وكالات السيارات.. عذر أقبح من ذنب
جاءت ردّة فعل اللجنة الوطنية لوكلاء السيارات، وما حملته من تصريحات مضادّة لنتائج الاستبيان الثاني الذي قامتْ به وزارة التجارة والصناعة، لتؤكّد أنّ رضا المستهلك هو آخر اهتماماتها وكل من ينتسب إلى هذه اللجنة، هذا إنْ كان ترك اهتمامها الوحيد بتحقيق أكبر المكاسب والأرباح مساحةً لأي اهتمامٍ آخر.
اعتمدتْ وزارة التجارة والصناعة في عملية الاستبيان الذي نفّذته على فريق عملٍ مختص من جامعة الملك سعود، وشارك في الإجابة على بنوده أكثر من 26 ألف مشارك، وتركّز على تقييم المستهلك لمستوى خدمات "مبيعات السيارات" و"خدمات الصيانة" و"خدمات قطع الغيار" و"خدمات العملاء". جاءت النتائج مخيّبة في مجملها، حيث أظهرتْ عدم رضا المشاركين عن أداء تلك الوكالات بنحو 67 في المائة، بزيادة 6 في المائة مقارنةً بنتائج الاستبيان الأول، في دليلٍ على استمرار سوء الخدمات التي تقدّمها تلك الوكالات تجاه المستهلكين. فيما لم تتجاوز نسبة رضاه التام عن الخدمات المقدمة سقف 7.5 في المائة من الإجمالي، وأخيراً بلغت نسبة من جاء تقييمهم بالرضا إلى حدٍّ ما نحو 19.8 في المائة فقط.
لم تترك ردّة اللجنة الوطنية لوكلاء السيارات شعاراً للوطنيّة إلا وتعلّقت به، بل ذهبتْ إلى أبعد من ذلك في محاولةٍ للتشكيك ليس فقط في عمل وزارة التجارة والصناعة، بل حتى في رأي وتقييم المجتمع الاستهلاكي بأكمله، وقالتها صريحةً إنّها لا تعتد برأي أكثر من 26 ألف مشاركٍ في الاستبيان، مقللة حسب رأيها -اللجنة- من أهميته، وأنّه لا يُشكل أكثر من 0.5 في المائة من العملاء الذين تقوم وكالات السيارات بتقديم خدماتها لهم، سواءً فيما يتعلق بالصيانة أو تنافسية الأسعار. وتمادتْ أكثر من ذلك بوصف فريق العمل المختص من جامعة الملك سعود الذي نفّذ الاستبيان، بأنّه لم يتم على أسسٍ علمية وعملية دقيقة، وكأنّ اللجنة التي تضم من تخرّج من ذات الجامعة، لا تعترف أيضاً بهذه الجامعة ولا بما يصدر عنها. باختصارٍ شديد؛ لم يعترف ردّ فعل اللجنة الوطنية لوكلاء السيارات برأي أيّ من وزارة التجارة والصناعة والمجتمع المحلي وجامعة الملك سعود، ولا حتى بما أعقب نشر نتائج الاستبيان عبر تعليقات المستهلكين والكتّاب والقراء على حدٍ سواء، ولا صوت يعلو فوق صوت هذه اللجنة.
كما يبدو واضحاً أنّ وكالات السيارات لدينا، ومن خلال ما صرّحتْ به لجنتها التي تؤكّد لغة تصريحاتها، أنّها لا تزال تعيش هائمةً خارج التاريخ، وأنّها تجهل أكثر مما تعلم، وتؤكد مجدداً أنّ همّها الأوحد هو تحقيق أعلى هوامش الأرباح دون النظر إلى أيّ اعتبارٍ آخر. فقط أذكّر أعضاءها أنّ من أحد أهمّ مهام وزارة التجارة والصناعة، أن تعمل على تحسين كفاءة أداء قطاع التجارة، فيما يتعلق بتوفير احتياجات الأسواق المحلية من السلع والخدمات، وفقاً للمواصفات السعوديّة والدوليّة، وحصول المستهلك عليها بالكمية المناسبة والسعر المناسب. وفيما يختصّ بعمل الوكالات التجارية تحديداً، أنْ تعمل الوزارة على مراقبة أعمال الوكالات التجارية وضبط المخالفات، والفصل في دعاوى الحق العام وتنفيذ أحكام النظام.
