "المستقبل يُعذبنا" في الصفحة الأولى من التقرير، سلطت لجنة (أبيس) الضوء على الافتقار إلى الوضوح في العديد من النقاط المتعلقة بالوضع المصرفي السويسري بعد الهزة الأخيرة التي طالت مصارفها، ويضيف التقرير في لهجة نقدية أن تفاصيل الأخذ بمبدأ التبادل الآلي للمعلومات، فضلا عن الأثر الذي سيتركه تصويت السكان بالموافقة على مبادرة ضد الهجرة الجماعية في علاقة سويسرا مع الاتحاد الأوروبي، فيها كل شيء باستثناء الوضوح.
وأعرب، فرانكو مورا، عن تشككه ما يتعلق بالمفاوضات مع الاتحاد الأوربي حول أسس الوصول إلى السوق، قائلاً إنه يحبذ التفاوض على أساس ثنائي "فهو الأكثر وعداً" مثلما هو الحال في المفاوضات مع ألمانيا، وكما يبدو فإن فرنسا مهتمة هي الأخرى بإبرام اتفاق ثنائي وليس جماعياً.
وفيما يتعلق بالتبادل التلقائي للمعلومات المصرفية، قال، مورا، إنَّ مقترحات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الأوربية ينبغي ألا تدخل حيز التنفيذ قبل عام 2017. وقال إنَّ (أبيس) اقترحت إمكانية السماح للتبادل التلقائي للمعلومات مع البلدان التي لديها نظم فعالة مؤهلة لتوفير الحماية الشخصية.
ورحبت (أبيس) بتوصل مصرف، كريدي سويس، ثاني أكبر المصارف السويسرية إلى اتفاق مع السلطات الأمريكية، وقال ماركو بيزوزيرو نائب رئيس الجمعية إننا نرحب بحقيقة أنه كان هناك حل"، وأنَّه يُمكن للمصارف الآن أن تمضي قدما، وهو تعرف أن هناك حلاً لتسوية الماضي.
وأضاف، مارتن مورر، الأمين العام لـ (أبيس) أنه ينبغي عدم معاملة المصارف (بحدود 14 مصرفاً سويسرياً، فُتِحَت ضدها تحقيقات جنائية مِن قبل وزارة العدل الأمريكية) بالطريقة نفسها التي تمت بها معاملة مصرف "كريدي سويس"، وأن معاملة الولايات المتحدة لهذه المصارف متباينة جداً، وأن الغرامة والاعتراف بالذنب الذي أعلنه "كريدي سويس" ينبغي ألا يشكلا سابقة للمصارف السويسرية الأخرى التي ما زالت تنتظر نتائج التحقيقات الأمريكية.
وإذا كانت المصارف الأجنبية في سويسرا شهدت "عاماً مضطرباً" في 2013 من وجهة النظر السياسية، فإن أداءها المالي والتجاري بقيَّ مستقراً من وجهة النظر الاقتصادية، موضحاً أنَّ الأصول تحت إدارة المصارف ارتفعت بنسبة 9 في المائة لتصل إلى 960 مليار فرنك (1.07 تريليون دولار)، وأنَّ الأرباح الصافية لجميع المصارف الأجنبية المقيمة في سويسرا ارتفعت بنسبة 23 في المائة، خلال سنة واحدة، رغم انخفاض عدد المصارف من 132 في كانون الأول (ديسمبر) 2012. إلى 122 مصرفاً في نهاية 2013.
وفي قراءة "الاقتصادية" لتقرير لجنة (أبيس)، يظهر جلياً أنَّ اللجنة أبدت خشية واضحة على المركز المالي السويسري. يقول التقرير: "عدد المصارف الأجنبية في أي بلد يعتبر على الدوام كمؤشر لقوة جذب المركز المالي لذلك البلد"، وبالتالي، فالمركز المالي السويسري مهدد "بفقدان لمعانه" ما لم يواجه الواقع بشجاعة.