«ساركوزي» فرنسا هل يكون «برلسكوني» الجديد؟

«ساركوزي» فرنسا هل يكون «برلسكوني» الجديد؟

في سابقة أولى من نوعها، وجه قضاة تحقيق فرنسيون لرئيس الجمهورية السابق نيكولا ساركوزي تهما باستغلال النفوذ والرشوة الإيجابية (أي من جانب صاحب المصلحة) وانتهاك سّرية التحقيق. الرئيس السابق الذي تم استدعاؤه لمكتب قضاة التحقيق يوم الثلاثاء في الساعة الثانية صباحاً مكث فيه نحو 15 ساعة على ذمة التحقيق، وعلى الرغم من وجود عدة قضايا وردت فيها أسماء لرؤساء سابقين على امتداد 40 سنة مضت ابتداء بالرئيس السابق جيسكار ديستان مروراً بالرئيس شيراك، إلا أنها المرة الأولى التي يذهب القضاة لأبعد مما تعودوا عليه، بتوجيههم تهماً لرئيس جمهورية سابق بصفة رسمية.
القضاء الفرنسي يلاحق الرئيس السابق بثلاث جنح الأولى هي: انتهاك سرية التحقيق، ويعاقب عليها القانون الفرنسي (المادة 13 - 226 من قانون العقوبات) بسنة سجن وغرامة مالية تصل إلى 15 ألف يورو. القضاة وجهوا لساركوزي هذه التهمة لاعتقادهم بأن شبكة من المخبرين قد ساعدته بصفة مباشرة على الحصول على معلومات سرية حول التحقيقات القضائية التي تخصه ولا سيما قضية التمويل السري، الذي يقال إن نيكولا ساركوزي قد حصل عليه من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي عام 2007 بقيمة 50 مليونا، وكذلك بسبب المعلومات السرية في قضية المليونيرة "فيفيان بيتونكور" التي يعتقد أن ساركوزي قد حصل منها بطريقة غير قانونية على مبالغ مهمة (نحو 30 مليون يورو) لتمويل حملاته الانتخابية. أثناء تحرياتهم اكتشف المحققون أن ساركوزي ومحاميه تيري هرزوك يعلمان أن هواتفهم مراقبة.
من سمح للرئيس السابق بالحصول على هذه المعلومات السرية؟ أصابع الاتهام موجهة لجلبير هاسيبرج محامي أول لدى محكمة الاستئناف وموظف سام في سلك القضاء الفرنسي الذي يعتقد أنه سرب هذه المعلومات مقابل وعد بوظيفة سامية في إمارة موناكو.
التهمة الثانية التي وجّهها القضاء الفرنسي للرئيس السابق: هي استغلال النفوذ، ويعاقب عليها القانون الفرنسي بخمس سنوات سجن وغرامة مالية تصل إلى 500 ألف يورو (المادة 433-2 من قانون العقوبات) لاعتقاد المحققين بأن ساركوزي استغل نفوذه كرئيس لاستمالة أحد القضاة من أجل استرجاع أجنداته الخاصة، التي صادرها القضاء لأنها تحمل دلائل على مواعيد كثيرة جمعته بصديقه برنار تابي الذي حصل بفضل تدخل ساركوزي على تعويض مالي مهم من شركة أديداس وصل إلى 400 مليون يورو بعد أن توسط له هذا الأخير عند وزيرة الاقتصاد السابقة كاترين لاجارد. وهو ما جعل القضاة يوجهون له التهمة الثالثة: وهي الرشوة الإيجابية (التي تكون من طرف صاحب المصلحة، عكس الرشوة السلبية التي تكون بإيعاز من الموظف)، وهي تهمة خطيرة يعاقب عليها بعشر سنوات سجن وغرامة مالية تصل إلى 150 ألف يورو (المادة 433-1 من قانون العقوبات) علماً أن تحريات المحقّقين أفضت كلها لمسؤولية ساركوزي المباشرة كصاحب القرار الأول في كل هذه القضايا. علماً أن قضاة التحقيق الفرنسيين يلاحقون الرئيس في قضايا أخرى كملف "كراتشي" و"كليستريم" وعقود شراكة بين الإيليزي ومعهد إحصاء تابع لأحد المقربين من الرئيس السابق وأخيراً قضية "بيجماليون" وهي قضية تزوير فواتير خاصة بالحملة الانتخابية الأخيرة للرئيس ساركوزي الهدف منها إخفاء مبلغ 