وأنّ على تلك الوكالات ولجنتها أنْ تعود إلى قراءة وحفْظ المادة الثانية من نظام الوكالات التجارية، التي تنصّ على أنّه بدون أي إخلال بأنظمة القرارات الخاصة بتأمين الصيانة وقطع الغيار يلتزم الوكيل والموزع بما يلي: أ) أن يؤمن بصفة دائمة قطع الغيار التي يطلبها المستهلكون عادة بشكل مستمر بالنسبة للمنتجات موضوع الوكالة، وأن يؤمن قطع الغيار الأخرى خلال مدة معقولة وذلك وفقاً للائحة التنفيذية. ب) تأمين الصيانة اللازمة للمنتجات وضمان جودة الصنع والشروط التي يضعها المنتجون عادة وذلك بصفة مستمرة طوال مدة الوكالة ولمدة سنة تالية لتاريخ انتهائها أو لتاريخ تعيين وكيل جديد أيهما أسبق وذلك وفقاً للائحة التنفيذية.
جميعنا نشدُّ على يد وزارة التجارة والصناعة في سياق جهودها الجبّارة، التي بدأنا نشهد ثمارها خلال العامين الماضيين، وأنْ تستمر بكل ما أوتيت من قوة في فرْض لغة النظام على الجميع دون استثناء، فما قامتْ به سواءً فيما يتعلّق بعمل وكالات السيارات، أو بجهودها الرائدة في التعامل مع تطبيق مواصفات أجهزة التكييف، وقبلها الجهود الكبيرة في الحدّ الصارم من التلاعب في الأسعار، ومحاصرة العديد من أشكال الغش التجاري، وإلزام التجار بالعديد من الممارسات العادلة والنزيهة مع المستهلكين، والتطور الملموس في مستوى الخدمات الإلكترونية المقدمة لطالبي تأسيس الأعمال ومتابعتها وإنهاء إجراءاتها، إضافة إلى دورها الكبير بخصوص إنهاء ومعالجة المشاكل المعقدة للمساهمات العقارية وغيرها من المساهمات، كل هذا وغيره يؤكّد على ضرورة دعم وتشجيع منسوبي هذه الوزارة النشيطة بدءاً بوزيرها الطموح إلى آخر موظفٍ فيها.
كما قد يكون مناسباً في الوقت الراهن؛ إنْ لم تستجب تلك الوكالات التجارية وليس فقط وكالات السيارات لمتطلبات وجودها، أنْ يعاد التفكير في جدوى بقائها على ما هي عليه، وأنْ يعاد النظر بما تقتضيه مصلحة البلاد والعباد في الغرض من تمركزها كحلقةٍ وسيطة بين المنتج خارج الاقتصاد والمستهلك المحلي، فإنْ استمرّ وجودها يتعارض مع تحقيق المصلحة العامّة، وبدا أنّها انحرفتْ عن الأهداف والغايات التي أتاحتْ لها أنظمة البلاد أنْ تحتل هذه الحلقة الوسطى بين المنتجين خارج الحدود والمجتمع الاستهلاكي المحلي. أؤكد أنّه إذا استمرّتْ تلك الأوضاع على ما هي عليه من سوءٍ في أغلب مفردات الخدمات المقدّمة منها، أنْ يبدأ التفكير الجاد في محاصرتها، وإحلالها بالخيارات الأخرى المتاحة عبر بوابة الاستثمار الأجنبي، ليتم دعوة المنتجين الأكبر للواردات للتواجد محلياً، وأنْ تنتهي حقبة توكيل من يمثلهم ما دام أنّها انحرفتْ كثيراً عن الأهداف والغايات من وجودها، بما يضمنُ ارتفاعا مستمراً في جودة الخدمة، وفي الوقت ذاته حصول المستهلك عليها بأقل الأسعار، خاصةّ السيارات كونها أحد أكبر الواردات التي تدخل إلى اقتصادنا الوطني، وفي إمكاننا كأحد أكبر مستورديها في العالم؛ أنْ نضع ما يتوافق مع مصلحة الاقتصاد والمجتمع بدءاً من المواصفات وانتهاءً بآخر شرطٍ يكفل المحافظة على تلك المصلحة.
إنني أنصحُ وزارة التجارة والصناعة بأن تمضي قدماً فيما تقوم به، وأنّ عليها أنْ تعلم أن جهودها الكبيرة تحظى بكل تقديرٍ واحترام من قبل المجتمع، وأن تستمر في توجهها الوطني المخلص نحو تفعيل الأنظمة التي تُشرف عليها بكل ما أوتيت من قوّة، ذلك أنّ المستفيد الأكبر في نهاية هو اقتصادنا ومجتمعنا، وإنْ تطلّب الأمر باستخدام اليد الحديدية للنظام، فلا يجب أن تتأخّر عن استخدامها. والله ولي التوفيق.