بريطانيا: تهديد 4 مصارف كبرى بالتقسيم
مثل قرار هيئة المنافسة والأسواق البريطانية، بفتح تحقيق حول أداء المصارف في المملكة المتحدة، مفاجأة غير سارة لمجالس إدارة المصارف البريطانية قد تدفع لتقسيم أكبر أربعة مصارف عاملة في القطاع.
الهيئة أسست لقرارها من منطلق الشكوك التي تحيط ببنية عمل المصارف البريطانية، وما يحيط بها من شبهات بأنها لا تعمل لفائدة المودعين أو لصالح صغار ومتوسطي رجال الأعمال، وإنما لتحقيق مصالحها على حساب العملاء، مودعين كانوا أم مقترضين.
قرار فتح التحقيق جاء بعد أن كشفت دراسات الهيئة أن مستوى الرضا لدى المودعين من أداء المصارف أقل من 60 في المائة. كما أن العديد من رجال الأعمال الصغار والمتوسطين أعربوا عن امتعاضهم من أن إجراءات الإقراض لم توضع بطريقة تساعدهم على تحفيز أنشطتهم التجارية.
ولـ"الاقتصادية" يعلق غوردن هاربر مساعد الرئيس التنفيذي لهيئة المنافسة والأسواق البريطانية قائلاً: "العديد من المودعين يشتكون من أن هناك فروقات ضئيلة بين المصارف الكبرى فيما يتعلق بشروط فتح حساب جارٍ، أو فيما يتعلق بمستوى الخدمات، وهذا أدى إلى أن عملية انتقال المودعين من مصرف إلى آخر أصبحت أقل من 3 في المائة، ويكشف هذا بوضوح أن المنافسة شبه غائبة بين المصارف البريطانية".
ويضيف: "كما أن تفسير المصارف للمصاريف التي تفرضها على عملائها، خاصة فيما يتعلق بالسحب على المكشوف معقدة للغاية، ولا يكون من السهل على المودعين أو المتعاملين مع المصرف فهمها، وهذا يؤدي بالطبع إلى عدم قدرة العميل على معرفة أي مصرف يحقق مصالحه بشكل أفضل وبتكلفة أقل، كما أن المصارف الأربعة الكبرى تتبنى تدابير وإجراءات تجعل مناخ المنافسة في العمل المصرفي صعب وعسير على المصارف الصغيرة أو المصارف الجديدة».
ورغم تلك الملاحظات فإن الهيئة تعتقد أن التحقيق وبصرف النظر عن نتائجه النهائية سيساعد على تطوير العمل المصرفي في مجمله.
اتحاد المصارف البريطانية المعني الأول بالتصدي لهذه الاتهامات أعرب عن استعداده التام للتعاون مع لجنة التحقيق، مؤكداً أن عملية إصلاح القطاع المصرفي متواصلة منذ سنوات، وأن المصارف البريطانية حريصة دائماً على تحقيق مصالح العملاء أولاً، وذلك عبر المنافسة التامة بينها.
وقد رفض ميري مولز عضو مجلس إدارة اتحاد المصارف البريطانية، وأحد أبرز الشخصيات التي ستمثل الاتحاد أمام لجنة التحقيق، أن يعلق لـ"الاقتصادية" عن موقف الاتحاد من الاتهامات التي وجهتها هيئة المنافسة والأسواق البريطانية للمصارف الكبرى، مكتفياً بالقول: "الصناعة المصرفية في بريطانيا تمر حالياً بعملية إعادة تقييم شاملة، والتطورات التكنولوجيا تغيير الطريقة التي يتعامل بها العملاء مع المصارف، وقد طرحت السلطات أخيراً إجراءات جديدة لتسهيل تحويل العملاء لحساباتهم المصرفية من مصرف لآخر، والأمر يتطلب مزيداً من الوقت لمعرفة مردود تلك الإجراءات". ويضيف: "الاتحاد أصدر الشهر الماضي مجموعة من التقارير، تطرح أفكاراً جديدة لمساعدة المصارف الصغيرة والراغبين في الاستثمار في القطاع المصرفي، بتبني أفضل السبل لإنشاء أو تأسيس مصارف جديدة، والكيفية التي يمكن من خالها تحقيق النجاح والنمو، ونأمل أن تأخذ الجهات السياسية والتنظيمية تلك الأفكار في الحسبان».
"الاقتصادية" اطلعت على بعض تلك التقارير، وتضمنت أفكاراً من قبيل أن تقوم أكبر أربعة مصارف بريطانية ( لويدز- إتش إس بي سي –باركليز– رويال بنك أف اسكوتلندا ) بتأسيس مواقع على شبكة الإنترنت، تسمح للعملاء بالمقارنة بين المصارف الأربعة، وأيهم يحقق المصالح المالية للعملاء بطريقة أفضل عند فتح حساب جارٍ. إلا أن هذه الاقتراحات لم تمنع هيئة المنافسة والأسواق من الإصرار على المضي قدماً في تحقيقاتها.
وعلى الرغم من أنه نظرياً على الأقل، تتمتع لجنة التحقيق بصلاحيات ضخمة للغاية، من بينها إمكانية التوصية بتقسيم المصارف الأربعة الكبرى، إذا وجدت أدلة دامغة بأنها لا تعمل لصالح العملاء والمودعين ورجال الأعمال، إلا أنه يستبعد قيامها بتلك الخطوة لما لها من آثار عنيفة على النظام المصرفي البريطاني برمته.