17 مليون يورو عن الضرائب. خبر توجيه تهم للرئيس السابق أثارت ردود أفعال كثيرة، فابريس لوم المحلل السياسي في صحيفة لومند قال، "إنها هزة في عالم القضاء الفرنسي، ليس فقط لأن المعني هو رئيس جمهورية سابق، فهناك أيضاً اثنان من القضاة الساميين المتورطين معه ممن يجري التحقيق معهم، وهذه سابقة أولى من نوعها"، أما روزلين لوفر من القسم السياسي لقناة فرانس 24 الإخبارية فتقول، "إنها أجرأ خطوة اتخذها القضاء الفرنسي منذ عقود، فليس هيناً أبدا استدعاء رئيس سابق في الثانية ليلاً وإيداعه الحجز والتحقيق معه كأي شخص عادي، قد يكون هذا إيذانًا ببداية عهد جديد لا مكان فيه لسياسيين مستغلين لنفوذهم"، أما ردود أفعال السياسيين فقد اختلفت تباعاً لهذا الخبر. فبينما أعلنت الصديقة الوفية والوزيرة السابقة لساركوزي نادين مورانو "بأن توجيه مثل هذه التهم شيء لا يطاق ولا يليق بمنزلة رئيس سابق" لزم زملاؤه جان فرانسوا كوبي وفرانسوا فيون الصمت غالباً، لأن المشاكل القضائية للرئيس السابق قد تسهل عليهم المهمة، علماً أنه أشد منافس لهما لمنصب مرشح اليمين لرئاسيات 2017. هل المتاعب السياسية للرئيس السابق قد تعيق عودة الرئيس ساركوزي للسياسة لا سيما أنه كان قد أعلن في صحيفة لو جي دي دي أنه سيأخذ قراره بالعودة للمجال السياسي بعد إجازة الصيف؟ الآراء منقسمة فمنهم من يرى أن الرئيس السابق واثق بنفسه وبقاعدته الانتخابية التي ستختاره مهما كانت الظروف، كفيل بالحصانة الرئاسية بعدها أن تبعده عن كل مساءلة قضائية، وهذا لعدة أسباب أهمها أنه يمثل أقوى المرشحين للاستحقاقات الرئاسية المقبلة 2017 والوحيد القادر على توحيد صفوف اليمين بينما فشل الآخرون، والدليل أنه بدأ بتنظيم دفاعه على الطريقة "البرلسكونية" أي بإلقائه اللوم كليًا على القضاء الفرنسي الذي اتهمه في مقابلة تلفزيونية على قناة تي إف 1 الخاصة "بانحيازه لأطراف يسارية". قاصداً تحديدا واحدة من قاضيات التحقيق اللواتي قمن بالتحقيق مع ساركوزي وهي كلير تامبو التي تنتمي لنقابة القضاة المعروفة بتوجهاتها اليسارية قائلا، "أنا مصدوم.. واضح جداً أن هناك مؤامرة تحاك ضدي ونية مبيتة لإذلالي، لأني قد أكون حجرا في طريق البعض إذ أنا عدت للسياسة.. من وراء ذلك؟ أظن أن أعدائي السياسيين معروفون"، وقد كان نيكولا ساركوزي قد بدأ فعلاً في التحضير لهجوم مُضاد منذ مدة حيث توجه برسالة مفتوحة للفرنسيين نُشرت يوم الخميس 21 مارس شرح فيها أنه ضحية مؤامرة دنيئة تستهدف إبعاده عن النشاط السياسي. موجهاً أصابع الاتهام لليسار الفرنسي وحكومة فرانسوا هولاند التي تُحرك هجمات القضاء الفرنسي عليه. مضيفاً أن "جميع المواطنين الفرنسيين يعلمون جيداً أن كل أعضاء نقابة القضاة يدينون بولائهم للحزب الاشتراكي وقد أظهروا عداءهم للرئيس السابق بشدة في عدة مناسبات. الكم الهائل من الملفات القضائية التي ما زالت تُحسب على ساركوزي جعلت كثيرا من الخبراء يتنبأون بموته السياسي، فكيف له أن يقنع الفرنسيين بأن ينتخبوا عليه بينما اسمه وارد في عدة قضايا رشوة واستغلال نفوذ والأرجح أن يكون مصيره حسب بعض المحللين أشبه بالذي لقيه نظيره الإيطالي سيلفيو برلسكوني، الذي انحنى في الآخر أمام سلطة القضاء وتخلى عن مسؤولياته السياسية، بسبب تورطه في عدة قضايا سياسية وأخلاقية.

الأكثر قراءة