وكلاء السيارات محتكرون

تمنح معظم شركات السيارات المصدرة للمملكة وكالات عامة لشخص واحد (أو مؤسسة أو شركة واحدة)، والقليل منها يعطي توكيلاً لأكثر من شخص على نطاق المملكة، ولكنه يمنحه احتكاراً على مستوى مناطق المملكة، وبذلك يحتكر الوكلاء أنواعا محددة من السيارات على مستوى المملكة ككل أو على الأقل في منطقة جغرافية معينة. ومع أن احتكارات شركات ووكلاء السيارات ضعيفة حيث توجد أنواع سيارات منافسة وقريبة من بعضها بعضا، إلا أن الطلب يرتفع على بعض أنواع السيارات مما يعطي وكلاء نماذج معينة قوة احتكارية معتبرة. فشركة تايوتا مثلاً تستحوذ على حصة كبيرة من السوق السعودي وصلت في بعض السنوات إلى حوالي نصف السوق السعودي، مما جعل للشركة ووكيلها قوة احتكارية مؤثرة. ويؤدي الاحتكار لأي نوع من أنواع السلع والخدمات إما لرفع أسعار هذه السلعة فوق مستويات أرباح المنافسة أو خفض مواصفاتها أو خفض نوعية الخدمات المرتبطة بها. ويتصرف المحتكرون عادةً كمعظمين للأرباح، لهذا فإنهم يلجأون أولاً لرفع أسعار منتجاتهم، فإذا وضعت قيود على أسعار المحتكرين، فإنهم يخفضون مواصفات سلعهم والخدمات المرتبطة بها، وقد يستخدمون خليطاً من رفع الأسعار وخفض نوعية المنتج لتعظيم أرباحهم ولصرف أنظار المستهلكين ومؤسسات الرقابة عن تصرفاته.
ولا يختلف وكلاء السيارات عن باقي المحتكرين لهذا سيسعون إلى تحقيق أرباح عالية على أنواع السيارات التي يرتفع الطلب عليها، وسيزداد جشعهم ويحاولون خفض مواصفات السيارات المباعة وخدمات السيارات التي تتبع ذلك إن تمكنوا من ذلك، فكثير من أنواع السيارات في المملكة تقل مواصفاتها عن مواصفات نفس النماذج في البلدان المتقدمة، والتي تفرض مواصفات عالية خصوصاً في مجالي حماية سلامة الركاب وفي المحافظة على البيئة. ويلجأ العديد من وكلاء السيارات إلى استيراد سيارات من دول تنخفض فيها التكاليف وتنخفض فيها أيضاً المواصفات. وستحاول الشركات الأم المصدرة أيضاً تعظيم أرباحها من خلال خفض الخدمات ذات الصلة وكذلك نوعية المنتجات المصدرة أو رفع الأسعار. ولهذا لا ينبغي فقط صب اللوم وحده على وكلاء السيارات فقد تكون الشركات المصدرة ذاتها مسؤولة سواء بترك العنان لوكلائها بالتصرف في أسواق المملكة أو برفع الأسعار أو خفض الخدمات بأساليب تمييزية في أسواق المملكة. وتتحمل الجهات الرقابية والمشرفة على الأسواق مسؤولية تحديد مصدر زيادة أسعار السلع وتردي الخدمات وماهية كونه من الوكيل المحلي أم من الشركة الأم، وعادةً ما يكون خليطاً من تصرفات الاثنين معاً. وقلما نشاهد في المملكة أي تحقيقات في تصرفات شركات السيارات المصدرة ولا بصدور عقوبات أو غرامات ضدها، وكلما برزت إشكالات في بعض السيارات يلاحظ سرعة تبرئة الشركات الأم من المسؤولية.
ويلاحظ على وكالات السيارات في المملكة وبشكل عام الميل لرفع أسعار السيارات وتكاليف الصيانة، وعدم الالتزام الفعلي بتوفير خدمات الضمان والذي تمنحه لمدد طويلة في محاولة لإيهام المستهلكين بجودة منتجاتهم، بل إن العديد من الوكلاء يستخدمون الضمان كوسيلة ضغط لإجبار المشترين على صيانة مركباتهم بأسعار عالية لدى الوكالات. كما يلاحظ الازدحام الشديد على خدمات الصيانة في عدد من الوكالات، وغياب أي استدعاءات من الشركات الأم على العيوب التي تعانيها السيارات في بلدانها. ويشعر الكثير عند ذهابهم لوكلاء السيارات وبائعوها بأن هناك قدرا كبيرا من الحفاوة والترحيب ولكنه مغلف بشيء من التدليس ومحاولة واضحة للغش والخداع، وهذا طبع بائعي السيارات بشكل عام ليس في المملكة فقط ولكن في معظم دول العالم.
ولا يحظى المحتكرون في أي مكان برضا أغلبية الناس، ولهذا فإن ادعاءات رضا المستهلكين عن شركات ووكلاء السيارات تتعارض مع المنطق الاقتصادي، وحتى لو قامت به جهات يدعى أنها عالمية. وقد أظهرت دراسة قامت بها جامعة الملك سعود لمصلحة وزارة التجارة عدم رضا ثلثي المستهلكين تقريباً عن وكلاء السيارات، وقد ردت اللجنة الوطنية لوكلاء السيارات بارتفاع رضا المستهلكين عن وكلاء السيارات وبنسبة تصل إلى نحو أربعة أخماس حسب مسح لإحدى الشركات العالمية. وتضارب نتائج دراسة وزارة التجارة مع المسح تشير بوضوح إلى وجود تحيز واضح على الأقل في أحدهما، ولهذا لا بد من القيام بمسح علمي جديد ميداني (ليس عبر الإنترنت) وعشوائي ومن جهة محايدة للتحقق من نتائج الدراستين. وهنا أود أن أشير إلى أنني قلما قابلت شخصاً يرضى عن وكلاء السيارات. ولا يتمتع بائعو وموزعو السيارات على المستوى المحلي والعالمي بسمعة جيدة ولا بقدر عال من الأمانة في تعاملاتهم، ويتهمهم الكثير من الناس بالتدليس وإخفاء عيوب منتجاتهم، إلا أن سمعة بائعي السيارات الجديدة أفضل بعض الشيء من سمعة بائعي السيارات المستخدمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي