أجانب السعودية .. إخوة الدين في رمضان غرباء الفرحة في شوال
بعد شهر تشارك فيه السعوديون مع المقيمين أجواء الاحتفاء بشهر رمضان، فطورا جماعيا ومناسبات دينية تجمعهم سويا، ها هم الآن يعودون إلى وقائع الحياة اليومية كما خبروها من قبل.
في المدينة المنورة، يمكنك أن تلاحظ منذ الليلة الأولى للعيد وغياب الشهر الكريم مئات المقيمين على جانبي الطرقات وهم يحاولون الوصول عبر سيارات النقل إلى المسجد النبوي، ليلوذوا به مما بدا أنه فراغ عاطفي يسير بالتوازي مع الفراغ من العمل عند أكثريتهم والفراغ من مجتمع يحتويهم في ظل انشغال معظم أفراده بالأهل والأصدقاء.
عشرات الجنسيات ممن يسمون أنفسهم بالأجانب بعد أن صارت التسمية واقعا مغروسا في نفوسهم ــ باتوا يلوذون ليلة العيد بجنبات الحرم النبوي الذي هدأت مآذنه ليلا بعد أن صدحت طوال شهر بأصداء الذكر الحكيم.
ينتظرون الفجر ويشعرون بالعيد بشكل أكبر في مسجد تتعدد فيه الأعراق بشكل قل نظيره ليستأنس كل بأبناء جلدته ويصبح للمكان بعد عالمي، لكن أصحاب الحالات الاقتصادية المتواضعة يجدون بعدا اقتصاديا أكبر في المناسبة في انتظار زكاة الصائمين "زكاة الفطر" التي يتخيرون لها من بينهم الأكثر حاجة.
في هذا المسجد كان أهالي المدينة هنا إلى وقت قريب يطوفون الأرجاء طوال فترات المساء بالطعام والشراب، فيما السعوديون غالبا هم من يقوم بالخدمة والمباشرة لآلاف المقيمين "الأجانب"، في صورة تجسد وحدة الدين والإخاء الإنساني في هذا الشهر العظيم، عبر جلسات الإفطار والسحور التي يجلس فيها المقيم على المائدة معززا مكرما كأفضل ضيف في بيت رجل كريم، غير أن انقشاع الليالي الرمضانية المميزة أعاد الضيوف المكرمين إلى صفة الأجانب المغتربين.
في أيام العيد يظن العديد من الأهالي أنهم أهل الفرح الوحيدون المعنيون ببهجة، العيد فيما على المقيمين أن يعودوا فقط إلى أعمال تخدم الرغبة الملحة في الاستهلاك دون مراعاة إلا من قليلين لحاجة هؤلاء أيضا للبهجة والفرح بإكمال العدة "عدة أيام الصوم".
"أجنبي مسكين".. بهذه العربية المكسرة يجيب مسلم آسيوي عن ردة فعله إزاء تهجم بعض المراهقين عليه عند محطة بنزين، ليستقبل العيد البعيد عن أهله بعبارات السب والإيذاء، فيما راح مواطنون آخرون يلاطفون المقيم ويقدمون له هدايا العيد كبطاقات الاتصال للتواصل بأهله وأولاده.
يحاول السعودي عبد الرحمن محمد الموظف الأهلي الذي خبر قساوة العمل في الشركات والقطاع الخاص، أن يعبر عمليا عن فهمه للحالة الصعبة التي يبقى عليها العمال في ظروف اجتماعية أكثر صعوبة، إذ يعمد إلى توزيع بعض الهدايا البسيطة التي تعبر عن الشكر والامتنان لهؤلاء العمال كبطاقات الاتصال زهيدة الثمن لتسهيل اتصالهم بذويهم، فيما يعمد ابن آخر من أبناء المدينة إلى الاحتفاء بهم بطريقة تعيد ربطهم بالأجواء الرمضانية إذ يمد لبعضهم سفرة مائدة إفطار صباحية بجانب أحد المساجد.
ويبقى الملاحظ أن المدينة المنورة وباقي المدن السعودية تشهد كرنفالا سنويا يعبر عن رابطة دينية عميقة وتكاتف إنساني يفوق الوصف، عبر مئات موائد الإفطار المجانية وملايين وجبات السحور الموزعة على الفقراء والمعوزين، إلا أن المشهد يعود للتراجع بشكل واضح مع أول أيام العيد.