ولـ"الاقتصادية" يعلق الدكتور هاميلغارلند أستاذ مادة النقود والمصارف بجامعة مانشستر قائلاً: "المصارف الأربعة الكبرى في بريطانيا تمتلك 77 في المائة من إجمالي الحسابات الجارية في المصارف البريطانية، وتحتكر 85 في المائة من أسواق الإقراض البريطانية، وهذا يكشف عن القوة والقدرة المالية التي تتمتع بها، وفي الأشهر الأخيرة تم تقسيم بنك لويدز وكذلك رويال بنك أف اسكوتلندا، ومن ثم فإن المصارف الكبرى لم تعد تتمتع بذات القوى التي كانت تتمتع بها في الماضي".
ويؤكد الدكتور هاميل أن عملية التحقيق ترتبط أساساً بالرغبة في إصلاح المنظومة المصرفية وجعلها أكثر شفافية، ويستدرك قائلاً: "الاتجاه الأساسي لإصلاح النظام المصرفي يتطلب أن تكون هناك شفافية تامة في العلاقة القائمة بين العملاء سواء المودعين أو المقترضين من جانب والمصرف من جانب آخر، هذا هو حجر الزاوية في عملية الإصلاح، والضامن الوحيد لأن يكون القطاع المصرفي البريطاني قادرا على جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية."
وحول العلاقة بين الأزمة الاقتصادية التي اندلعت عام 2008 وجهود الإصلاح المصرفي البريطاني يجيب الدكتور هاميل قائلاً: "عملية الإصلاح تسبق الأزمة المالية بسنوات، ولكن الأزمة أسهمت في تسريع وتيرتها بمعدلات ملحوظة، كما أنها جعلت منها قضية رأي عام".
ومن المتوقع أن تستمر التحقيقات حول أداء المصارف البريطانية لمدة 18 شهرا. لكنها في نظر عدد من الخبراء المصرفيين تشير إلى أن هناك تغيرات مستقبلية جوهرية فيما يمكن أن يطلق عليه "توازنات القوى" داخل القطاع المصرفي البريطاني.
فالحالة الاحتكارية التي تمتعت بها المصارف الأربعة الكبرى لعقود، في طريقها إلى التآكل لصالح المصارف الجديدة الناشئة.
فمصرف مثل باركليز أو رويال بنك أف اسكوتلندا يواجهان مصاعب وتحديات مالية ضخمة، تضع شكوكاً حول قدرتهما على البقاء. وهو ما قد يفتح الطريق أمام بروز مصارف جديدة، قادرة على احتلال المركز المميز الذي يمتع به هذان المصرفان منذ سنوات طويلة.
وتحظى التحقيقات باهتمام خاص من قبل مجلس إدارة كل من بنكلويدز ورويال بنك أف اسكوتلندا لما يتمتعان به من موقع مميز بين المصارف الأربعة الكبرى في بريطانيا. فمن بين كل أربعة عملاء لديهم حسابات جارية في المصارف البريطانية يوجد عميل لديه حساب في بنك لويدز، ويقدم رويال بنك أف اسكوتلندا نحو ثلث القروض الممنوحة لصغار ومتوسطي رجال الأعمال.
ويربط بعض الخبراء بين توقيت تحقيق هيئة المنافسة والأسواق البريطانية والإجراءات التي اتخذت قبل تسعة أشهر تقريبا لتسهيل عملية تحويل العملاء والمودعين لحساباتهم المالية من مصرف إلى آخر.
ولـ"الاقتصادية" يعلق كاثر ود كامبل المستشار المالي في رويال بنك أف اسكوتلندا قائلاً: "على الرغم من تسهيل إجراءات تحويل العملاء لحساباتهم من مصرف إلى آخر، فإن المصارف البريطانية لم تشهد تغيرات كبيرة في هذا الاتجاه، وهذا يعكس ثقة العملاء في المصارف الأربعة الكبرى، إلا أن ما يمكن أن نطلق عليه تكتل المصارف الصغيرة وبعض السياسيين لم يستريحوا لهذا الوضع".
وتتعزز وجهة النظر تلك من خلال ترحيب زعيم المعارضة البريطانية آيد مليباند بتحقيق هيئة المنافسة والأسواق البريطانية، فانطلاق التحقيقات يأتي قبل أشهر معدودة من الانتخابات البرلمانية المقرر انعقادها العام المقبل، وكذلك في الوقت الذي تستعد فيه حكومة التحالف الراهن في بريطانيا بزعامة حزب المحافظين بعرض حصتها التي تقدر حاليا بـ 25 في المائة من أسهم بنك لويدز للبيع، وقد أعلن زعيم حزب العمال المعارض بأنه في حالة فوزه بالانتخابات سيطلب من لجنة التحقيق أن تتقدم بتوصية تصب في مصلحة إنشاء مصارف جديدة قادرة على تحدى المصارف الأربعة الكبرى.
ويعتقد البعض أن من مصلحة المعارضة أن ترسخ في أذهان الملايين من المودعين في المصارف وصغار رجال الأعمال بأن الأساليب الاحتكارية للمصارف الكبرى، أدت إلى إلحاق خسائر مالية بهم، على أمل أن يسهم ذلك في إحداث تغيير في المزاج الشعبي والتصويت لصالح المعارضة.